ثمة عدوان آخر في اليمن، يعمل في صمت، ويحصد أرواح البشر، تماماً كعدوان القصف الجوي، غير أن أحداً لا يلتفت إليه ولا يهتم لأمره، وهو ما يُنذر بكارثة مستقبلية قد لا تُحمد عُقباها في حال ظل الصمت المُطبق من الجهات المختصة تجاه إيجاد حلول حقيقية وجذرية لمواجهته.
إنهُ عدوان إسطوانات الغاز التالفة التي لا يخلوا منها منزلاً من منازل اليمنيين، ويصل تعدادها إلى أكثر من عشره ملايين إسطوانة، ستة ملايين منها على الأقل تالفة وبحاجة للإتلاف الفوري فقد إنتهى عمرها الافتراضي والمقدر من قبل الجهات المختصة ب 15عاماً إذا كانت تلك الإسطوانة سليمة، إلا أن هناك إسطوانات تباع على المواطنين تحمل الصدأ وبها عيوب واضحة للعيان، حسب المختصين.
هذه القضية هي أزمة قديمة لم تجد الحلول الجذرية لها حتى الآن، وخاصة أن كل طرف فيها يلقي بالمسؤولية على الطرف الآخر.
وتقوم شركة الغاز بإختصام مبلغ يصل إلى خمسين أو مئة ريال عن كل اسطوانة غاز يتم تعبئتها بغرض تبديل التالف من الاسطوانات بأخرى جديدة، واستمر العمل بهذا المنوال حتى ما قبل عام ونصف العام، امتنعت الشركة من شراء اسطوانات جديدة دون تقديم حُجج حقيقية.
ويظهر حجم الكارثة جلياً عند معرفة أن قرابة 70% من إجمالي حالات الحروق التي يستقبلها قسم الحروق بالمستشفى الجمهوري بصنعاء سببها إنفجار أو تسرب الغاز من الإسطوانات التالفة حد قول مصدر في المستشفى، بالإضافة إلى أن نسبة مهولة من حوادث حرائق المنازل والمطاعم التي يتم رصدها في الجهات الأمنية المختصة سببها الرئيسي إسطوانات الغاز التالفة.
أدى إنتشار محطات تعبئة الغاز المنزلي في الأحياء إلى تفاقم المشكلة بشكل أكبر، ففي حين كان يتم تعبئة كافة الإسطوانات من المحطة المركزية، كان يحدث إستبدال الإسطوانات الأكثر تلفاً نوعاً بأخرى جديدة، إلاّ أن افتتاح محطات تعبئة الغاز في الأحياء، منع وصول الإسطوانات التالفة وإستبدالها، لتظل في المنازل كالقنبلة الموقوتة التي من المُحتمل إنفجارها في أي وقت.
لم تتوقف أضرار إنتشار محطات تعبئة الغاز في الأحياء عند هذا الحد فقط، بل أنها أضافت مشكلة جديدة طفت إلى السطح عقب انتشار الكثير منها بالشوارع والأحياء، حيث يتم إنشاءها وافتتاحها دون وجود لأدنى وسائل الأمن والسلامة، فكثير منها انفجرت وأدت إلى كوارث طالت الأرواح البشرية والمنازل والمحال التجارية.
الأستاذ وليد عبدالمجيد السفياني -المحامي- يقول: المواطن الذي يدفع قيمة إسطوانة الغاز يشتريها ويدخلها داخل بيته وثاني يوم تنفجر به، هل هناك مسؤول في الدولة يشعر بهذا الشيء؟.. لا يوجد، وهذه عبارة عن حلقة متكاملة، إسطوانات الغاز وخزانات الغاز ومحطات الغاز كلها تتحكم بها إدارة لا تضع لروح الإنسان أدنى إعتبار.
ويضيف: التجاهل غير المبرر لهذه الكارثة الإنسانية فاقم من نسبة ارتفاع ضحاياها من المواطنين الذين ينتظرون ولو تفسيراً واحداً للإنتشار المرعب لعبوات الغاز المنتهية الصلاحية والتالفة.
وتابع السفياني: نعتقد أن عملية تطوير هذه الأسطوانات ليست معضلة صعبة ومعقدة في ظل توفر الإمكانيات الفنية التصنيعية الكبيرة في السوق الصناعي اليمني المتطور بشكل مستمر، وقد لا تكون عملية التطوير والتحسين مكلفة بدرجة كبيرة لأنه تم رفع قيمة تعبئة الأسطوانة خلال السنوات الماضية بدون أي مبررات اقتصادية لأن خام الغاز متوفر محلياً وبأسعار ثابتة ومنافسة عالمياً ولم يواكب عملية رفع الأسعار أي تحسينات في الخدمة المقدمة للزبائن.
وأكد: لابد أن تنظر شركة الغاز المسؤولة عن تعبئة هذه الأسطوانات إلى عملها بشيء من الأمانة والمسؤولية الإنسانية عن أرواح الناس الذين يستخدمون هذه الأسطوانات فكم من الأرواح البرئية كانت ضحية للإهمال الحادث في مستوى هذه الخدمة وبالطبع لا يمكن السكوت على هذا الإهمال حتى لا نحصد المزيد من الكوارث والمآسي الناتجة عن إنتهاء العمر الافتراضي لإسطوانات الغاز ونحن دولة تملك مقومات تصنيع أفضل وأجود الخامات المستخدمة في إيصال هذه الخدمة لجمهور المستهلكين.