دين نُشر

ستيني يحكي «طقوس رمضان المكية» بشوق وحنين

إن لشهر رمضان في البقاع المقدسة (مكة المكرمة) مذاق خاص ونكهة متميزة خاصة عن بقية المدن والأماكن الإسلاميةلإجتماع شرف الزمان بالمكان وله تقاليد عريقة تعود إلى مئات السنين وصفها الرحالة والمستشرقون بإسهاب, فالرحالة ابن جبير قدم وصفا لما كان عليه رمضان في القرن السادس فيصف استعداد أهل مكة لاستقبال الشهر الكريم حيث يقومون بتزيين ساحات الحرم الشريف بالشموع ويصف أنواع الشموع والمشاعل التي جاء بعضها على هيئة ثريا مفصنة ويرتدي «المكيون» أفخر ثيابهم.‏

«أما المستشرق هرخونيه الذي أسلم وأطلق على نفسه اسم » عبد الغفار « فيصف انتظار » أطفال مكة لرمضان اذ يتصورونه شيخاً يأتي إليهم من المدينة المنورة ويترقبونه في اليومين الأخيرين من شعبان وعندما يعلن عن قدومه يستقبله الأطفال بالأناشيد والاهازيج وتدوي المدافع وتطلق العيارات النارية وتهرع الأسر إلى الأسواق لشراء مؤونة شهر الصيام من طعام وشراب وحلوى.‏

ويقوم أشخاص يطلق عليهم الزمازمة يقرعون الطاسات النحاسية داعين الناس إلى شرب ماء زمزم ابتهاجا بالمناسبة.‏

«وعند الغروب في كل يوم من رمضان يحتشد أهل مكة لتناول الإفطار وأداء صلاة المغرب في » الحرم المكي « وينتظر الجميع لحظة الإفطار حين يصعد الريس إلى الطابق العلوي الذي يحيط ببئر زمزم وعندما يحين وقت أذان المغرب يلوح بعلم للجنود الذين ينتظرون عند القلعة فيطلقون المدافع إيذانا بالإفطار وتنطلق في » أنحاء الحرم الأصوات بدعاء الإفطار ( اللهم إني لك صمت ) وتبدأ قرقعة الأذان على المنارات السبع الموجودة في الحرم وبعد الإفطار يؤدي الناس صلاة المغرب.‏

«وللتسحير تاريخ عريق في مكة فقد كان المسحر من المظاهر الاجتماعية لرمضان ويصف ابن جبير » مسحر مكة فالمؤذن الزمزمي يتولى التسحير في منطقة سكن أمير مكة فيقوم وقت السحر داعيا إلى السحور ومعه أطفال صغار يرددون ما يقوله وكان يفعل كل ذلك في صومعته المرتفعة فوق بئر زمزم.‏

وفي نفس الوقت يقوم برفع قنديلين على خشبة عالية بواسطة بكرة معلقة في رأس الخشبة يشد عليها حبلا يستمران متقدين خلال فترة السحور فمن لا يسمع طبلته وإنشاده من أهل مكة يعرف أن وقت السحور قد حان من القنديلين.‏
فإذا حان وقت أذان الفجر أنزل المؤذن القندلين من أعلى الخشبة وبدأ بالأذان.‏

يقول العم صالح عطاس الهيج : كان لرمضان نكهة خاصة في مكة لأن أهلها على احتكاك مباشر مع زوار البيت الحرام القادمين من شتى بقاع الأرض حيث تزدحم مكة ولا تهدا الحركة في الشوارع على مدار اليوم .ويستعد أهل مكة لاستقبال هذا الشهر بتزيين الشوارع بالمصابيح والفوانيس ومع رؤية هلال شهر رمضان المبارك يقوم أهلها بارتداء ملابس جديدة وبالسلام على بعضهم وتبادل التحايا وشكر الله أن مد في عمرهم وأكرمهم بصيام شهر رمضان، والترحم على موتاهم ثم الاستعداد لإعداد احتياجات رمضان من المئونة والملبس وشراء متطلبات الفطور .

ويضيف إن من أهم ما يميز رمضان هو الاجتماع العائلي على سفرة الفطور والتي لا تخلو من الفول والشريك والكعك والططلي ( الكسترد) والسوبيا ( شراب خاص بأهل مكة يصنع من منقوع الشعير .
وعند قرب أذان العشاء يستعدون لصلاة العشاء والتراويح في المسجد الحرام وتكون مكة في قمة الروحانية عندما تتداخل أصوا ت المساجد . وبعد الصلاة يعقدون جلسات سمر إلى منتصف الليل يتبادلون فيها الأخبار والأذكار .
«وعند موعد السحور يمر على كل بيت رجل كان يسمى في الماضي » ـالمسحراتي يمسك في يده طبل ويطرق بعصا صغيرة ومعه فانوس ويقوم بطرق الأبواب لتنبيه الناس بحلول موعد السحور مردداً: (إصحى يانايم سحورك ياصائم وحد الدايم ، رمضان كريم، تسحروا فان في السحور بركة) وكان لكل حارة مسحراتي خاص .

ويضيف الهيج : أن من مظاهر هذا الشهر الكريم في الشوارع كثرة بِسط البليلة والتوت المثلج والبطاطا المقلية في الحارات والأزقة , وبسط لبيع الكبدة والتقاطييع والمقلقل حيث يدير البسطة الأب مع أولاده , وكذلك جلسة الشباب بعد العصر على الدكة , وكانت هناك براميل لماء زمزم حيث يتعاون أهل الحارة في تعبئيه البرميل ثم تأخذ كل عائلة حاجتها .
كما يتم توزيع ماء زمزم للمارين في الأسواق حيث يعبا في جرار فخار .

وبسؤال الخالة آمنة الهيج : عن أهم الأكلات المشهورة في مكة قديماً على وجبة الإفطار تقول : لا تخلو سفرة الإفطار من الفول والشريك والُشربة ولقمة القاضي والسمبوسك والكنافة والبسبوسة والخشاف والمهلبية وكذلك الماسية و القطايف , وكانوا يقومون بتبخير ماء زمزم بالمستكة. كما أن الجيران ن كانوا يتبادلون الأطباق فيما بينهم ويتشاركون في المرقة .
أما بعد صلاة التراويح نأكل البليلة وهي من أشهر مأكولات أهل مكة في رمضان . ومن أهم البرامج التي كانوا يتابعوها :أم حديجان في الإذاعة .
وبسؤالها عن الألعاب في رمضان تقول : كان الأطفال يجتمعون بعد صلاة المغرب للعب البرجون والسُقيطة والبِربر والكورة .

ألا ليت الزمــــــــان يعود يوماً..
 
 
صحيفة مكة الإلكترونية

مواضيع ذات صلة :