تراجعت الليرة التركية بعد أن تعرض الحزب الحاكم بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان لهزيمة مفاجئة في الانتخابات المحلية أمس الأحد، مع انتقال السيطرة على العديد من المدن التركية، بما في ذلك إسطنبول وأنقرة، إلى المعارضة.
انخفض سعر صرف العملة التركية 0.2% إلى 32.4328 ليرة أمام الدولار، وهو مستوى منخفض قياسي على أساس الإغلاق، وذلك في تمام الساعة 10:08 صباحاً في إسطنبول وسط تعاملات ضعيفة بسبب عطلة عيد الفصح في كثير من أسواق أوروبا.
فقدت العملة نحو 9% من قيمتها منذ مطلع 2024، وهو ثاني أكبر انخفاض في قيمة العملة بين نظيراتها بالأسواق الناشئة بعد البيزو التشيلي.
حال تأكيد النتائج الأولية، فستكون هذه هي المرة الأولى التي يتخلف فيها حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان عن حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات البلدية على مستوى البلاد.
قبل التصويت، أعرب المستثمرون عن قلقهم بشأن ما إذا كانت خسارة الحزب الحاكم قد تشجع على إحداث تغييرات في السياسات الاقتصادية المطبقة منذ العام الماضي والتي تضمنت رفع أسعار الفائدة بشكل تراكمي 4150 نقطة أساس. لكن في خطاب تصالحي بعد منتصف الليل، قبل أردوغان الهزيمة وقال إن لدى حزبه دروساً يتعلمها من هذه النتيجة.
تصريحات أردوغان تخفف الضغوط
ربما ساعدت تصريحات أردوغان على تخفيف الضغوط في مؤشرات أخرى للمخاطر، مع انخفاض عقود مقايضة العجز عن سداد الديون وعوائد السندات لأجل 10 سنوات اليوم الاثنين. فقد تراجعت تكلفة التأمين ضد العجز عن سداد الديون التركية لأجل 5 سنوات بمقدار 4 نقاط أساس إلى أدنى مستوى منذ 5 مارس، وانخفض العائد على سندات الحكومة المقومة بالليرة لأجل 10 سنوات 19 نقطة أساس إلى 26.6%. في الوقت نفسه، قادت أسهم البنوك ارتفاع الأسهم التركية، إذ قفز مؤشر "بي آي إس تي بانكس" (BIST Banks Index) بنسبة 2.3%.
وكتب حسنين مالك، المحلل لدى شركة "تيليمر" ومقرها دبي، في تقرير: "لا ينبغي لخسارة أردوغان في الانتخابات المحلية أن تعرقل سياسة الاقتصاد الكلي حالياً، وإذا كانت الأزمة الاقتصادية، وخاصة التضخم، مسؤولة إلى حد كبير عن هذه النتيجة، فإن معالجة التضخم أصبحت الآن أولوية سياسية واقتصادية، وينبغي لهذا أن تصبح أساس تصحيح مسار السياسة التقليدية في الأمد القريب".
مستثمرون يخشون تغيير السياسة الاقتصادية
رحب المستثمرون بالتحول إلى سياسة نقدية أكثر تقليدية تهدف إلى كبح التضخم، حتى مع إضعافها فرص النمو الاقتصادي من خلال جعل الاقتراض شبه مستحيل بالنسبة لمعظم المواطنين. منذ التحول في مسار السياسة النقدية بعد الانتخابات الرئاسية العام الماضي، سجل المستثمرون الأجانب صافي مشتريات من السندات والأسهم التركية بقيمة 4.9 مليار دولار.
مع ذلك، تبنى العديد من مديري الاستثمار نهجاً حذراً تجاه الأصول التركية، خوفاً من أن يفاجأوا دون استعداد بتحول جديد في السياسة الاقتصادية. أشار كثيرون إلى الانتخابات المحلية باعتبارها خطراً، وتوقعوا أن النتيجة الضعيفة قد تدفع أردوغان إلى تغيير مساره.
قال إمري أكجاكماك، كبير المستشارين لدى "إيست كابيتال" (East Capital) في دبي: "نستطيع أن نتوقع أن تشهد فترة ما بعد الانتخابات تقلبات أعنف مما كان متوقعاً. والأسوأ من ذلك أن هذه الفترة التي تتسم بالشك والغموض تتزامن مع انخفاض صافي احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية إلى أدنى مستوى على الإطلاق عند سالب 65 مليار دولار، ويرجح أن يصل التضخم إلى ذروة جديدة فوق 70% في مايو".
عاصمة ثلاث إمبراطوريات
تضم إسطنبول نحو خمس سكان تركيا البالغ عددهم 85 مليون نسمة، وهي المركز الاقتصادي الأكثر أهمية في البلاد، فضلاً عن كونها مركزاً من مراكز السلطة السياسية - كانت في السابق عاصمة لثلاث إمبراطوريات، وبدأ صعود أردوغان سياسياً في هذه المدينة، حيث شغل منصب العمدة إبان حقبة التسعينيات.
ألغيت الانتخابات التي خسرها حزبه في إسطنبول في عام 2019 في البداية بسبب مزاعم سرقة الأصوات بعد فوز غير متوقع لمرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو، مما أدى إلى تراجع العملة التركية بشكل حاد حينذاك.
انخفض سعر صرف الليرة في مارس بأكبر قدر منذ يونيو 2023، وجاءت هذه الخسائر مدفوعة بارتفاع التضخم أعلى من المتوقع وزيادة الطلب المحلي على العملة الصعبة قبل الانتخابات. تدخل البنك المركزي، الذي يواجه أيضاً تآكلاً في احتياطياته من النقد الأجنبي، لزيادة سعر الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس إلى 50% الشهر الماضي.
اقتصاد الشرق