اقتصاد عالمي نُشر

دول الاتحاد الأوروبي معرضة لأخطار متوقعة بسبب أزمة الطاقة.. فكيف ستواجه الأزمة؟!

استمرار التهديد الروسي لإمدادات الغاز مع ارتفاع أسعار الفائدة سيعرضان أسواق الاتحاد لأخطار متوقعة 

دول الاتحاد الأوروبي معرضة لأخطار متوقعة بسبب أزمة الطاقة.. فكيف ستواجه الأزمة؟!

أعاد الأسبوع الماضي طرح الأزمة ذات الرأسين التي تختبر مرونة الاتحاد الأوروبي، في وقت تحاول روسيا فيه كسر الوحدة الأوروبية من خلال الحد من إمدادات الغاز الطبيعي للكتلة، تزامناً، ينهي ارتفاع التضخم حقبة أسعار الفائدة السلبية ويزيد من مخاطر انهيار اقتصاد منطقة اليورو.

لقد أثرت العقوبات الروسية في الكتلة الأوروبية أكثر من الدول الغربية الأخرى، لأن اقتصاداتها متشابكة أكثر من غيرها في الغرب، ووفقاً لمسؤولين في الاتحاد الأوروبي فإن طموح موسكو من خلال التلاعب بإمدادات الغاز هو تقسيم وحدة الكتلة الراسخة في دعم أوكرانيا، وإلغاء العقوبات التي تضر بالاقتصاد الروسي.

وستصل المعركة إلى ذروتها هذا الشتاء، مع احتمال كئيب أن تضطر قطاعات كبيرة من الصناعة الأوروبية إلى إغلاق أبوابها بسبب نقص الطاقة، وفي أسوأ الأحوال، انقطاع التيار الكهربائي عن المستهلكين.

في الأثناء، تركز روسيا جهودها على تغذية التضخم المرتفع الذي دفع البنك المركزي الأوروبي يوم الخميس الماضي إلى رفع أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية.

وبسبب القلق من أن يؤدي إنهاء أسعار الفائدة السلبية إلى زيادة الضغوط بين الاقتصادات الأضعف والأقوى، أعلن البنك المركزي الأوروبي عن أداة سياسية جديدة تهدف إلى حماية أعضاء الكتلة الأكثر ديوناً، بخاصة في الجنوب، من تكاليف الاقتراض المتصاعدة.

أوروبا على شفا ركود

لكن الأداة ليست مُصممة لحماية البلدان من ضغوط أسعار الفائدة الناشئة عن المخاطر السياسية داخل تلك الدول، ففي إيطاليا -ثاني أكبر دولة مثقلة بالديون في الكتلة بعد اليونان- حيث قدم رئيس الوزراء ماريو دراغي، الذي يُعتبر حصناً للاستقرار في البلاد استقالته يوم الخميس 21 يوليو (تموز) الحالي، اتسعت هوامش السندات الإيطالية، وزادت الفجوة بين عائدات السندات الإيطالية وعائدات السندات الألمانية منخفضة المخاطر، بشكل كبير في الأيام الأخيرة.

يحدث كل ذلك في وقت أشارت البيانات الجديدة يوم الجمعة إلى أن أوروبا قد تكون على شفا الركود.

لقد تغلب الاتحاد الأوروبي على أزمات متتالية من قبل. وتحولت مشاكل ديون اليونان في عام 2010 إلى اختبار للبقاء في منطقة اليورو بأكملها واستغرق حلها سنوات، وفي منتصف العقد الماضي كانت موجة الهجرة من الشرق الأوسط وأفريقيا بمثابة اختبار لتضامن الكتلة، حيث سعت الحكومات إلى توزيع العبء بشكل أكثر توازناً بين الجنوب والشمال.

وفي الآونة الأخيرة هدد الوباء أيضاً بضرب الدول الأفقر بشكل أقوى من الدول الغنية، إلى أن دفنت ألمانيا ودول أخرى مقاومتها السابقة لدعم الجيران الأقل ثراءً، وأنشأت صندوقاً من القروض والمنح بقيمة 750 مليار يورو (765.9 مليار دولار) لمساعدتهم.

وعلى عكس بعض الأزمات السابقة يتمتع الاتحاد الأوروبي ببعض المزايا، ففي المقام الأول، حُدِّدت أزمة المخاطر، وهو ما كان بطيئاً بعد أن تخلفت اليونان عن سداد ديونها في عام 2010.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عندما كشفت عن حزمة من الإجراءات يوم الأربعاء (20 يوليو) "سواء كان ذلك قطعاً جزئياً للغاز الروسي أو قطعاً كلياً للغاز الروسي فإن أوروبا بحاجة إلى أن تكون جاهزة".

وتتضمن المقترحات خفضاً طوعياً بنسبة 15 في المئة في استهلاك الغاز الطبيعي والذي يُمكن جعله إلزامياً إذا لم تنجح الإجراءات الطوعية، ومن المقرر أن يناقش وزراء الطاقة الاقتراح في اجتماع يوم الثلاثاء 26 يوليو، وتتطلب الخطة موافقة ما لا يقل عن 15 من الدول الأعضاء البالغ عددها 27 في الكتلة، والتي تمثل 65 في المئة في الأقل من سكان الاتحاد الأوروبي.

وقالت فون دير لاين "أسوأ عدو لنا هو التشرذم"، في مثل هذه الحالة، يمكن للحكومات منع نقل الطاقة إلى دول أخرى، مما يؤدي إلى تفاوت كبير في النتائج الاقتصادية وإقرار استراتيجية فلاديمير بوتين الواضحة لتأليب الحكومات الأوروبية ضد بعضها بعضاً وتقليل الدعم لأوكرانيا والعقوبات.

التصدي لهذا التهديد يكون عبر استمرار الدعم الأوروبي الواسع النطاق لأوكرانيا والاعتقاد بأن الكرملين هو مَن خلق الأزمة بالكامل، وهي قناعة ستزداد حدة إذا قطعت روسيا إمدادات الغاز الطبيعي تماماً.

وقال ديفيد أوسوليفان، المدير العام لمعهد الشؤون الدولية والأوروبية، مقره دبلن، وسفير سابق للاتحاد الأوروبي لدى الولايات المتحدة، لـ"وول ستريت جورنال"، "أعتقد أن كل الأدلة هي أن الإجماع الأوروبي صامد بشكل ملحوظ، هذا شيء يجب مقاومته، ويجب دعم أوكرانيا، لا يمكننا تقديم تنازلات رديئة مع بوتين"، وأضاف أن "الاستثناء الوحيد لذلك يمكن أن يكون المجر، التي كان وزير خارجيتها في موسكو يوم الخميس في محاولة لشراء مزيد من الغاز الطبيعي".

العامل الآخر في جانب الاتحاد الأوروبي هو الوقت، حيث يدرك بوتين جيداً أن نفوذه قصير الأمد، وقال إيان بريمر، رئيس مجموعة أوراسيا الاستشارية، إن "روسيا تفقد نفوذها إذا أغلق بوتين فجأة صادراته الأوروبية... لكن نفوذ روسيا يزول أيضاً إذا جلس بوتين وانتظر تنويع الألمان والأوروبيين مصادرهم".

الجنوب الأوروبي يدفع ثمن السياسات الألمانية للطاقة

وتُعتبر ألمانيا الدولة الأكثر تعرضاً لأزمة الطاقة، وهشاشتها هي نتيجة مباشرة للسياسات التي تم تنفيذها على مدى عقدين من الزمن، حيث سعت برلين إلى إبقاء بوتين قريباً من خلال زيادة الاعتماد على الطاقة في موسكو (حتى عكس سياستها في وقت سابق من هذا العام) وإغلاق مصادر الطاقة الأخرى، بما في ذلك المحطات النووية.

وسيكون مقدار الغاز الطبيعي الذي تحتفظ به ألمانيا، وهي مركز رئيس لإعادة الشحن وتخزين الغاز، أمراً بالغ الأهمية بالنسبة إلى النتائج الأوروبية. ويقول الاقتصاديون في "دويتشه بنك" إن إعادة تصدير الغاز من ألمانيا عامل حاسم، وما إذا كان ينفد الغاز، اعتماداً على الكمية التي تشحنها روسيا، سيكون "متوازناً على حافة السكين"، وقد تجد حكومة برلين نفسها في موقف صعب يتمثل في تقرير ما إذا كانت ستدعم صناعاتها الخاصة أو تشحن الغاز إلى الجيران المحتاجين.

ويُطلب اليوم من الحكومات الأوروبية الجنوبية مثل إسبانيا والبرتغال واليونان، التي أنَّبتها برلين مراراً وتكراراً خلال أزمة منطقة اليورو بسبب إسرافها المفترض، دفع ثمن خيارات سياسة الطاقة في ألمانيا – وأشارت تلك الدول إلى أنها ستفعل ذلك عبر مقاومة تخفيضات الاستهلاك، وقالت بولندا أيضاً إنها تعارض خطة المفوضية الأوروبية.

وقال أوسوليفان "تجد ألمانيا نفسها الآن واحدة من أكثر البلدان تعرضاً للوضع المتغير، لست متفاجئاً تماماً بوجود قدر معين من الشماتة في بعض التعليقات من الأشخاص الذين كانوا في الطرف المتلقي للخطب من برلين في زمن الأزمة المالية"، وأشار إلى أنه يشك في أن ذلك سيعيق في نهاية المطاف طريق حل مشترك للاتحاد الأوروبي، "إذ إن أحد العوامل المؤيدة لحل مشترك لأزمة الطاقة هو أهمية ألمانيا للاقتصادات الأخرى في الكتلة، ففي حال انهارت الصناعة الألمانية بسبب نقص الغاز، فسيُشعَر بآثار التموج عبر الكتلة وأبعد من ذلك".

وقال فرانس تيمرمانز نائب الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية، الأربعاء الماضي، إنه في حالة حدوث نقص في الغاز، "سيؤثر ذلك في كل دولة عضو لأنه سيكون له عواقب وخيمة على اقتصادنا، ولا يمكن لأحد أن يفلت من هذه العواقب".

في غضون ذلك، قد تكون استراتيجية البنك المركزي الأوروبي لمنع تجزئة الكتلة مثيرة للجدل، نظراً إلى أنها تمنح مسؤولي البنك المركزي الأوروبي سلطة تقديرية واسعة لشراء سندات حكومات منطقة اليورو - مما يجعلها قريبة من الممارسة المحظورة للتمويل النقدي المباشر للحكومات، ومن المرجح أن يستدعي ذلك طعوناً قانونية في أجزاء من الكتلة بخاصة ألمانيا.

وقال مراقبون إنه من المرجح أن يختبر المستثمرون كيفية قيام البنك المركزي الأوروبي بنشر الأداة الجديدة، ويمكن أن تأتي تجربة مبكرة في إيطاليا، التي سقطت في فترة من عدم اليقين السياسي بسبب انهيار حكومتها الائتلافية. وهذا هو نوع الموقف الذي لا يقصد البنك المركزي الأوروبي إصلاحه عن طريق شراء السندات.

وقد تؤدي الأزمة السياسية التي أدت إلى استقالة ماريو دراغي إلى تعقيد جهود إيطاليا لمعالجة التضخم والانخفاض المحتمل الطويل الأجل في إمدادات الغاز من روسيا، ومن المرجح أن ينشغل قادة الأحزاب الإيطالية في الغالب بالحملات الانتخابية في الفترة التي تسبق انتخابات 25 سبتمبر (أيلول).

ويمكن أن يستمر "النسيان السياسي" إذا لم يكن هناك فائز واضح بعد الانتخابات الوطنية الأخيرة، ففي عام 2018، استغرقت الأحزاب ثلاثة أشهر لتشكيل حكومة ائتلافية.

وسيبقى دراغي في منصب رئيس حكومة تصريف الأعمال، ومن المحتمل أن يتعثر بسبب الحسابات السياسية للأحزاب.

لقد كان أداء إيطاليا أفضل من معظم جيرانها في تأمين مصادر بديلة للغاز الطبيعي، وحصل دراغي على إمدادات متزايدة من عديد من البلدان، بما في ذلك الجزائر. واشترت شركة مملوكة للدولة الإيطالية جزئياً مرفقين لإعادة تحويل الغاز والتخزين.

 

اندبندنت عربية


 

مواضيع ذات صلة :