في ظل عصر السموات المفتوحة والتقدم التكنولوجي الهائل برز مؤخراً في بعض البلدان العربية فكرة تبدو جديدة على المجتمع العربي؛ فكرة إدراج الثقافة الجنسية كمادة تدرس في المدارس تحت مسمى "التربية الجنسية "غرار مواد التربية الاجتماعية ، والتربية الإسلامية ، والتربية الرياضية ، واللغة العربية .. إلخ .. برز ذلك في عصر التقنية المتدفقة التي اختلط بها ملايين المواقع الإباحية إضافة إلى جانب تعلم الثقافة الجنسية ..
فكرة تبدو كما يراها البعض خطيرة..والبعض الآخر يرى أهميتها ، وآخرون يرونها أيضا بالمنطقية ..
وبين وجهات النظر تلك ..برزت أسئلة كثيرة تبحث عن إجابة عادلة ..
إن تم العمل بتلك الفكرة وتعميمها على المدارس يتلقينها فلذات أكبادنا .. هل ستكون المواد المعروضة صحيحة؟
وما هي دوافعها ، ومدى تأثيرها على سلوك الشباب .؟
ما هو الجانب الاقتصادي لتلك المواقع الإباحية المتزايدة في الفترة الأخيرة..؟
الزميلة (إلهام محمد علي) إستعرضت ذلك وخرجت بالحصيلة التالية ..
البداية ..
بما أن العالم العربي غريباً عن الجنس وآثاره ؛ إلا أن إعصار الانترنت والتكنولوجيا الذي غزاه مؤخراً .. بفوائده وأضراره ، ولد لدى الشباب وكبار السن من الجنسين الرغبة لمعرفة ما يدور في العالم الغربي لدرجة انه اقتحم المواقع الإباحية ، وهي من أثرت بسلوكيات معظم الشباب على مجتمعاتهم ، وأسرهم .. فأدركت الدول العربية خطر ذلك ، وحاربت المواقع الإباحية بالحجب المباشر .. إلا أن بعض الأفراد وممن يمتلكون الخبرة في التقنية والبرمجة ، علموا على تصميم وتقديم مواقع إباحية أخرى قادرة على كسر الحجب.. مستفيدين من ذلك في الجانب المادي حين جعلوا زوارها يدفعون المال لمشاهدة الأفلام الإباحية أو الاتصال على أرقام خصصوها كما يقولون تواصل مع المرأة التي تعجبك.. محققين بذلك عوائد مادية قد تتخطى المليارات من الدولارات ..
وفي كل الأحوال فإن الخوض بهذه التفاصيل.. لم يكن بالأمر السهل أو الهين لتناول هذه القضية من كافة الجوانب ونشرها كمادة هامة نقدمها إلى زائر "الإستثمار نت الكريم ، ربما قد يسيء البعض ظنونهم تجاه صاحب المادة.. فتذوب الرسالة ، ويختفي الهدف المحدد"..
بين أيديكم المادة.. أتمنى من الجميع الإدلاء برأيه حول هذا الموضوع والتعليق بما يراه مناسباً في المكان المحدد له نهاية هذه المادة ..
الثقافة الجنسية
جاءت فكرة تدريسها في المدارس لطلاب مصر أثارت الجدل بين مؤيد ومعارض ، ومن يرى أن الدين يسمح لذلك .. وهناك من يقول أن الدين وافق على أن المرء يعرف ذلك لكن بشروط ..والجماهير منهم الموافق ومنهم الرافض مع وجود أسباب ، الأمر لا يحتاج مرور الكرام علية بل يحتاج تفكير وتمعن شديدين ..
ظل هذا الجدل قائما بين الأوساط الشبابية والاجتماعية ، والثقافية والأكاديمية ، وزاد اتساعاً بعد صدور كتاب الدكتور خالد منتصر الذي زرع الخوف لدي البعض ممن اعتبروه تمهيداً لصدور هذه المادة الجديدة. و تباينت آراء عدد من أساتذة التربية، تجاه ما طالب به الدكتور خالد منتصر من خلال كتابه" تواصل لا تناسل" فصول فى الثقافة الجنسية، من ضرورة تدريس الثقافة الجنسية فى المدارس، حيث رفض البعض هذا الأمر تماما مشيرين إلى أن عادات وتقاليد المجتمع المصرى لا تسمح بذلك، فى حين رأى البعض الآخر أن تدريس الثقافة الجنسية شىء طبيعى وهام خاصة فى ظل التطورات التكنولوجية الحديثة التى تتيح التعرض لمعلومات مغلوطة مشوهة.
تأييد
كتاب تواصل لا تناسل صدر مؤخراً وهو عبارة عن فصولاً في الثقافة الجنسية، ليفتح من جديد فكرة تدريس التربية الجنسية في المدارس، ويعود الجدل المعتاد من جديد، وكأنه كان رماداً نفخ فيه فاشتعل، فمازال البعض يرفض والبعض يقبل.
مؤيدو الفكرة: يجب أن لا نخشى الجماعات الإسلامية المتشددة في هكذا موضوع.. وماهي إلا جماعة متخلفة رجعية تقف حائلاً دون تحقيق مبادئ المواطنة. |
حول هذا يقول الدكتور كمال مغيث الباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية في مصر، إن المعرفة الجنسية هى حاجة فطرية وغريزية، وطالما لدينا أعضاء تناسلية فنحن بحاجة لمعرفة المزيد عنها وعن وظائفها ، وأيضا نمتلك ميولا غريزية تجاه العنصر الآخر و نسعى دائما لإشباعها .
وأضاف :أنه في حالة عدم السماح بتدريس الثقافة الجنسية فى المدارس وفقا لخطة علمية موضوعة، سيلجأ الطلاب لطرق غير مشروعة يستسقوا منها المعلومات، خاصة فى ظل التطورات التكنولوجية الحديثة التى تتيح ذلك بمنتهى السهولة واليسر .
مناشدة من أجل إعتمادها
وتساءل مغيث قائلا: ما المانع من تدريس الثقافة الجنسية؟ إذا كانت التربية الإسلامية تحوى العديد من الألفاظ والمشاهد الجنسية، وإذا كنا نخشى هجوم الجماعات الإسلامية المتشددة فيجب أن نشير إلى أنها جماعات متخلفة رجعية تحاول دائما فرض ثقافتها على المجتمع، وتقف حائلا دون تحقيق مبادئ المواطنة وحقوق الإنسان .
الأمر صعب ..
وعلى الجانب الآخر قال الدكتور جمال الدين إبراهيم، أستاذ مناهج وطرق تدريس، أن هناك فرقا بين الثقافة الجنسية والتربية الجنسية، فالأولى يتعرف عليها الإنسان مع تقدم مراحل عمره، أما الثانية فهى تقوم على الوعى والسلوك السليم.
وأضاف أنه من الممكن تدريس التربية الجنسية بالمراحل الدراسية المختلفة ولكن من خلال إدراجها ضمن باقى المقررات، مثل التربية الدينية التى توضح كيفية التعامل مع أعضاء الجسم والاعتناء بها، ومادة العلوم التى تفسر وتشرح الأعضاء التناسلية للإنسان، مشيرا الى أن تدريسها كمادة مستقلة بذاتها يعد أمرا صعبا خاصة فى ظل العادات والتقاليد التى يفرضها المجتمع .
![]() |
فكرة تدريس الثقافة الجنسية يعتبر من مخططات العولمة لتنبيه الأطفال وتشويقهم لممارسة الجنس |
ترسيخ القيم الإسلامية بالمقدمة
يرى الدكتور سمير عبد الفتاح، أستاذ علم نفس التربوى، إنه لا يوجد سبب يستدعى أن يطالب منتصر بتدريس الثقافة الجنسية فى المدارس ، مشيراً إلى أهمية القيم الإسلامية والعادات والتقاليد داخل المجتمع، بدلا من البحث عن أمور فرعية، على حد قوله .
ما بين مؤيد ومعارض
يري مؤيدون تدريس التربية الجنسية أنه جزء لا يتجزأ من الحياة والمناهج ، بل أن تدريسه وسيلة حماية للمراهقين من الانحراف ، ويؤكد أستاذ المناهج وطرق التدريس د. جمال الدين إبراهيم أن المجتمعات العربية حساسة في مناقشة الأمور المتعلقة بالجنس ، لذا يجب أن نعطي هذه المعلومة في إطار من القيم والتنظيم من خلال المواد الدراسية نفسها ، وهى الطريقة التي ستتناول بها التربية الجنسية بأسلوب منمق وعملي يتم من خلاله اكتساب قيم ومهارات وما إلى ذلك .
إنحراف .. نحن في غنى عنه
معارضوا الفكرة:معرفة الجنس في سن صغيرة له مخاطر عديدة، وسيحول الجنس في حياتنا إلى أمر عادي في متناول اليد مما يفقده فكرة المتعة به عند بلوغ السن المناسبة له . |
وعلقت الدكتورة تهاني عثمان أستاذ مساعد فى التربية الخاصة والصحة النفسية بجامعة عين شمس على الأمر قائلة : يجب مواجهة مشاكلنا بعلمية ومنهجية ، لمواجهة مشاكل الشباب في مجتمعنا العربي الإسلامي ، وفى الحقيقة أن العلاقة بين المرأة والرجل علاقة سامية قدستها كل الأديان وأعطتها اهتماماً كبيراً ، ولا مفر اليوم من مواجهة المشاكل المتعلقة بالعلاقة بين الذكر والأنثي خاصة عند الشباب والأطفال ، نظراً لكم المعلومات الهائل والمتدفق بوسائل الإعلام المرئية والمسموعة ، ووسائل التكنولوجيا الحديثة ، وكم الإباحية والأفلام المثيرة والمشاهد التي يجدها أي طفل بسهولة ، وبالتالي هناك ضرورة ملحة لتكثيف التوعية الصحيحة في مثل هذه الأمور .
تقديم المعلومة بشكل مبسط
ومن هنا يأتي أهمية المدرسة في تقديم مثل هذه المعلومات بشكل علمي ومناهج معدة من قبل أخصائيين في علم النفس والتربية وأطباء الصحة الجنسية ورجال الدين ، لتشكيل مادة علمية صحيحة للأطفال بطريقة منظمة بمناهج متدرجة ، تبدأ من عمر 5 سنوات ما قبل المدرسة ، لأن الطفل في المراحل الأولي يكون فضولي وكثير السؤال ، وبما أن الطفل يسأل فلابد أن تكون هناك إجابات لأسئلته بطريقة يفهمها حسب مقدار فهمه ووعيه ونموه العقلي ، لأنه الفضول سيدفعه إلى البحث عن المعلومة التى يريدها ، وغالباً يكون المصدر خاطئ غير موثوق فيه ، هذه المعلومة تترسخ فى ذهنه وقد ينتج عنها انحرافات نحن في غني عنها.
![]() |
يرى البعض المحايد أنه يوافق على تدريس الثقافة الجنسية ضمن مواد التربية الدينية معارضا ان تكون مادة مستقلة. |
الدفاع عن النفس من التحرش الجنسي
وفى ظل انتشار حوادث اعتداءات الأطفال والتحرش بهم جنسياً تؤكد د. تهاني عثمان أن التربية الجنسية تشمل توعية الأطفال كيفية الحفاظ على أنفسهم لحمايتهم من الاعتداءات الجنسية ، عن طريق بعض الإرشادات المتعلقة بخصوصيته جسده سواء للبنت أو للولد ، ليعرف كيف يتعلم أن يدافع عن نفسه ، ويتحدث مع الوالدين عن أي خطأ حدث تجاهه من أي شخص ، وهذا الأمر الحساس يحتاج إلى فريق تدريسي متخصص ، دون الاعتماد على مدرس الفصل ، ولكن هذه المادة تحتاج إلى بعض التخصص مثل أخصائي اجتماعي أو نفسي أو طبيب أو مدرس دين ، أو أخصائي في التربية الجنسية ، ويتم تدريسها وفقاً للمنهج المعد .
80 % من السعوديين يوافقون على تدريس الجنس
أوصت دراسة أجراها فريق من طالبات سعوديات يدرسن في قسم التربية الخاصة في جامعة الملك سعود في العاصمة السعودية الرياض، بتعليم مادة الثقافة الجنسية للأطفال في المدارس الحكومية وأن المجتمع بحاجة لمثل هذه النوعية من الثقافة.
واستندت تلك الدراسة السعودية إلى استبيان تضمن 12 عبارة عامة، بينما تكونت عينة الدراسة من 200 زوج وزوجة بالتساوي، من سكان مدينتي القطيف (شرق) والرياض، نصف العينة أزواج تراوحت أعمارهم بين 20-39 عاماً، أما النصف الآخر فتراوحت أعمارهم بين 40 - 60 عاماً.
وكان المستوى التعليمي والأكاديمي للمشاركين ما بين المرحلة الثانوية إلى المستوى الجامعي.
وأظهرت الدراسة تأييد 80 في المائة من أولياء الأمور المشاركين في الدراسة تدريس التربية الجنسية ضمن مقررات المراحل الدراسية، كما أجاب 43 في المائة أنهم يخجلون من محاورة أبنائهم في المواضيع الخاصة بالحياة الجنسية.
تسليط الضوء.. وغير جديد
وقالت وكيلة قسم التربية الخاصة بجامعة الملك سعود بالرياض، والمشرفة على الدراسة الدكتورة هنية محمود مرزا :
إن التربية الجنسية من القضايا التي نحتاج إلى تسليط الضوء عليها ومناقشتها بطريقة علمية، وقد تم توجيه فريق البحث من الطالبات للتعرف على وجهة نظر الوالدين، ومستوى وعيهم لدعم التوجه للمطالبة باعتمادها كمقررات دراسية في المراحل الدراسية الثلاث.
وأضافت أن :التربية الجنسية ليست موضوعاً جديداً، وإنما هي ضمن قائمة المواضيع الاجتماعية التي تتميز بالحساسية، ويتحرج الناس من نقاشها علناً، وبالتالي فمن المتوقع أن تقابل إما بالتأييد أو الرفض، لذا وكوني أنتمي لفريق المؤيدين، أوجه حديثي للرافضين أو المعارضين لهذا التوجه، وأذكرهم بأنه (لا حياء في الدين)، و(تفقهوا في الدين) .
وأكدت مرزا : أن التربية الجنسية من المواضيع المرتبطة ارتباطاً مباشراً بسلامة نمو الطفل وحمايته من الاعتداءات الجنسية التي قد يتعرض لها.
وقالت : بدأت نسبة التحرشات الجنسية للأطفال تتصاعد في مجتمعاتنا العربية نتيجة الحساسية والحرج المفرط في التأمل معها، ولذا ومن خلال توعية الوالدين وإقرارها كمقرر دراسي سوف يكون لها منهج علمي معتمد يكلف بتدريسه مختص مدرب ومؤهل تأهيلاً عالياً في الموضوع.
أسلوب علمي غير مباشر
تقول د. نادية يوسف كمال أستاذ أصول التربية بكلية البنات: قبل مناقشة فكرة معينة في المنهج، لابد من تحديد الأهداف، بحيث نعرف ماذا نريد أن يكتسبه
من يرفض الفكرة .. لايمثل الجمود والتخلف .. ويجب أن لا تدرس على الملأ |
لابد من الإهتمام بالمراحل العمرية
يقول د. محمد غانم استاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس: قبل تدريس الجنس في المدارس يجب أن يكون هناك من يستطيع أن يجيب علي كل اسئلة الطفل بشكل علمي واضح وصحيح، وتبدأ بالإجابات المبسطة للمعلومة دون الدخول في التفاصيل.. وقبل أن نقرر تدريس الجنس في المدارس علينا بتدريب القائمين علي تدريسه قبل قيامهم بهذه المهمة الصعبة، وكلما تقدم الطفل في عمره، كانت قدرته علي الفهم أسرع، لأنه يلحظ علي نفسه التغيرات الجسدية التي تجعله يعي مشاكله بسهولة ويفهم التحولات والتغيرات التي تحدث له.. أما طفل الابتدائي فإن أقصي سؤال يمكن أن يطرحه هو من أين جئنا.. وعلي القائم بالتدريس له أن يشرح له فكرة البيضة والكتكوت أو البذرة والشجرة. أما في مراحل التعليم الثانوي فإنهم في الغالب يدرسون في علم الأحياء بعض المعلومات عن الفرق بين الجنسين.
وإذا لم نعط أولادنا معلومات صحيحة عن حياتهم الجنسية، فإنهم قد يبحثون عنه بطرقهم الخاصة التي قد تجلب عليهم المشاكل بدلا من حلها، أو قد يصاب بمخاوف تظل تلازمه طول حياته وقد تفسد عليه حياته المستقبلية، أو التي قد تمنع البعض من الاستمتاع بالزواج.. وخاصة أن الكثيرين يمتنعون عن طرح مشاكلهم الجنسية كنوع من الحرج الإجتماعي والخجل.