اقتصاد يمني نُشر

أطفال الشوارع .. حاجة .. أم مهنة وضحايا لتجار البشر ؟

لا يوجد لها تعريف محدد فالبعض يصنفها ضمن عمالة الأطفال ويرون أن  خروجهم للشارع بأعمار مختلفة يعد بحد ذاته انتساب  للشارع ويبقون هم من يعول عليهم بناء وطن مستقبلاً .
أطفال الشوارع ظاهرة يقال بأنها ظهرت في أوائل التسعينات وهي ظاهرة جديدة لم يلتفت إليها أحد من قبل كما هي الآن وقد لوحظ تزايدها عندما تعرضت اليمن لأزمة اقتصادية خانقة. وعدد هؤلاء الأطفال يومياً في تزايد مستمر ، ويشملون :  فئة الأخدام أو ما يسمون بالمهمشين ، كذلك الأطفال العائدين من حرب الخليج الأولى، بالإضافة إلى أطفال العائلات التي جاءت من محافظات أخرى واستقرت في المدن بما فيها العاصمة صنعاء كذلك أطفال العائلات الفقيرة.
ويعرف المجلس الأعلى للأمومة والطفولة أطفال الشوارع: بأنهم(الأطفال الذين يعيشون على التسول والقيام بالأعمال المهشمة والمتشردين أو المحرومين من الرعاية الأسرية) .تشير آخر المسوحات التي نفذها الجهاز المركزي للإحصاء بأن عدد الأطفال العاملين بلغ في نهاية 2010 1.551.000 طفل ومعظمهم ليس لهم مأوى ويصنفون ضمن أطفال الشوارع ويمتهنون التسول وأعمال أخرى 
 
 
                        اتخذوهم وسيلة كسب .
رصدنا الكثير من القصص الواقعية المؤلمة التي يحتضنها الشارع لكننا اكتفينا بسرد قصة التوأمين إسلام وسامح لأنهما ضحية جهل أب بخطورة المنزلق ابذي رمى ابنيه فيه.
 إسلام وسامح توأمين  كما يقولان  لا يتجاوزا الثامنة من العمر تصادفهم كل يوم يتوسلون الطلاب والمارة في جامعة صنعاء ويأتون لك بحجج وأعذار تكاد تذرف الدموع من عينيك أثناء سماعك لها ، وإن رفضت أن تعطيهم يتشبثون بك ويلحقونك أينما ذهبت إلى أن يأتي شخص آخر فيضطرون لإعتاقك والذهاب لذلك الشخص فقد يجدون معه ما لم يجدونه لديك.  يبدءان دوامهما   الساعة الثامنة صباحاً ويبدون أكثر انضباطاً من موظفي الدولة،  فما أن تطأ قدماك بوابة جامعة صنعاء حتى  تجدهما أمامك يقومان بعملية تمشيط لكليات الجامعة كل يوم ، أصبح وجهيهما مألوف لدى جميع الطلاب وأصبحا يثيران غضب المارة من الطلاب ، التقطنا لهما صورة وحاولنا أن نعرف سبب خروجهما يومياً وبهذا التوقيت ومالذي أجبرهما بهذا العمر على التسول ومد أيديهم للناس ،، يحكي لنا إسلام أن أبوه حسب قوله هو من طلب منهما أن يخرجا للشارع كي ( يطلبوا)  يتسولوا ليجمعوا حق الغداء ،و يطلب منهم  ألا يعودوا إلى البيت إلا ومع كل واحد مبلغ معين  حدده اسلام وببراءة الطفولة ب1200 ريال ، ويضيف أخوه سامح أنهما يخرجان من الصباح ولا يرجعا البيت إلا بعد العصر خوفاً من والدهما الذي يزعم أنه يهددهم لو لم يعودوا بمبلغ معين فإنه سيضربهم ، والأماكن الأكثر زيارة لإسلام وسامح هي الكليات وكافيترياتها حيث يتواجد الطلاب بكثرة  ،كذلك مقاهي الإنترنت.أياً تكن ظروف هذه الأسرة أو حجمها فهذا لا يعطي الحق للأب بأن يعرض فلذات كبده للأذى واستغلال الناس لهم .. كذلك تركهم محط إزعاج للمارة في الشارع  .
 
 
                             حاجة ... أم مهنة ؟
الأستاذ أحمد القرشي رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة يقول أن سبب انتشار ظاهرة أطفال الشوارع بمختلف مستوياتهم العمرية والطبقية لم يعد الحاجة فقط بل تعداه إلى أن أصبح مهنة للكثيرين وتجارة رابحة ضحيتها هم الأطفال  يتاجر بطفولتهم 
ويضيف القرشي أنها  مشكلة كبيرة جداً نلحظها في شوارع العاصمة والمدن الرئيسية والمحافظات للأسف الشديد هذه الظاهرة لم تأخذ حتى الآن حقها أو طريقها لاهتمام الحكومة  حيث أنه لا يتم الحديث عنها من قبل المؤسسات الحكومية بشكل جيد ولا تقوم  بإجراءات وتدخلات لحلها
أحمد القرشي رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة
وبما أن لكل مشكلة أو ظاهرة  تطفو على السطح في أي مكان ما لابد وأن لها اسباب جوهرية أخرى هي وراء تزايدها  ، في  دراسة أجريت من إحدى الجهات  الحكومية قبل سنوات تطرقت إلى أبرز العوامل  التي أدت إلى تنامي ظاهرة أطفال الشوارع في اليمن وبشكل ملفت منها عوامل اقتصادية مثل :  انتشار الفقر والبطالة وزيادة عدد السكان  الهجرة الداخلية والمعدل المرتفع للأطفال المتوقفين عن الدراسة.أما العوامل الاجتماعية فتتمثل في عدم التوافق الأسري  واليتم  والانفصال بسبب الهجرة أو المشاكل الأسرية(ككبر حجم العائلة مثلاً)  كما يشكل البيت احد الأسباب الهامة التي تجبر الأطفال للجوء إلى الشوارع نتيجة لصغر مساحته أو بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها معظم الأسر اليمنية . 
 
 
                            الشارع ( حضنهم البديل ). 
 بعد أن ضاقت بهم السبل بمختلف مسبباتها لم يجدوا لهم ملجأ سوى الشارع فافترشوا تلك الكراتين ، والتحفوا ظلام الليل ورعبه وكان الشارع هو الحضن البديل عن أسرهم ،  يختلط كثير من الأطفال ذوي الأعمار المختلفة كل يوم بأشخاص جدد يلتقون بهم  جميعاً في سوق العمل المتمثل في التسول في معظم الحالات ، أوتنظيف السيارات ، أوبيع بعض الحاجيات للمارة ويتركز تواجدهم في الجولات ،  وكثيراً ما يقعون ضحية لوحوش الشوارع من الكبار وتجار البشر فيتم استغلالهم في أعمال تتنافى وأعمارهم ، كذلك تتنافى مع الأخلاق الإنسانية عن طريق استغلالهم كما يؤكد أحمد القرشي في الاتجار بهم جنسياً ويقول أن هؤلاء الأطفال  يمارسون أكثر من دور..فهم في  وقت معين يتسولون وفي وقت آخر يتم الذهاب بهم إلى فنادق في العاصمة وغيرها للجنس وهذه مشكلة منتشرة وهناك ما يسمى بالسياحة الجنسية  وهي غير معلنة في اليمن وليس عليها رقابة ولا يوجد جهات تهتم بهذا الجانب فهناك تنظيم لشبكات دعارة للأطفال تقوم هذه الشبكة المنظمة باستخدام الأطفال في الشوارع لهذه الأغراض وهناك شبكات إجرامية أخرى تذهب بهم إلى دول الجوار وبينهم فتيات ، كما يستغلون في توزيع ونقل المخدرات ويصل الحد إلى إدمانهم هذه الأشياء ويضيف المسألة لا يوجد عليها رقابة ونحن أمام مشكلة معقدة وكبيرة جدا وقودها أطفال الشوارع ..
 
                      قوانين لا تغني ولا تسمن 
ما تزال القوانين في اليمن فيما يتعلق بحماية الطفولة قاصرة وتفتقر للتطبيق فعلى الرغم من قيام الحكومة بإقامة مشاريع تحد من تدفق الأطفال إلى الشوارع، ومن ضمنها : الصندوق الاجتماعي للتنمية وصندوق الرعاية الاجتماعي والبرنامج الوطني للسيطرة على الفقر في صنعاء وعدن والبرنامج الوطني للعائلة المنتجة والتنمية الاجتماعية،... وغير ذلك. إلا أن ذلك ما يزال غير كاف للحد من ظاهرة أصبحت تشوه صورة اليمن في الخارج عن طريق استغلال الأطفال والمتاجرة بهم من خلال تهريبهم إلى دول الخليج لاستغلالهم في أغراض شتى تسيء للطفولة وللإنسانية بشكل عام ، وحول أهمية القوانين اليمنية المتعلقة بالطفل ومدى تطبيقها يتساءل القرشي عن ما إذا كان هناك قانون يجرم التسول باستثناء مادة واحدة وهي مبهمة وغير واضحة ولا يستطيع أي قاض استخدامها (( وفيها جملة من اعتاد التسول )) حيث يتساءل القرشي متى أقول أن هذا الشخص قد اعتاد التسول ؟ كم المرات المحددة للحكم على أن هذا المتسول قد اعتاد التسول ؟  بمعنى أن هذا القانون أجوف لا أهمية لوجوده .
كما انتقد قانون حقوق الطفل 45 لسنة 2002  معللاً ذلك  بأن الانتهاكات الخطيرة في قانون حقوق الطفل ليس لها تجريم مثل تجنيد الأطفال التي تعد جريمة دولية لا يوجد عليها عقوبة في قانون الطفل .. كذلك جرائم الاباء والأوصياء ومن عليهم حق الوصاية على الطفل هؤلاء هم أكثر من يفلت من العقوبة بسبب القانون  .
أيضاً عدم وجود قوانين أو سياسات حكومية مباشرة لمكافحة ظاهرة أطفال الشوارع المنتشرة في الآونة الأخيرة من خلال عمل خطة استراتيجية للقضاء على الفقر وتقليص الفجوة المتنامية بين  المناطق الريفية والمدنية ، كذلك فالأسرة تتحمل عبء كبير في عدم متابعتها وإشرافها على أبنائها ومن يرافقون كما لا يوجد أي رقابة على هجرة الأطفال من القرى إلى المدن، وما قد يتعرضون له من مشاكل وأذى نفسي وجسدي نتيجة عدم الرقابة .
 
الحكومة عاجزة ولا تتدخل إلا بضغوط خارجية
 
كثيرة هي المشاكل التي يتعرض لها الأطفال في اليمن نتيجة لضعف هيمنة الدولة وبسط سيطرتها على القانون وجعله فوق الجميع ، الحكومات السابقة وكذا الحالية اشتركوا في نفس الخطأ وهو عدم الالتفات لقضايا المواطن اليمني وخاصة الطفل إلا إذا عبرت الحدود وجاءت 
يقول الأستاذ أحمد القرشي نحن في منظمة سياج رصدنا خلال هذا العام 2013 م أكثر من 70 حالة اختطاف للأطفال ومعظمهم مختطفين من جهات قبلية لديها تصفيات حسابات ، أو نزاع حول أراضي وما إلى ذلك ، لكن الدولة عاجزة وضعيفة عن أنها تهتم بمثل هذه القضية وتسعى لحلها  ، واتهم القرشي الحكومة بأنها لا تحمي المواطن اليمني المختطف كما تحمي الأجنبي حيث أشار إلى وجود مادة بالقانون تجرم اختطاف الأجانب وقد تصل العقوبة حد الإعدام ، ويتساءل من يتحمل مسؤولية استمرا هذا النوع من الاختطافات ؟ ويضيف أن 95% من حالة اختطاف الأطفال تحل قبلياً والحل القبلي غالبا ما يمكن المجرم من الافلات من العقوبة ويهيئ الطريق لتنامي هذه الظاهرة .. وعن تدخل جهات خارجية للضغط على الحكومة لحل مشاكلها يقول القرشي لم تحسم مسألة عدم تجنيد الأطفال على الرغم من الحملة التي قامت بها منظمة سياج غلا بعد تدخل من ليلى    كذلك القضية حديث الساعة الطفلة روان وموضوع زواجها من مسن ووفاتها ليلة دخلتها لم يتم التحرك والبحث في تفاصيلها وحقيقتها إلا بعد تدخل كاثرين آشتون.. بمعنى أننا أمام حكومة أثبتت فشلها في حماية مواطنيها .ولا يقتصر عمل  الوزارات المعنية  الحكومية إلا على  ملاحقة  المنظمات المانحة عند الحصول على مشاريع ومنافسة منظمات المجتمع المدني على الملصقات والبروشورات لكنها  لا تعمل كحكومة مسئولة .  
 
 
السبيل للحد من الظاهرة 
لكل مشكلة حل يتطلب تكاتف الجميع الحكومة مع المواطن مع منظمات المجتمع المدني ، ومن هذه الحلول ما ذكرها القرشي والتي تتمثل في 
    -  أن توجد الدولة  المحا ظن الكفيلة بإيواء هؤلاء الأطفال
- إيجاد برامج تأهيل وتدريب لفئات عمرية ربما نالت قدر من التعليم بحيث أنها تدرج بمعاهد التدريب المهني وغيرها 
- أن تحول هذه المشكلة إلى عيب اجتماعي وهذا يتم عن طريق منظمات المجتمع المدني والحكومة والإعلام أن وجود الطفل في الشارع على أنه عيب 
- يجب أن ينظر إلى الشارع على أنه  مكان مشبوه وخطير على الأطفال 
- ضبط أولياء الأمور وتحميلهم المسؤولية تجاه أبنائهم.
- التثقيف المستمر بخطورة ما يتعرض له هؤلاء الأطفال وذلك عن طريق وسائل الإعلام وفضح العصابات التي تقوم بالاتجار بالأطفال وإحالتهم للمحاسبة القانونية.
 
                     أطفالنا هم جيل المستقبل
كيف نتوقع من أطفال عاشوا طفولة مليئة بالألم والحرمان والتجاهل أن يكونوا جيل المستقبل الذي تقوم به الأمم وتتطور إذا لم يكن هناك ما يضمن لهم العيش بكرامة في وطنهم وهنا يكمن دور الحكومة بإعطاء هذه الظاهرة المزيد من الجدية من خلال إجراء دراسات وبحوث ميدانية في الريف والحضر لمعرفة عدد أطفال الشوارع ومن خلاله العمل على التعاون مع منظمات المجتمع المدني التي تعنى بهذا الشأن لإنشاء مراكز متخصصة تهتم بأطفال الشوارع في محافظات الجمهورية كافة للحد والتقليص من هذه الظاهرة ،  ووجه القرشي في نهاية حديثه رسالة إلى منظمات المجتمع المدني بأن تتكاتف لكشف مثل هذه الجرائم التي ترتكب ضد الطفولة والوصول بها للجهات المعنية لحلها  والابتعاد عن استغلال الجانب الخلافي بين الأطراف السياسية والاهتمام بدورها كمنظمات شريكة للحكومة وليست ند. 
كما استنجد بالقبائل اليمنية بأن تقوم بدورها المعهود منذ القدم المتمثل بالشهامة والكرم والوقوف مع المظلوم ودعا القرشي القبائل إلى الدفاع عن ميثاق الشرف القبلي حيث يقول : إذا كانوا لا يزالون يحافظون على وجوه قبائلهم من العيب الأسود فنحن نعتبر أن اختطاف الأطفال عيب أسود في وجه كل مشايخ القبائل الكبيرة ..نحن نناشد القبائل أن يدافعوا عن ميثاق الشرف القبلي .. وأن يرفعوا عن قبائلهم العيب السود ...لأننا عجزنا اليوم من الحكومة لأنها ضعيفة وعاجزة وفق  وتوازانات ومصالح لاتهم المواطن .
وهي رسالة نوجهها نحن لوسائل الإعلام المقروءة والمكتوبة والمسموعة بأن تعطي حيزاً من وقتها للتوعية بمخاطر ترك الأطفال ضحية لذئاب الشوارع وإلى أولياء الأمور أطفالكم أمانة فلا تفرطوا بهم . 
 
مال وأعمال العدد (119) 2 أكتوبر 2013م

مواضيع ذات صلة :