في أسواق تتسم بضعف السيولة مع اقتراب نهاية العام، تصبح الإشارات الرسمية بحد ذاتها أداة فعّالة لا تقل أثراً عن التدخل الفعلي، وهو ما يدركه صناع القرار في طوكيو جيداً.
وبينما يبقى الدليل على التدخل غائباً، فإن توقيت التحركات وحده كفيل بإبقاء الين تحت حماية سياسية غير معلنة حتى إشعار آخر.
وتزامناً مع ارتفاعات الين الأخيرة، عدّلت الحكومة اليابانية توقعاتها الاقتصادية للسنة المالية التي ستنتهي في مارس المقبل بالرفع، وتوقعت أن يتسارع النمو في العام التالي، وسط تقديرات تشير إلى أن حزمة التحفيز الهائلة التي تتبناها ستعزز الاستهلاك والإنفاق الرأسمالي.
ماذا حدث قبل العطلة؟
ارتفع الين قليلاً مقابل الدولار خلال تعاملات أمس الأربعاء، مع تركيز المتعاملين على ما إذا كان تراجع العملة اليابانية سيدفع المسؤولين في البلاد إلى التدخل في السوق.
وانخفض حجم التداول في الأسواق قبل حلول عطلة عيد الميلاد اليوم الخميس، حين ستكون البورصة الأميركية والعديد من البورصات العالمية مغلقة.
دفع هذا المستثمرين إلى توخي الحذر من عمليات شراء الين رسمياً من طوكيو، ولا سيما مع انخفاض حجم التداول مع اقتراب نهاية العام، وهو ما يراه محللو «مجموعة إل.إم.إيه.إكس» فرصة سانحة أمام السلطات لاتخاذ إجراءات.
تدخلت اليابان في أسواق الصرف في السنوات الأخيرة أكثر من مرة، كان آخرها في مايو ويوليو 2024، حينما ضخت ما يقرب من 120 مليار دولار، ووصل الين حينها إلى أدنى مستوى في نحو 38 عاماً مقابل الدولار.
تحول في الاتجاهات
تراجع الين رغم إعلان بنك اليابان يوم الجمعة الماضي رفع أسعار الفائدة. وكان الرفع متوقعاً، لكن تصريحات المحافظ كازو أويدا خيّبت آمال بعض المستثمرين الذين كانوا يراهنون على تشديد أكثر للسياسة النقدية.
وقال محللو سوق صرف العملات الأجنبية لدى «مجموعة إل.إم.إيه.إكس»: «تراجع الين عن أعلى المستويات التي وصل إليها في الآونة الأخيرة، لكن تكرار المسؤولين اليابانيين التحذير من تدخل محتمل في سوق الصرف الأجنبي حدّ من المكاسب».
وقالت وزيرة المالية اليابانية ساتسوكي كاتاياما يوم الثلاثاء إن «اليابان لها مطلق الحرية في التعامل مع تحركات الين»، لتصدر بذلك أقوى تحذير حتى الآن بشأن استعداد طوكيو للتدخل في سوق الصرف الأجنبي.
أسهمت تصريحات كاتاياما في وقف تراجع العملة اليابانية، التي ارتفعت 0.2% مقابل الدولار إلى 155.84 ين في أحدث التعاملات، بعد أن وصل الدولار إلى 157.77 ين يوم الجمعة الماضي.
أزمة تاكايتشي
في حين لا يمكن فصل تحركات الين الأخيرة عن المشهد السياسي الداخلي في اليابان، بعد أن كان تراجع الين وارتفاع التضخم على رأس قائمة الأسباب التي أطاحت برئيس الوزراء السابق شيغرو إيشيبا.
تلقى إيشيبا هزيمة كاسحة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي أسفرت عن صعود حزب رئيسة الوزراء الحالية ساناي تاكايتشي، لتصبح أول سيدة تترأس الحكومة في تاريخ اليابان.
أعلنت رئيسة الوزراء عن خطط إنفاق كبيرة تهدف إلى تخفيف الأعباء التي تتعرض لها الأسر من ارتفاع تكاليف المعيشة، فضلاً عن تعزيز الاستثمار في القطاعات سريعة النمو.
ووفقاً لأحدث التقديرات التي أقرّها مجلس الوزراء الياباني، تتوقع الحكومة أن ينمو الاقتصاد 1.1% في السنة المالية الحالية، ارتفاعاً من توقعات أغسطس عند 0.7%، وذلك بعدما جاء تأثير الرسوم الجمركية الأميركية أقل من المتوقع.
توقعات متفائلة
من المتوقع أن يتسارع النمو إلى 1.3% في السنة المالية 2026، إذ سيعوّض الاستهلاك القوي والإنفاق الرأسمالي ضعف الطلب الخارجي، بحسب البيان الصادر عن مجلس الوزراء الياباني أمس الأربعاء.
وقالت الحكومة إنها «تتوقع أن يرتفع الاستهلاك 1.3% في السنة المالية المقبلة، وهي الوتيرة نفسها المتوقعة للسنة المالية 2025، بالنظر إلى أن الإعفاءات الضريبية واستقرار التضخم سيدعمان إنفاق الأسر».
ومن المرجح أن يرتفع الإنفاق الرأسمالي 2.8% في السنة المالية 2026، أي أسرع من الزيادة المقدّرة عند 1.9% للسنة المالية الحالية.
يُذكر أن الحكومة أعدّت حزمة تحفيز بقيمة 21.3 تريليون ين (136.7 مليار دولار) في نوفمبر، تضمنت مدفوعات للأسر التي لديها أطفال، وإعانات لخفض فواتير الخدمات الأساسية للمنازل، وإنفاقاً مالياً لتعزيز الاستثمار في مجالات، مثل البنية التحتية، والذكاء الاصطناعي، ورقائق أشباه الموصلات.
إرم بيزنس