آراء وأقلام نُشر

الاقتصاديات تحت مجهر التصنيف

تشهد اليمن ومنطقتنا العربية اقبالاً كبيراً ومتزايداً لوكالات التصنيف الدولية على منح المراتب الائتمانية لعدد من البلدان بما فيها بلادنا، والملاحظ ان هذا التصنيف يأتي عندما تحدث تحولات غير مواتية، الامر الذي يكون له أعمق الأثر في تصنيف مجموعة من الدول ضمن المراتب التي تظهر وجود او احتمال تطور مخاطرة الاستثمار وقدرتها على تسديد التزاماتها المالية الخارجية تتراوح بين الضعيفة والمناسبة وقدرة التسديد التي هي رهن التغيرات والظروف الاقتصادية والمالية للدولة المعنية، وتعتبر احد الاسباب وراء القبول المتزايد لدور وكالات التصنيف في بلادنا وبلدان الوطن العربي ويكمن في تقدير حكومة اي دولة من الدول لامكانيات الاقتراض في اسواق رأس المال الدولية، فبعض الدول مصممة على زيادة معدلات الاستثمار من اجل تحقيق المستويات العالية من النمو الاقتصادي بما يكفل القضاء على مشاكل الفقر التي ترزح تحت عبئها وبما يصب في نهاية المطاف لصالح رفاهية مجتمعاتها.

 ولما كان جذب تدفقات رؤوس الاموال الى داخل هذه الدول من اهم العوامل المؤثرة في ذلك فان حصول بلد ما على درجة تصنيف للاستثمار فيه يؤدي في آن معاً الى تعريف المستثمرين الاجانب بالفرص المتاحة فيه والى تخفيض كلفة الاقتراض امامه، ولقد كانت دول الخليج منذ السبعينات ومازالت الى يومنا هذا من الدول الرائدة المصدرة لرأس المال بسبب ارتفاع اسعار النفط والذي وصل الى مايقارب سبعين دولاراً امريكياً للبرميل الخام الواحد، حيث تقوم الدول الخليجية بتمويل المشاريع الرأسمالية الجديدة بالاعتماد على ايرادات النفط وتنطبق هذه الحالة بوضوح على دول مثل سلطنة عمان ودولة قطر حيث اقامت استثمارات ضخمة وكبيرة تقدر وتعادل قيمتها ملايين الدولارات وذلك في اطار تطوير المشاريع المتعلقة بتصدير الغاز الطبيعي السائل، وفي هذا الخصوص اتذكر بان دولة قطر الشقيقة قامت باصدار سندات دولية بتصنيف احدى الوكالات العالمية وذلك لتمويل مشروع (رآس لافان) وقد حذت ايضاً سلطنة عمان حذو دولة قطر بالنسبة لتمويل مشروعها للغاز الطبيعي السائل وبما مهد لزيادة نشاط سوق السندات على صعيد تمويل المشاريع مع العلم بان كلاً من دولة الكويت والمملكة العربية السعودية الشقيقتين قد شاركتا في مثل هذه النشاطات ولا تقف منافع التصنيف عند تسهيل الحصول على التمويل وعند تخفيض تكلفة التمويل فقط بل تتعدى الى ابعد من ذلك، حيث ان عملية وضع سجلات الحكومات للتقييم الانتقادي من قبل وكالات التصنيف تشكل -بحد ذاتها- حافزاً يحث الحكومات على اعتماد ادارة مالية حذرة وحريصة.
ان عملية اصدار تصنيف لدولة ما تتم تحت حكم عدة اعتبارات ووفق أسس المالية الحذرة لان عجز الموازنة في أية دولة من الدول العربية يحظى باهتمامات هذه الوكالات، بالاضافة الى ان وكالات التصنيف لاتبحث بعمق في مسألة العراقيل القانونية والبيروقراطية التي تعترض طريق الاستثمار الخاص ولكن هذه العوامل هي هامة جداً بالنسبة للمستثمرين انفسهم في اغلبية بلدان الوطن العربي بما فيها اليمن حيث تطبق برامج اصلاح لسياساتها المكرو اقتصادية بما يغطي كل انواع النشاط التجاري بما في قانون الشركات والحوافز الاستثمارية وتشريعات مكافحة الاحتكار والتشغيل الخاص للمرافق وتتميز المنطقة العربية بوجود درجة عالية من الصراع في داخل ومابين دولها ولكن الانظمة منفردة أظهرت قدرة كبيرة على التأقلم مع التغير لاي ظرف من الظروف. ومن المعلوم بأن الدول كافة مهما كانت قدراتها وامكانياتها تعبر عن تحسسها تجاه مسألة قيام وكالات خارجية باصدار تقييم لآفاقها ورؤاها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، الا انه يظهر بصورة جلية ان اهتمام وكالات التصنيف ببلادنا والبلدان العربية تعكس التوقعات عن تزايد حاجات بلادنا وبقية البلدان العربية حالياً ومستقبلاً الى الاقتراض من الاسواق المالية العالمية ويتزايد الاقتناع لدى الحكومات العربية اليوم بأن التعاون مع وكالات التصنيف يعود عادة لصالح الحكومات المستهدفة وصالح بلدانها.


 

مواضيع ذات صلة :