عودة أسواق الأسهم في عموم منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا إلى الانعاش والصعود في نهاية العام الماضي، تلاشى مع حالة الغموض الناجمة عن موجة الاضطرابات والاحتجاجات التي تسود المنطقة منذ شهرين تقريباً.
وانتشرت عدوى الانتفاضتين في تونس ومصر لتهدد الأنظمة في عموم العالم العربي، بدءا من البحرين مركز الأعمال في الخليج، وحالياً في ليبيا البلد الغني بالنفط.
وعاد مؤشر داو جونز الشرق الأوسط افريقيا (مينا) إلى مستويات لم نشهدها منذ سبتمبر الماضي، حين حل التفاؤل بشأن النمو بعد ظهور مؤشرات على تعافي الاقتصاد العالمي من الأزمة المالية، محل الركود الذي شهده الصيف.
وتراجع مؤشر أسواق الأسهم العربية بنسبة %8 منذ ان هرب زين العابدين بن علي، دكتاتور تونس في 14 يناير، ليبدأ بعدها تأثير الدومينو الذي أدى إلى سقوط حسني مبارك في مصر وأثار الرعب في القصور الملكية والرئاسية في المنطقة.
أسعار البترول
أما أسعار النفط فذهبت في الاتجاه الآخر لتواصل ارتفاعها باتجاه 110دولارات للبرميل وسط مخاوف المتداولين بشأن مستقبل الإمدادات بفعل الاحتجاجات القائمة.
وعادة ما تترجم تلك الأسعار ارتفاعاً في أسعار الأسهم في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، التي تتبع تقليدياً أسعار النفط على افتراض ان الثروة المتأتية منها ستتوزع على القطاع الخاص من خلال الحكومة ومشاريع الإنفاق العام.
لكن الأسواق الإقليمية، التي كان أداؤها أصلاً دون نظيراتها من الأسواق الناشئة، يسودها الفزع من المخاطر السياسية الهائلة مع تحرك الشرق الأوسط إلى المجهول.
يقول بنك ايكسوتيكس الاستثماري المتخصص في أسواق الفرونتير إن الإحباط الاقتصادي، من الفقر إلى الفساد، ساعد على إشعال الثورات في المنطقة إضافة إلى عامل انعدام المشاركة الديموقراطية. والدول التي تعاني عدم وجود مشاركة ديموقراطية فعلية مثل الجزائر واليمن شهدت مستويات مرتفعة من الاضطرابات. اما تلك الدول التي لم تشهد اضطرابات حتى الآن، مثل السعودية والامارات رغم افتقارها للمشاركة السياسية، فان ما يدعمها هو وجود ثروات كبيرة.
ويعتقد بنك ايكسوتيكس ان الاتجاه سيكون نحو ادخال مزيد من الاصلاحات وتعزيزها في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، وان رافق ذلك اخفاقات وحالة عدم استقرار على المدى القصير.
ورغم ان الجولة المقبلة من الاصلاحات لن تكون بدافع من احتجاجات الشارع، فان تزايد الضغوط الديموغرافية للسكان الشباب ونشاطهم، سوف يشجع باقي الدول العربية على طرح مزيد من الاجراءات الديموقراطية.
ويقول ايكسوتيكس في مذكرة حول استراتيجية العائدات الثابتة: «ستكون الاصلاحات مؤلمة لبعض المجموعات في المدى القصير، الا انها ربما تعود بالنفع والفائدة على الاقتصاد بنطاقه الاوسع، وبالتالي على مصالح المستثمرين في المديين المتوسط والبعيد».
ويضيف البنك الاستثماري «ونخص بالذكر تلك الاصلاحات التي تيسر المشاركة على نحو افضل بكثير في اسواق العمل، وبما يتفق مع امكانات تحسين النمو الاقتصادي والقدرة على تحمل الديون».
مؤشرات مهمة
ان فترة ما بعد الثورة ستكون مهمة للغاية لجهة ترجمة الآمال نحو تحقيق مشاركة ديموقراطية اكبر، والتحرك نحو اقتصادات اكثر رسوخا وخلق فرص للمستثمرين.
ومع ذلك، فانه مقابل الآمال بالانتقال الى الديموقراطية وفق النموذ التركي او الاندونيسي، هناك ايضا توقعات بعدم الاستقرار والعودة الى الدكتاتورية. ففي تونس المؤشرات لا تزال قليلة على الاتجاه الذي ستسلكه البلاد بعد قرابة شهرين على الاطاحة ببن علي.
سوق الاسهم في مصر التي كانت يوما مفضلة من قبل المؤسسات الاستثمارية في الاسواق الناشئة، ستفتح ابوابها الاربعاء المقبل بعد مرور شهر على تراجعها بمعدل الخمس قبل ان تغلق وسط حالة الاضطرابات التي سادت بشأن رحيل مبارك. يقول سعود مسعود، من مؤسسة اس ام ادفايسوري، للاستشارات المتخصصة في الشرق الاوسط «ان الاستثمار في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا على المدى البعيد عملية فيها موازنة للمعطيات الموجودة نظرا لآفاق النمو البعيدة المدى القوية مقابل الانكشاف الاداري الحاصل اليوم».
ويضيف «نحن اليوم في منطقة مجهولة وسط وضع جيوسياسي متقلب وغامض في المنطقة، والذي كان منحدرا زلقا اخيرا، ومن الممكن ان يظل كذلك في الايام المقبلة».
المصدر : فايننشال تايمز