*فماذا يعني توطين الصناعة؟
توطين الصناعة لا يقتصر على إنشاء المصانع داخل اليمن، بل يعني بالدرجة الأولى بناء منظومة صناعية متكاملة ترتكز على استغلال الموارد الطبيعية والبشرية المحلية، وتعزيز القدرات الإنتاجية الوطنية، وتقليل الاعتماد على الخارج.. إنه يعني ببساطة نقل اليمن من حالة الاستهلاك إلى الإنتاج، ومن التبعية إلى الاكتفاء، ومن الهشاشة الاقتصادية إلى الاستقلال التنموي.
*الأهمية الاقتصادية لتوطين الصناعة
أهمية هذا التوجه لا تقتصر على الجانب الاقتصادي المباشر، بل يتعداه إلى أبعاد تنموية واستراتيجية.. فتوطين الصناعة يعني تعزيز الاقتصاد المحلي، وزيادة الإنتاج الوطني، وتقليص فاتورة الواردات، مما يؤدي بدوره إلى توفير العملة الصعبة وتحسين الميزان التجاري.
كما يسهم توطين الصناعة بشكل مباشر في خلق فرص عمل واسعة، سواء في القطاعات الإنتاجية أو في الصناعات المساندة كالنقل والتخزين والخدمات اللوجستية والتسويق.. وهذا من شأنه أن يسهم في تخفيف البطالة، ورفع مستوى معيشة المواطنين، ودفع عجلة التنمية المستدامة إلى الأمام.
*فوائد استراتيجية وبُعد سيادي
الصناعة المحلية، حين تُبنى بشكل مدروس، تُمكّن اليمن من تحقيق السيادة على قراره الاقتصادي، وتقلل من تأثره بالأزمات العالمية، وتجعله أكثر قدرة على الصمود.. فالتجارب العالمية أثبتت أن الدول التي اعتمدت على نفسها صناعياً استطاعت النجاة من تقلبات الأسواق، بل وتحولت إلى قوة اقتصادية ذات تأثير في محيطها.
إضافة لذلك، فإن توطين الصناعة يُعد منصة لتحفيز الابتكار والبحث والتطوير، وتحقيق التكامل بين التعليم وسوق العمل، ورفع كفاءة الكوادر الوطنية، مما يعزز من القدرة التنافسية للمنتج اليمني في الأسواق الإقليمية والعالمية.
*كيف نُوطّن الصناعة في اليمن بكفاءة؟
إن توطين الصناعة ليس قراراً عشوائياً، بل عملية ممنهجة تتطلب حزمة من السياسات والخطوات العملية، أبرزها:
- تطوير البنية التحتية: من طرق، وكهرباء، وموانئ، كونها الأساس الذي تقوم عليه أي نهضة صناعية.
- الاستثمار في رأس المال البشري: من خلال التعليم الفني والتقني، وتدريب العمالة على المهارات الصناعية.
- دعم الابتكار المحلي: عبر تخصيص ميزانيات للبحث والتطوير، وتشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
- تحفيز الاستثمار: بتقديم الحوافز والإعفاءات الضريبية، وتهيئة بيئة آمنة ومشجعة للاستثمارات المحلية والخارجية.
- تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص: لتحقيق تكامل في التمويل والإنتاج والإدارة.
- تطوير سياسات وتشريعات داعمة: تضمن الشفافية وتحفظ الحقوق وتُسرّع الإجراءات.
- تقنين الواردات واتخاذ اجراءات حماية نقدية وكمية.
*الطريق إلى يمن منتج ومستقل.
إن مشروع توطين الصناعة في اليمن ليس ترفاً تنموياً، بل ضرورة ملحة لمستقبل الأجيال القادمة.. وهو الطريق نحو يمن مزدهر، يقف على قدميه بثقة، ويمتلك قراره الاقتصادي بعيداً عن التبعية.. وهو أيضاً المفتاح الحقيقي للتنمية الشاملة، التي تشمل الاقتصاد والتعليم والصحة والبيئة.
ولعل أبرز ما نحتاجه الآن هو إرادة سياسية واعية، ورؤية اقتصادية واضحة، وشراكة وطنية شاملة تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.. فالصناعة ليست مجرد مصانع، بل هي أمن قومي، واستقرار اجتماعي، ونهضة حضارية.
وختاماً، فإن توطين الصناعة في اليمن يعني أن نبدأ بالإنتاج لأنفسنا، ونستثمر في طاقاتنا، ونبني اقتصاداً يقف على سواعد أبنائه… لأن الاكتفاء الذاتي لم يعد خياراً، بل شرطاً للبقاء.
*مستشار وزارة الشباب والرياضة