اقتصاد يمني نُشر

على الحكومة إعطاء الاقتصاد أولوية مـا لم فإن الأزمـــات ستتوالى

لدى الحكومة اليمنية أولويات اقتصادية للخروج من كابوس الانهيار، لكن هناك أزمات سياسية تلقي بظلالها على إمكانية إحداث دفعة في عجلة الاقتصاد. مع هذا على الجميع أن يعرف أنه من غير الممكن القيام بحلول سياسية دون إعطاء الاقتصاد أولوية. لكن هناك الكثير من المؤشرات التي تجعل من البلد يغوص في وحل الضياع. منها ضعف سيطرة الدولة، وانتشار خلايا عنف في مناطق متفرقة، قد تتطور إلى حرب واسعة. فالدولة تقاتل في أبين جماعة أنصار الشريعة، التي تعلن أنها تتبع القاعدة. 


ورغم انحسار موجة الاقتتال في صنعاء وتعز، إلا أن البلد مايزال يواجه ازمة اقتصادية. وخلال العام الماضي أغلقت عشرات الشركات، وسرح عدد كبير من العمال. ومع تزايد حدة الفقر، فإن هذا يجعل البلد قابلة أكثر للانزلاق في الفوضى، مع استعداد الناس للانخراط في أعمال غير مشروعة، من أجل توفير العيش.

ومع أن الحكومة أقرت موازنة قياسية لهذا العام 2012، فهي تواجه عجزا غير مسبوق، يقدر بـ 561 مليار ريال يمني، أي ملياري دولار. وكانت اقترضت الحكومة مبلغا يقدر بـ 93 مليون دولار من صندوق النقد الدولي، من أجل سد العجز. ومع هذا الحجم الكبير من الإنفاق، إلى أي حد ستولي الحكومة الجانب الاستثماري أهمية. أو أن ذلك ستستنزفه الاضطرابات التي تعم البلاد. حقاً تستنزف الأعمال التخريبية الكثير من الموارد، لكن إذا شاهدنا الأرقام الاقتصادية التي وصلت إليها اليمن، فإننا سنصاب بالذعر. ومع أنها بلد فقير وتنتشر فيه البطالة أوساط الشباب، إلا أن العام الماضي ألقى بظلاله بصورة مرعبة، مع توقف كثير من الأعمال.

تقول التقارير إن نحو  5 ملايين يمني يعانون من الجوع بشكل منتظم، و5 ملايين آخرين يكاد ما يجنوه يكفي احتياجات الطعام. وتذهب التقارير إلى أن 47% من السكان يعيشون تحت خط الفقر. وارتفع مستوى انعدام الأمن الغذائي إلى 60% بحسب مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية كاترين براغ. كما أن هناك تراجع في الموارد، وانتشار أعمال تخريبية تمس البنية التحتية كأنابيب النفط، والكهرباء. فهل الحكومة لديها رؤية سريعة لمواجهة هذا، أم أنها تحت قبضة حلول سياسية.

ويبقى التساؤل هل نبدأ بالتسوية السياسية، أو الحل السياسي، من ثم نعود ونقوم بحلول اقتصادية. ومع انتشار البطالة وارتفاع معدلات الفقر، كيف يمكن لوجود حلول سياسية حقيقية. بالتأكيد سيكون من الصعب تثبيت الأمن، ليس في كل البلاد، بل لنقل في المناطق الحيوية، وذات الأهمية. وبالطبع عانت البلد بصورة كاملة من أزمة نفطية خانقة، وتدخلت السعودية بشكل رئيس لإمداد منتجات نفطية ووقود من فترة إلى أخرى، للحفاظ على الاقتصاد، وعدم السماح لانهيار الوضع كلياً. تبدو أولوية الرئيس عبدربه منصور بصورة واضحة، الحفاظ على مؤسسات الدولة من الانهيار. وهذا يعد مسألة في غاية الأهمية. وهو الإطار الذي يمكن البناء عليه، مع ذلك تقوم الحكومة بطلب المساعدات، وبصورة أكبر لسد الميزانية العامة، وهذا لن يكون حلا، إلا بصورة مؤقتة. 

وتبقى ضمن أولويات الحكومة، لعمل دفعة اقتصادية، إيجاد حلول سريعة، حتى تبدأ عدد من الشركات التي أُغلقت باستئناف أعمالها، ويعود كثير من العمال إلى أعمالهم. هذه أولويتها في هذه المرحلة. 

بالتأكيد، على الحكومة، أن تقوم بخطوة، تمنح تلك الشركات الاطمئنان. وهذا بحد ذاته يخفف من تراكم الأعباء، وتخفيف تلك الأرضية القابلة للاضطراب. خلال الفترة السابقة، بدا أن كثيرا من اليمنيين على استعداد للعمل مع أي جهة كانت، طالما ستتوفر لديهم الموارد الاقتصادية التي تساعدهم على العيش. والحلول السياسية لا تكفي لمنع إقحام الشباب في أعمال غير واضحة. الحلول ستكون مرتبطة بعدد من عمليات الابتزاز، أو لنقل لمسألة تقاسم، أو تواجد في مركز القرار. أي أن كل طرف سيطالب بحصته، من تشكيل الحكومة، ومن المناصب الإدارية. لكن هل تمنح المناصب الإدارية، والتي هي من حق المواطن، للكفاءة، أو كمكافأة سياسية. 

على الحكومة في الواقع، ترتيب أولوياتها، ولا يكفي التواجد في فعاليات، ونشرات الأخبار الرسمية. لا يكفي هذا، بالطبع. 



من جمال حسن



مجلة الاستثمار العدد (40) مايو 2012م


مواضيع ذات صلة :