وبهذا يُفهم الاقتصاد السياسي باعتباره دراسة الكيفية التي يدار بها البلد مع النظر بعين الاعتبار لكل من العوامل السياسية والاقتصادية. الاقتصاد السياسي هو فرع متعدد الموضوعات من العلوم الاجتماعية يركز على العلاقات بين الافراد والحكومات والسياسة العامة. يدرس الاقتصاد السياسي الكيفية التي تعمل بها النظريات الاقتصادية مثل الرأسمالية والاشتراكية والشيوعية في العالم الواقعي. في الأصل، أي نظرية اقتصادية هي عبارة عن منهجية يتم تبنّيها كوسيلة للتحكم بتوزيع مقدار محدود من الموارد بطريقة مفيدة لأكبر عدد من الافراد.
وبمعنى أوسع، كان الاقتصاد السياسي في وقت ما هو المصطلح الشائع المستعمل في الحقل الذي نسميه اليوم "الاقتصاد". ولكن تدريجيا ومنذ اواخر القرن التاسع عشر بدأ مصطلح "الاقتصاد" يستبدل الاقتصاد السياسي بعد ظهور النماذج الرياضية الحديثة. أدم سمث وجون ستيوارت مل وجين جاك روسو جميعهم استعملوا مصطلح الاقتصاد السياسي لوصف نظرياتهم، ولا تزال عبارة الاقتصاد السياسي تُستعمل لوصف أي سياسة حكومية لها تأثير اقتصادي.
فهم الاقتصاد السياسي
يدرس الاقتصاد السياسي العلاقات التي تتشكل بين سكان الدول وحكوماتهم عندما يتم سن السياسة العامة. ولهذا، هو، نتيجة التفاعل بين السياسات والاقتصاد وهو الاساس في حقل العلوم الاجتماعية. وكما ذكرنا اعلاه، هناك عدة انواع هامة من الاقتصادات السياسية:
1- الاشتراكية: هذا النوع من الاقتصاد السياسي يقوم على فكرة ان انتاج وتوزيع السلع والثروات يتم المحافظة عليها وتنظيمها من قبل المجتمع بدلا من مجموعة معينة من الناس. التبرير خلف هذا هو انه كل ما يُنتج بواسطة المجتمع فهو يتم بسبب اولئك المشاركين، بصرف النظر عن المكانة والثروة والموقع. تهدف الاشتراكية الى ردم الهوة بين الثروة والسلطة، بحيث ان فردا واحدا او اكثر لا يمتلكون غالبية السلطة والثروة.
2- الرأسمالية: هذه النظرية ترى ان الربح هو الحافز الاساسي للتقدم. ببساطة، الفكرة وراء الرأسمالية هي ان الافراد بخصوصياتهم والفاعلين الآخرين يندفعون بتأثير مصالحهم الذاتية – هم يسيطرون على الانتاج والتوزيع ويضعون الأسعار ويخلقون العرض والطلب.
3- الشيوعية: وهي نظرية طُورت من قبل كارل ماركس، الذي أدرك ان الرأسمالية ظاهرة محدودة وهي سبب الانقسام الكبير بين الأغنياء والفقراء. هو اعتقد ان الموارد العامة بما فيها الملكية والانتاج والتوزيع يجب ان يتم الاشراف عليها من قبل الحكومة. اولئك الذين يبحثون في الاقتصاد السياسي يُطلق عليهم الاقتصاديون السياسيون. دراساتهم عموما تستلزم اختبار الكيفية التي تؤثر بها السياسة العامة والموقف السياسي والمؤسسات السياسية على الموقف الاقتصادي للبلد من خلال رؤى سوسيولوجية واقتصادية وسياسية.
يستفيد الاقتصاد السياسي من السوسيولوجيا والاقتصاد والعلوم السياسية ليحدد كيف تؤثر كل من الحكومة والنظام الاقتصادي والسياسات على بعضها البعض.
تاريخ وتطور الاقتصاد السياسي
ان جذور الاقتصاد السياسي كما نعرفه اليوم تعود الى القرن الثامن عشر. العلماء في تلك الفترة درسوا كيفية توزيع الثروة وادارتها بين الناس. بعض الأعمال المبكرة التي تختبر هذه الظاهرة تضمنت مفكرين أمثال أدم سمث وجون ستيوارت مل. لكن المصطلح يُحتمل كثيرا ان يُنسب الى الكاتب والاقتصادي الفرنسي انتوني مونشرستين Antoinede Montchrestien، الذي كتب كتابا في عام 1615 بعنوان Trait de ieconomie politique فحص فيه الحاجة الى توزيع الانتاج والثروة على نطاق أوسع – ليس على نطاق صاحب المنزل كما اقترح ارسطو. الكتاب حلل ايضا كيف تترابط الاقتصاديات والسياسات.
آدم سمث كان فيلسوفا واقتصاديا وكاتبا اشير اليه بأبو الاقتصاد والاقتصاد السياسي. هو كتب عن وظيفة السوق الحر المنظم ذاتيا في كتابه الاول الذي سمي "نظرية العواطف الاخلاقية". كتابه الاكثر شهرة هو "تحقيق في طبيعة واسباب ثروة الامم"الذي صاغ نظرية الاقتصاد الكلاسيكي. انه استُخدم ايضا كأساس لإقتصاديي المستقبل.
اما جون ستيوارت مل فقد جمع الاقتصاد والفلسفة. هو اعتقد ان النفعية Utilitarianism – وهي ان الأفعال التي تقود الى رفاهية الناس هي أفعال صحيحة وان تلك التي تقود للمعاناة هي خاطئة. اساسا، هو اعتقد ان النظرية الاقتصادية والفلسفة كانا مطلوبين الى جانب الوعي الاجتماعي في السياسات لكي يمكن عمل أفضل القرارات لخير الناس. بعض أعماله، بما فيها "مبادئ الاقتصاد السياسي"، "النفعية"، نظام المنطق" قادته ليصبح من أشهر الناس في السياسة والاقتصاد.
الاقتصاد السياسي في المجال الأكاديمي
اصبح الاقتصاد السياسي حقلا اكاديميا بذاته في السنوات الاخيرة. العديد من المؤسسات الكبرى تقدم الدراسة كجزء من برنامج اقسام العلوم السياسية والاقتصاد والسوسيولوجي. البحوث من قبل الاقتصاديين السياسيين تُجرى لمعرفة الكيفية التي تؤثر بها السياسة العامة على السلوك، الانتاجية، والتجارة. الكثير من تلك الدراسات تساعد في تأسيس الكيفية التي توزع بها النقود والسلطة بين الناس ومختلف الجماعات. اولئك الاقتصاديون ربما يقومون بهذا من خلال دراسة حقول معينة مثل القانون، السياسات البيروقراطية، السلوك التشريعي، التداخل بين الحكومات والأعمال، والتعليمات.
دراسة الاقتصاد السياسي يمكن ان تتم عبر أي من الطرق الثلاث التالية:
1- الدراسات المتعددة الحقول: interdisciplinary studies هذا الاتجاه يعتمد على السوسيولوجيا والاقتصاد، وتأثير البيئة السياسية على كل منهما.
2- الاقتصاد السياسي الجديد: هذا الاتجاه يُدرس كمجموعة من الافعال والعقائد ويسعى لعمل افتراضات واضحة تقود الى نقاشات سياسية حول الأفضليات المجتمعية. الاقتصاد السياسي الجديد يضم مبادئ من الاقتصاديين السياسيين الكلاسيك وأحدث تطورات التحليل الجديد في الاقتصاد والسياسة.
3- الاقتصاد السياسي العالمي: ويُعرف ايضا بـ الاقتصاد السياسي المعولم، وهذا الاتجاه يحلل الارتباط بين الاقتصاد والعلاقات الدولية. انه يعتمد على عدة مجالات اكاديمية بما فيها العلوم السياسية والاقتصاد والسوسيولوجي والدراسات الثقافية والتاريخ. الاقتصاد السياسي العالمي هو بالنهاية يهتم بالكيفية التي تتفاعل بها القوى السياسية مثل الدول واللاعبين الافراد والمؤسسات الاقتصادية العالمية.
التطبيقات الحديثة للاقتصاد السياسي
تدرس التطبيقات الحديثة للاقتصاد السياسي أعمال الفلاسفة والاقتصادين الحديثين مثل كارل ماركس. وكما ذُكر اعلاه، ماركس اصبح محبطا بالرأسمالية ككل. هو اعتقد ان الافراد عانوا في ظل الطبقات الاجتماعية القاسية، وحيث يسيطر فرد او اكثر على أكبر نسبة من الثروة. في ظل النظرية الشيوعية، هذا سيزول حتما، بما يسمح لكل شخص ليعيش بالتساوي مع الآخرين حيث ترتكز وظائف الاقتصاد على قدرة وحاجة كل مشارك. في ظل الأنظمة الشيوعية، تتم السيطرة على الموارد وتوزيعها بواسطة الحكومة.
معظم الناس يخلطون بين الاشتراكية والشيوعية. صحيح ان هناك بعض التشابهات – لاسيما، ان كليهما يؤكدان على ردم الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتحقيق التوازن بين كل المواطنين. لكن هناك اختلافات متأصلة بين الأثنين. فاذا كانت الموارد في المجتمع الشيوعي يتم امتلاكها والسيطرة عليها من جانب الحكومة، فان الافراد في المجتمع الاشتراكي يمكنهم حيازة الملكية. لايزال الناس يشترون السلع والخدمات في ظل النظم الاشتراكية، بينما اولئك الذين يعيشون في مجتمع شيوعي يتم تزويدهم بحاجاتهم الضرورية بواسطة الحكومة.
حاتم حميد محسن- شبكة النبأ