بحلول الوقت الذي انعقد فيه المؤتمر أخيرا الأسبوع الماضي، حضر 35 ألف شخص، لكن ثمانية من بين عشرة من كبار المتحدثين انسحبوا فجأة، مشيرين إلى أسباب “عائلية” و”صحية”.
بدلا من الاستلقاء تحت أشعة الشمس، كان عشاق العملات المشفرة يواجهون شتاء قارصا. تقلصت القيمة السوقية للقطاع تريليوني دولار، أي 70 في المائة، منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. انخفض سعر بيتكوين إلى أقل من 20 ألف دولار، وانفجرت عملتا تيرا ولونا المدعومتين بأصول. وأوقف مقرضو العملات المشفرة، مثل “بابل” و”سلسيوس”، عمليات السحب. وصناديق التحوط، مثل “ثري آروز كابيتال”، تواجه طلب تغطية الهامش.
علاوة على ذلك، كان الموقف الفوضوي سيصبح أسوأ لولا حقيقة أن سام بانكمان فرايد، الملياردير البالغ من العمر 30 عاما، مؤسس منصة التشفير إف تي إكس، أنقذ مقرضي العملة المشفرة مثل “فويجر” و”بلوكفاي” بقروض كبيرة. هذا يعكس صدى تحركات قام بها جون بيربونت مورجان خلال الأزمة المصرفية الأمريكية في 1907، لإنقاذ المقرضين الآخرين في غياب أي دعم مصرفي مركزي.
كل هذا محرج بشكل واضح لدعاة العملات المشفرة. وقد أثار حتما شماتة نقاد التشفير، مثل بيل جيتس ووارن بافيت. كما أنه ترك بعض المنظمين يعبرون عن شكوك حول ما إذا كانت العملات المشفرة لها حقا أي منفعة اجتماعية – أو مستقبل.
لكنني لن أكون مستعدة للمراهنة على أن النقود الرقمية الخاصة ستموت بالفعل – يبدو أن الطفرة أكثر احتمالا. قبل كل شيء، عالم العملات المشفرة عانى بالفعل بعض الانهيارات الكبيرة، لكنه يبدو مثل الأفعى التي كلما قطع رأسها ظهر لها رأس جديد. لا يزال القطاع يضم مجموعة كبيرة من اللاعبين الذين ليسوا مقتنعين فقط بالإمكانيات الثورية لتكنولوجيا دفتر الأستاذ الموزع، “ويب3”، وإنما يؤمنون أيضا بالقدر نفسه بفكرة التدمير الإبداعي.
قال برايان شرودر، رئيس بورصة باينانس للعملات المشفرة في مؤتمر كوليجن، “خلال الأسابيع القليلة المقبلة سيكون هناك مزيد من الضحايا، لكن هذا التحول الطبيعي مفيد للصناعة لأنه يزيل الفائض”. أضاف، “من فقاعة الدوت كوم والانهيار ظهرت أمازون، نريد أن نكون أمازون”. أو كما رددت إديث يونغ، من صندوق ريس كابيتال للعملات المشفرة، “هذه هي المرة الثالثة التي أرى فيها هذا النوع من انهيار العملة المشفرة. إنه أمر جيد للصناعة”.
ربما هذا مجرد دوران يائس. لكن إذا نظرت من كثب، يمكنك أن ترى بالفعل تدافعا حول التدمير الإبداعي. الشركات التي تنهار داخليا هي تلك التي تتميز بإحدى السمات التالية أو جميعها، رافعة مالية كبيرة، اعتراض على التنظيم، ابتكارات شديدة التعقيد، إنفاق هائل على التوسع. لكن شركات أخرى تبلى بلاء حسنا.
خذ “باينانس”، مثلا.
أحد الأسباب التي جعلت شرودر يشعر بالثقة الكافية للظهور على خشبة المسرح في تورنتو، على عكس المتحدثين الآخرين، هو أن أعمال “باينانس” لا تعتمد على التداول بالهامش أو الإقراض بالعملات المشفرة. هذا يجعلها أقل عرضة للخطر من بعض المنافسين. “على الرغم من أنها تواجه تحقيقات تنظيمية أمريكية بشأن ترويجها السابق لعملة تيرا الموقوفة الآن”.
عامل مهم آخر هو أن “باينانس” جمعت أخيرا 200 مليون دولار من رأس المال الجديد، الذي تستخدمه للتنويع في مجالات جديدة. بالتالي، هي توظف الآن مزيدا من الموظفين، كما يقول شرودر، حتى مع وجود منافسين مثل “كوينبيز”.
أو ضع في الحسبان “سيركل”، الشركة التي تدير العملة الرقمية “يو إس دي سي” المدعومة بأصول. في الأعوام الأخيرة، جذبت يو إس دي سي اهتماما وتدفقا أقل بكثير من منافستها تيثر، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن منشئي تيثر اتخذوا موقفا مناهضا للمؤسسة كان شائعا بين الليبراليين، بينما كان المنظمون مرعوبين. “في العام الماضي، سوى المنظمون في نيويورك الأمر مع الشركة بعد اتهامها بتقديم معلومات مضللة في حساباتها”.
على النقيض من ذلك، حاولت “سيركل” إبقاء المنظمين لطيفين من خلال إنتاج حسابات مدققة، والتحدث عن رغبتها في الحصول على ترخيص بنكي والتودد إلى اللاعبين الماليين الرئيسين.
كان هذا يجعل يو إس دي سي أقل جاذبية للاعبي التشفير، إلا أن رسملتها السوقية نمت من 48 مليار دولار إلى 56 مليار دولار في الأسابيع الأخيرة بسبب التدفقات القوية. على النقيض من ذلك، شهدت تيثر تدفقات خارجة أدت إلى انخفاض قيمتها السوقية من 83 مليار دولار إلى 67 مليارا، وإذا استمر هذا الاتجاه فقد تتفوق عليها يو إس دي سي. يؤكد جيريمي ألاير، مؤسس شركة سيركل، “إننا نشهد رحلة شاملة نحو الأمان والجودة”.
من خلال الإشارة إلى هذه الفروق الدقيقة، لا أحاول اختيار الفائزين في المستقبل. كما أشار جافين وود، المؤسس المشارك لشركة إثيروم، في تورنتو “ما زلنا في الأيام الأولى نسبيا لتطوير تكنولوجيا ويب3 هذه”.
لكن النقطة الأساسية هي كما يلي، تماما مثلما لم يتوقع أحد في 2001 أن تكون أمازون عملاقا عالميا بعد عقدين من الزمان، أو أن قوة وادي السيليكون ستستمر في التوسع، قد يختلف عالم التشفير في 2042 اختلافا جذريا عما نراه الآن. وهنا يكمن الوعد المستقبلي لويب3.
العربية