شهد اليمن خلال العقدين الأخيرين تحولات اقتصادية واجتماعية وثقافية وتعليمية أفرزت بعض الظواهر السلبية، كالعنوسة التي بدأت تتفشى في البلاد نتيجة لتلك المتغيرات التي خلخلت كثيرا من ثوابت وتقاليد الزواج الاجتماعية التي درج اليمنيون على الاستئناس بها والامتثال لقواعدها المتعارف عليها منذ زمن.
ويذهب أغلب اليمنيين إلى أن: متطلبات الزواج والحياة الأسرية قد طرأت عليها تغييرات جوهرية بعد أن كانت تحكمها قواعد من الأعراف التقليدية تقوم على البساطة والقناعة والرضاء بين الزوجين والعيش وفق تلك التقاليد المتواترة في حدود ما اعتاد عليه الناس، أما في الوقت الحالي أصبح الزواج محكوماً بشروط ونفقات جديدة لا يقدر عليها غالبية اليمنيين في الوقت الذي اتسعت فيه مساحة الفقر في اليمن إلى حد غير مسبوق جراء الصعوبات الاقتصادية التي يواجهونها، إذ تشير التقديرات إلى أن نصف السكان يعيشون بأقل من دولارين، والعملة اليمنية في تراجع مستمر مقابل العملات الأجنبية خلال العقدين الأخيرين تقدر بحوالي 059 % إذ كان الدولار مطلع عام 0991 يعادل 52 ريالاً أما اليوم أصبح يساوي 832 ريالاً ودخل الاقتصاد اليمني مرحلة انكماش غير مسبوقة أضعفت قدرته على توليد فرص عمل جديدة، فيما تزايد اعتماد البلاد على الواردات الخارجية كل ذلك أنعكس سلباً على القدرة الشرائية للمواطنين وغير أولوياتهم الإنفاقية التي أصبحت تتجه إلى إشباع الحاجات الأساسية من مأكل ومشرب وكساء ودواء فيم الزواج الذي يعد مطلباً أساسياً تراجع نتيجة لتلك الظروف الصعبة والقاسية إلى حاجة ثانوية.
وضع مختلف
ويرى الباحث الدكتور عبدالسلام الكبسي أستاذ جامعي رئيس بيت الشعر اليمني: ان العنوسة في اليمن وضعها مختلف عما هي عليه في بلدان الخليج العربي والسعودية لأن سببها اقتصادي بحت، مستطرداً: «في السنوات الأخيرة، يلتحق الشبان بالتعليم العالي على أمل الحصول على عمل يمنحهم وضعاً اقتصادياً واجتماعياً يمكنهم من تلبية حاجاتهم وتطلعاتهم في بناء أسرة والاستقرار، بيد أنهم لا يجدون فرصهم في الوظيفة المأمولة فيتأخرون عن اللحاق بقطار الزواج، وإذا حصل بعضهم عليها فإن عائدها المالي لا يعينهم على فتح بيت، والتأسيس لأسرة في ظل ظاهرة غلاء المهور، والنتيجة أن الغرض من التعليم والوظيفة وظروف المعيشة الصعبة وعدم القدرة على تحقيق وضع اجتماعي واقتصادي يشكل أسباباً رئيسة لتزايد العنوسة في اليمن وخصوصاً بين أوساط الجامعيين، علاوة على فساد النظام السياسي المستبد الذي لا يحل مشاكل الشباب ولا يلتفت إليها، ما يشعر المواطن أنه وحده يكافح ويكد فتهتز شخصيته ويزداد عناؤه فالدولة لا تهتم به ولا بمعاناته ولا تؤمن أي مستقبل له فيحجم عن الزواج هرباً من هذا الوضع القاسي.
انعكاسات نفسية
وحول الانعكاسات النفسية والاجتماعية للعنوسة يرى الكبسي طالما وجد الفرد اليمني أنه بعيد عن حق من حقوقه وهو الزواج وحقه في تكوين أسرته فإن شعوراً حاداً بالغبن والظلم الاقتصادي والاجتماعي يخامره، وكلما ضعفت. قدرات أي سياسات على استيعاب مواطنيها وتأمين حياة مستقرة لهم كلما انهار توازن المجتمع.
والحل كما يراه الكبسي: أن تتجه السياسة الحكومية للتصدي لهذه المشكلة بجدية بخلق فرص عمل من خلال توجيه إمكانات البلد إلى القطاعات المشلولة والاهتمام بحاجات الشبان وتطلعاتهم المشروعة في الزواج وبناء أسرة فاعلة غير محبطة أو يائسة نتيجة لقسوة الأوضاع وصعوبات العيش في ظلها وتبني سياسة إسكانية تجاه الشباب واعتبار السكن حقاً من حقوقهم.
يتعين على الدولة تأمينه وتقديم مثلاً، قروض تساعدهم على بناء أعمال مولدة للدخل كل ذلك لو التفتت إليه الحكومة من شأنه أن يشجع على شعور هذه الفئة الفتية بالاستقرار وتحفزهم على التطلعات إلى الزواج بدلاً من النفور منه وبذلك تتوقى الدولة كل الانعكاسات السلبية التي تتولد عن انتشار العنوسة في البلاد.
من جهته الشاب علي الكينعي الذي يعمل مترجماً يعتقد: أن المغالاة في المهور، وما يتطلبه الزواج من ملبس ومسكن، وذهب وإقامة حفلات العرس، ودخول أساليب وتقليعات جديدة لم تكن مألوفة في اليمن من قبل مثل: الكوافير، فستان الزفاف، قاعة الحفلات، الشبكة، شهر العسل، ثم الإنفاق على الأبناء وتعليمهم وعلاجهم إلى آخره من النفقات التي كلما تذكرها الراغب في الزواج هذه الأيام صرف النظر عنه ما لم يكن من أصحاب الملايين أو ممن يشغل وظيفة أو عملا يدر عليه دخلاً يستطيع أن يلبي متطلباته الأسرية والمعيشــــية وهؤلاء أصبحوا قلة قليلة في المجتمع اليمني نتيجة لمحدودية فرص العمل وضعف التأهيل العلمي والمهني ما انعكس سلباً بإحجام الكثير عن الزواج وتأجيله حتى الحصول على شروط ومقومات نجاحه.
ثمة من يرى أن مستوى انتشار العنوسة في اليمن لم تبلغ الحد الخطير الذي وصلت إليه في بعض البلدان العربية لكنها في ظل غياب السياسات الموجهة لقضايا الشباب وإغفال مشاكلهم لاسيما مع الصعوبات الاقتصادية والمعيشية قد تتجاوز الكثير من البلدان العربية وتتحول إلى مشكلة مستعصية يصعب حلها أو معالجتها.