اقتصاد اسلامي نُشر

«إس أند بي»: فرص جديدة للتمويل الإسلامي بالرغم من استمرار القيود

أعربت وكالة «إس أند بي» العالمية للتصنيف الائتماني عن اعتقادها بأن قطاع التمويل الإسلامي سيحقق نمواً مكوناً من رقمين في الفترة ما بين 2022-2023 بعد أن بلغ نمو إجمالي الأصول 10.2% في عام 2021 (باستثناء إيران).

«إس أند بي»: فرص جديدة للتمويل الإسلامي بالرغم من استمرار القيود



وترى الوكالة أن النمو الذي حققه القطاع في العام الماضي قد دعم أصول الصيرفة الإسلامية في بعض الدول الخليجية وماليزيا، كما دعم أيضاً إصدارات الصكوك التي تجاوزت الصكوك المستحقة والأداء القوي لقطاع التمويل الإسلامي.

وبحسب تقرير أصدرته «إس أند بي» أمس، تعتقد الوكالة أن ارتفاع أسعار السلع هذا العام سيدعم انتعاشاً أقوى في العديد من الأسواق الأساسية للتمويل الإسلامي.

علاوة على ذلك، تتمتع معظم هذه البلدان بالمرونة النسبية تجاه الصدمات الاقتصادية الناتجة عن الصراع بين روسيا وأوكرانيا. هذا سيدعم آفاق القطاع للفترة من 2022 إلى 2023، لكن الظروف العالمية المعاكسة قد تغير الصورة.

وأفادت «إس أند بي» في تقريرها بأنه قد خفضت مؤخراً توقعاتها الاقتصادية العالمية في السيناريو الأساسي لدينا لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين ومنطقة اليورو.

وأضاف التقرير أن الوكالة تتوقع أيضاً أن يؤدي ارتفاع أسعار السلع وتغير وضع السيولة العالمية إلى انخفاض إصدارات الصكوك في عام 2022، بعد انخفاض الإصدارات بنسبة 23.2% في الربع الأول.

ونظراً للتباين بين المصادر المختلفة، فقد ركزت «إس أند بي» في تحليلها على إصدارات الصكوك الدولية، التي ارتفعت بنسبة 12.3% في الربع الأول من عام 2022 بعد أن استغل بعض المُصدرين الأكثر عرضة لمخاطر السوق قبل تراجع السيولة العالمية.

وأضاف التقرير أن قطاع التمويل الإسلامي ما يزال متراجعاً بسبب نقاط الضعف الهيكلية، وبالتحديد تعقيدات إجراء المعاملات وارتباط الأداء بأسعار النفط نظراً لتركز القطاع في البلدان المُصدّرة للسلع.

لم يتغير التوزيع الجغرافي للقطاع بشكل جوهري خلال العقد الماضي، مما يشير إلى أنه قد يجد صعوبة في جذب الاهتمام من خارج الأسواق التقليدية. علاوة على ذلك، إن التفضيل الواضح لبعض علماء الشريعة لفرض نسبة أعلى من الأرباح والخسائر في الصكوك يطرح تحديات قانونية محددة.

ومن وجهة نظر «إس أند بي»، فمن المرجح أن تتضاءل شهية المستثمرين والمُصدرين بشكل ملحوظ بمجرد أن تصبح الصكوك أدوات شبيهة بالأسهم؛ لذلك، فإن توحيد المواصفات وتلبية متطلبات جميع أصحاب المصلحة هو وسيلة معقولة لكي يحافظ القطاع على جاذبيته.

وترى «إس أند بي» أيضاً فرصاً في توافق بعض المنتجات المالية الإسلامية مع عوامل الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. وتتوقع الوكالة أن نرى زيادة في إصدارات الصكوك الخضراء والمستدامة (من قاعدة منخفضة)، حيث يتطلع المُصدرون إلى توسيع قاعدة المستثمرين وجذب الصناديق الاستثمارية التي تدعم الاستدامة.

كما قطعت العديد من البنوك الإسلامية شوطاً كبيراً في مجال التحول الرقمي، كالبنوك القائمة في منطقة الخليج أو ماليزيا، لكن البنوك الإسلامية في البلدان الأساسية الأخرى للتمويل الإسلامي لم تحذُ حذوهم بعد. علاوة على ذلك، يمكن أن تجذب الصكوك الرقمية اهتماماً كبيراً من المستثمرين في المستقبل بمجرد تحقيق المتطلبات الأساسية اللازمة.

معدل النمو سيصل إلى حوالي 10% في الفترة ما بين 2022-2023:

وأفاد التقرير بأن قطاع التمويل الإسلامي استمر في النمو في عام 2021 مع ارتفاع حجم الأصول بنسبة 10.2%، مقابل 11.4% في عام 2020، بدعم من نمو الأصول المصرفية.

وأضاف التقرير أن «إس أند بي» تعتقد أن القطاع سيستمر في النمو بنحو 10% سنوياً بفضل ارتفاع أسعار السلع الأساسية والمرونة النسبية للعديد من الدول الأساسية للتمويل الإسلامي في التعامل مع تبعات الصراع بين روسيا وأوكرانيا، بدعم من:

تسارع النمو الاقتصادي: ذكر التقرير أن «إس أند بي» تتوقع أن يتسارع النمو الاقتصادي في معظم الأسواق الرئيسية، ولا سيما في الدول الخليجية وماليزيا، وذلك بفضل ارتفاع أسعار النفط.

وتتوقع الوكالة أيضاً أن تشهد إندونيسيا نمواً اقتصادياً قوياً، بينما تتوقع تباطؤاً ملحوظاً في تركيا بعد نمو مكون من رقمين في عام 2021. كما أن الأجواء الضبابية تحيط بالتوقعات بسبب الظروف العالمية المعاكسة بما في ذلك:

      الصراع بين روسيا وأوكرانيا وتصاعد التوترات مع منظمة حلف شمال الأطلسي، والتي طال أمدها أكثر مما كان متوقعاً.
      استمرار ارتفاع معدلات التضخم، التي تغذيها أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية.
      قيام السلطات الصينية بإغلاق مدن ومناطق رئيسية لوقف انتشار «كوفيد 19»،.
      تكثيف بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنوك مركزية رئيسية أخرى جهودهم لكبح جماح التضخم.

وأفاد التقرير بأن الوكالة قد خفضت مؤخراً توقعاتها الاقتصادية العالمية للاقتصادات الرئيسية الثلاثة في العالم في السيناريو الأساسي. وتتوقع الوكالة الآن نمواً بنسبة 4.2% في الصين، و2.4% في الولايات المتحدة، و2.7% في منطقة اليورو في عام 2022.

وأشار التقرير إلى احتمالية أن يؤثر هذا المشهد الاقتصادي العالمي المتغير على البلدان الأساسية للتمويل الإسلامي.

نمو أسرع لأصول البنوك: ذكر التقرير أنه نظراً للتوقعات الاقتصادية الإيجابية للعديد من دول التمويل الإسلامي، فمن المتوقع أن تتسارع وتيرة نمو التمويل المصرفي.

في المملكة العربية السعودية، سيؤدي استمرار الطلب على قروض الرهن العقاري وتنفيذ مشاريع رؤية المملكة 2030 إلى خلق فرص للتوسع أمام القطاع. وفي الدول الخليجية الأخرى، سيساعد ارتفاع المعنويات الاقتصادية الإيجابية والإنفاق الحكومي والاستثمارات على تسريع وتيرة النمو.

وفي جنوب شرق آسيا، تتوقع أن يتوسع سوق الخدمات المصرفية الإسلامية الذي تبلغ قيمته 290 مليار دولار أمريكي بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ حوالي 8% خلال السنوات الثلاث المقبلة.

وفي الوقت نفسه، نتوقع استمرار ارتفاع نشاط الإقراض الاسمي في تركيا، حيث من المتوقع أن ينمو بنحو 42% في عام 2022، ولكن من المرجح أن تتأثر حصة المساهمة العالمية بتقلب سعر صرف الليرة.

انخفاض حجم إصدارات الصكوك، ولكن مع زيادة الكمية القائمة: تتوقع «إس أند بي» انخفاض إجمالي إصدارات الصكوك في عام 2022. هذا مقارنةً مع استقرار عند 147.4 مليار دولار أمريكي في عام 2021، مقابل 148.4 مليار دولار أمريكي في عام 2020، وزيادة بنسبة 105% في الإصدارات المقومة بالعملات الأجنبية خلال نفس الفترة. ويساهم في ذلك العديد من العوامل.

من المرجح أن يؤدي انخفاض السيولة العالمية وزيادة التعقيدات المتعلقة بالمعايير التنظيمية إلى تراجع إصدار الصكوك في عام 2022، على افتراض بقاء أي اضطراب سلبي مرتبط بجائحة «كوفيد 19» في الدول الأساسية للتمويل الإسلامي تحت السيطرة. نتوقع أيضاً تراجع احتياجات التمويل في بعض الدول الأساسية للتمويل الإسلامي وبأن تظل بعض الشركات حذرة في زيادة الإنفاق الرأسمالي بعد التعافي البطيء من الجائحة.

في الوقت نفسه، من المرجح أن تؤدي البيئة الاقتصادية الأكثر دعماً والإنفاق الحكومي إلى خلق الفرص في الدول المصدرة للسلع. علاوة على ذلك، من المرجح أن تستمر بعض الحكومات في طرح إصدارات بالعملة المحلية في سعي منها لتطوير أسواق رأس المال المحلية وتوفير طرق تمويل بديلة لاقتصاداتها.

نلاحظ أن إجمالي الإصدارات قد انخفض بنسبة 23.2% وأن الإصدارات المقومة بالعملات الأجنبية زادت بنسبة 12.3% في الربع الأول من عام 2022، بعد أن أطلق بعض المُصدرين خططهم بشكل مبكر للاستفادة من ظروف السوق قبل ارتفاع أسعار الفائدة.

العديد من هذه الإصدارات كانت إما من أطراف مقابلة ذات تصنيف ائتماني منخفض وإما على شكل أدوات لتعزيز رأس المال. وعلى الرغم من الانخفاض في حجم الإصدارات، فإننا نتوقع أن يتجاوز حجم إصدار الصكوك حجم الصكوك المستحقة في عام 2022، والتي نقدرها بنحو 96 مليار دولار أمريكي.

بعض الدعم من قطاعي التكافل والصناديق الاستثمارية: بالرغم من أن مساهمتهم في القطاع لا تزال محدودة، إلا أن القطاع سيستمر في النمو بنحو 10% سنوياً، أيضاً نمو قطاعي التكافل والصناديق الاستثمارية هذا العام.

ما نزال نرى بأن قطاع التكافل مستمر بالنمو بمعدل سنوي يتراوح ما بين 5%-10%، ولكن نمو صناديق الاستثمار أقل يقيناً بسبب اضطرابات السوق منذ بداية عام 2022، مع احتمال أن تتأثر صناديق الأسهم التي تشكل ربع القطاع وصناديق الصكوك وأسواق المال التي تشكل 60% من القطاع بارتفاع معدلات الفائدة العالمية.

بشكل عام، نعتقد أن قطاع التمويل الإسلامي يمكن أن يحقق نمواً بنسبة 10% (باستثناء إيران) خلال العامين المقبلين. يأتي هذا في سياق نقاط الضعف التقليدية المتكونة في تركيز الأصول في دول محددة وغياب توحيد المواصفات، ولكن مع ظهور فرص جديدة للنمو.

قطاع التمويل الإسلامي يكافح من أجل التوسع إلى ما وراء حدوده التقليدية:

بعد 50 عاماً، لا يزال قطاع التمويل الإسلامي عبارة عن مجموعة من القطاعات المحلية وليس قطاعاً ذا ملامح عالمية حقيقية. لم يكن هناك تغيير كبير في توزيع الأصول المصرفية لقطاع التمويل الإسلامي خلال العقد الماضي.

علاوة على ذلك، لا يزال القطاع يتركز في الدول المُصدّرة للنفط، ويبدو أنه غير قادر على جذب الاهتمام إلى خارج حدوده التقليدية. ومن وجهة «إس أند بي»، فإن الافتقار للقدرة التنافسية لبعض منتجات التمويل الإسلامي والإجراءات المعقدة المرتبطة بهيكلة الصكوك تعتبر من العوامل الرئيسية التي تسهم في إحجام الدول غير الأساسية في القطاع، ولا سيما الدول غير الإسلامية.

ولعل أحد الأمثلة الحديثة هو تطبيق المعيار 59 لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية «أيوفي». إن سوق الصكوك الهجينة التي تجمع بين المرابحة السلعية والأصول الملموسة كاد أن يتجمد في أوائل عام 2021 عندما دخل المعيار حيز التنفيذ في دولة الإمارات العربية المتحدة.

ويتمثل التحدي الذي واجهه المصدرون في كيفية تنفيذ معايير «أيوفي» دون تغيير الخصائص الائتمانية للمعاملة.

توصل المحامون في النهاية إلى حل مقبول من مختلف أصحاب المصلحة، ولكن ذلك ساهم في زيادة انكشاف المستثمرين لمخاطر الأصول المتبقية. ونتيجة لذلك، قرر بعض المستثمرين التركيز على الأسواق التقليدية، والابتعاد عن الصكوك في الوقت الحالي.

وترى الوكالة أن الأصوات المتناقضة من علماء الشريعة الذين يدعون إلى زيادة الخصائص الشبيهة بالأسهم وأصوات المستثمرين الذين يفضلون زيادة الخصائص الشبيهة بالديون يمكن أن تعطل السوق.

يمكن أن يتحقق هذا إذا ما ناقش العلماء آليات تقييم الأصول الأساسية، أو تحديد سعر الشراء عند الإصدار، أو دفع الإيجار غير المرتبط بقيمة الأصول الأساسية. وبحسب وجهة نظر «إس أند بي» أيضاً، فمن المرجح أن تتضاءل شهية المستثمرين والمُصدرين بشكل ملحوظ في حال أصبحت الصكوك أدوات شبيهة بالأسهم.

لذلك، فإن توحيد المواصفات وتلبية متطلبات جميع أصحاب المصلحة هما وسيلة معقولة لكي يحافظ القطاع على جاذبيته. وعليه، تعتقد الوكالة أن هناك هياكل صكوك لمجموعة كاملة من الأدوات المالية، من أدوات الدخل الثابت إلى الأدوات الشبيهة بحقوق الملكية.

زاوية الاستدامة تجذب الانتباه:

أفاد التقرير بأنه منذ بداية العام، حملت بعض معاملات الصكوك علامة الاستدامة. وتتراوح هذه الصكوك من الصكوك الخضراء إلى الاجتماعية، وعليه، تتوقع «إس أند بي» بأن نشهد المزيد من هذه الإصدارات حيث يلبي المُصدرون طلبات المستثمرين.

وأوضح التقرير أن العديد من دول التمويل الإسلامي تتعرض لمخاطر التغير المناخي والعديد من هذه الدول يطور أو ينفذ استراتيجيات تحول، بما فيها الاستثمار الكبير في الطاقة النظيفة. هذه الاستثمارات تقدم فرصاً حقيقية للصكوك المستدامة في الدول الأساسية للتمويل الإسلامي. مع ذلك، نتوقع أن يستغرق تحول الطاقة وقتاً طويلاً حتى يتحقق في الدول الخليجية وماليزيا، وبالتالي، نتوقع أن نشهد لجوءاً متقطعاً للصكوك الخضراء.

يمثل الركن الاجتماعي للتمويل الإسلامي فرصة أخرى للصكوك المستدامة. ومع استمرار ظهور الآثار الاقتصادية للجائحة على شكل ارتفاع في معدلات البطالة، خاصة في الدول ذات القيود المالية، يمكن للصكوك الاجتماعية أن تساعد في إطفاء الصدمة. هذه الأدوات وغيرها من أدوات التمويل الإسلامي يمكن أن يكون لها تأثير أكبر إذا استغلت بشكل صحيح.

التحول الرقمي والتكنولوجيا المالية يفتحان آفاقاً جديدة للنمو:

أظهرت جائحة «كوفيد 19» مدى أهمية قدرة الشركات أو البنوك على تحويل أعمالها إلى الإنترنت للاستمرار في نشاطها. بالنسبة للبنوك الإسلامية والصكوك، إن زيادة التعاون مع التكنولوجيا الرقمية والمالية يمكن أن تساهم في يعزز المرونة لديهم في بيئات أكثر تقلباً وأن تفتح لهم آفاقاً جديدة للنمو. يسير القطاع ببطء في هذا الاتجاه، حيث تحتل التكنولوجيا الرقمية الآن مكاناً بارزاً بين أولويات صانعي القرار.

في دول مجلس التعاون الخليجي، على سبيل المثال، حولت بنوك أنشطتها إلى منصات على الإنترنت أثناء الإغلاق بحد أدنى من التأثر. العوامل الرئيسية الثلاثة لاستقرار القطاع ستكون توفير خدمات مصرفية رقمية، وإصدار صكوك على منصة رقمية باستخدام تقنية البلوكشين، وتعزيز الأمن الإلكتروني.

مع ذلك، إن توفير البنية التحتية العينية وغير العينية وإجراء الرقابة الضرورية ووضع الإطار التنظيمي سيكون من المتطلبات الأساسية للتكنولوجيا المالية لتحفيز قطاع التمويل الإسلامي.

وهذا ما دفع العديد من الجهات التنظيمية والجهات المعنية في منطقة الخليج وغيرها إلى إطلاق حاضنات أو مختبرات تنظيمية محددة «ساندبوكس»، حيث يمكن لشركات التكنولوجيا المالية اختبار ابتكاراتها. يمكن أن تساعد البيئة التنظيمية للصكوك الرقمية والجسر النقدي بين العالمين المادي والرقمي في فتح الطرق للوصول إلى الأسواق.

البيان


 

مواضيع ذات صلة :