من هنا وهناك نُشر

تغير المناخ وراء أبرز الأحداث التاريخية

يحاول العلماء منذ فترة دراسة العلاقة بين التغيرات المناخية والأحداث التاريخية التي عرفتها المعمورة، وعما إذا كان للمناخ دور في سقوط الامبراطورية الرومانية، خاصة بعد أن لاحظ باحثون أن المناخ الذي ساد أثناء فترة حكم هذه الامبراطورية كان حاراً ورطباً جدا.

يسعى الباحثون الذين نشروا أخيرا بحثا عن المناخ في أوروبا خلال الـ 2500 سنة الماضية، الى إيجاد علاقة مباشرة بين النتائج التي توصلوا إليها وبعض الحقائق التاريخية.

وأما الملاحظة المهمة التي توقف عندها أعضاء فريق البحث، فهي المناخ الرطب والحار الذي تميزت به فترة حكم الامبراطورية الرومانية. وفي هذا الشأن يقول ألف بانغتن الباحث في المعهد الفدرالي السويسري للأبحاث في زيورخ «تزامن تراجع الامبراطورية الرومانية مع جو بارد جدا وغير مستقر ابتداء من عام 250 قبل الميلاد».

ولتفحص هذه المعطيات بشكل أوضح، عمد أفراد الفريق العلمي المكون من علماء في المناخ وعلماء آثار ومختصين في علم الجغرافيا والتاريخ، إلى دراسة حلقات 9000 شجرة باستغلال القطع الخشبية المتحجرة والحية التي تم استقدامها من فرنسا وإيطاليا وألمانيا والنمسا.

ويقول الباحث ذاته ان الفريق اهتم بدراسة حلقات أشجار البلوط لتحديد كميات الأمطار المتساقطة، وحلقات أشجار الصنوبر لضبط تغير درجة الحرارة.

وبحسب الدراسة، فإن مرحلة التغيرات المناخية التي استمرت أكثر من 300 عام تزامنت مع الكارثة الاقتصادية والاجتماعية التي تسبب فيها الغزو البربري.

ويقول ايمانويل غارنييه أستاذ تاريخ المناخ في جامعة كايان ان البربر استفادوا من تجمد نهر الراين، لذلك فهو يعتقد ان العوامل الجوية تلعب دورا غاية في الأهمية في كل الأحداث، لكنها ليست أبدا السبب الوحيد.

وجهة النظر هذه متوازنة وتمد جسرا بين المدرسة الأميركية التي استطاعت ان تؤكد ان المناخ كان وراء العديد من الأحداث التاريخية وبين المؤرخين الفرنسيين الذين يعتقدون ان التفسيرات السياسية والثقافية هي التي يمكن ان تشرح أي تطور تاريخي.

والقصص التي تشير الى علاقة بين الأحوال الجوية والأحداث التاريخية التي عددتها مجلة ساينس في عددها الأخير لا تتوقف عند الامبراطورية الرومانية فحسب، حيث اكتشف الباحثون ارتفاع درجة الحرارة ونسبة تساقط الأمطار انطلاقا من القرن السابع، الأمر الذي يمكن ان يكون وراء التطور الثقافي الذي شهدته العصور الوسطى، وعلى النقيض من ذلك تزامنت حرب الثلاثين عاما التي وقعت

في النصف الأول من القرن السابع عشر مع جو بارد جداً وانتشار للمجاعة.

ويروي المؤرخ ايمانويل غارنييه الكثير من القصص والنماذج التاريخية التي تبين وجود علاقة بين التاريخ والتغيرات المناخية، ففي بداية القرن السابع عشر استقبل هنري الرابع في فرنسا قرابة مائة ألف مسلم بعد ان طردتهم اسبانيا، غير انهم اتُّهموا مع بداية فترة الجفاف ما بين عامي 1610 و1611 بجلب سوء الحظ الى فرنسا.

كان هنري الرابع قد مات في ذلك الوقت، لذلك استجابت الملكة التي خلفته لمطالب الشعب وأمرت بطرد المسلمين، فلجأ البعض منهم الى المغرب وتركيا. ويقول الباحث ذاته ان أوروبا عرفت هروب العديد من اللاجئين بسبب المناخ، قبل ان يظهر هذا المفهوم حديثا، حيث يؤكد ان الثورة التي تشهدها دول المغرب العربي بسبب غلاء الطحين والمواد الغذائية هي الثورة نفسها التي شهدتها فرنسا عام 1788.

وينتظر ان يوسع الفريق أبحاثه لتشمل كل أوروبا لجمع المزيد من المعلومات، لأن دراسة الماضي بحسب الأستاذ غارنييه هي السبيل الوحيد لاستشراف المستقبل وقراءة تداعيات الحاضر بمصداقية علمية.


 

مواضيع ذات صلة :