الكثير منا يمر أمام هذه المكاتب دون أن يعيرها اهتماما ولكن هناك الكثيرون ممن يطرقون أبواب هذه المكاتب التي يعني دخولها بداية مشوار للبحث عن فرصة عمل ضائعة تكلف الباحث عنها الكثير من الوقت والمال، فالمؤسف اليوم أن نجد البعض من أبناء جلدتنا يستغل الطروف الراهنة وما أفرزته من بطالة بفتح دكاكين ورفع لوحات ومسميات بأن هذه المكاتب تعمل على تشغيل العمال والخريجين بمختلف التخصصات وهو مادفع ويدفع الكثير من صفوف العاطلين الى التسجيل وقطع استمارات وتعبئتها ودفع رسوم محددة.. وحقيقة إذا تأملنا وضع هذه المكاتب المنتشرة في المحافظات اليمنية لوجدنا أن 95% منها مكاتب وهمية وليس لها أي ارتباط بمكاتب العمل ولايهمها سوى قطع الاستمارات واستنزاف جيوب العاطلين وبث الدعاية والبروشورات لاستقطاب المزيد من الضحايا..
وهنا نتساءل أين دور الجهات المعنية بالرقابة على هذه المكاتب وهل هناك رقابة حقيقية للمكاتب الموجودة حاليا والتي يشكو منها الكثير ممن وقعوا ضحايا نصب بحثا عن مخرج من الواقع الذي يعيشونه ولم يكتشفوا الحقيقة إلا بعد عدد من المشاوير والمتابعة أو إغلاق ما يسمى بمكتب والذي يكون موظفيه لا يزيد عن اثنين في أغلب الحالات.. والتساؤل لماذا لا تقوم مكاتب العمل الرسمية بإعطاء رخص للمكاتب المعتمدة وإغلاق مكاتب السمسرة ووضع تقييم لجميع المكاتب لحماية المواطن من عملية الاحتيال وتشجيع المكاتب المعتمدة والصادقة بممارسة عملها التي تساهم في مساندة الدولة في الحد من البطالة وتشغيل الأيدي العاملة داخل الوطن وخارجه وحتى تكون مكاتب توفير فرص العمل في الوطن نموذج للمصداقية كبقية دول العالم الذي تلتزم المصداقية بالدرجة الأولى في تعاملها مع العامل وتعمل على متابعة العمال في دول المهجر وهو ما كسب تلك المكاتب شهرة والتزاما أخلاقيا وإنسانيا بتقديم خدماتها للمواطنين.
تنتشر مكاتب العمل في الكثير من دول العالم وتسهم في التخفيف من البطالة وتشغيل الأيدي العاملة ولكن من المؤسف أن نجد البعض من الناس في بلادنا يتخلى عن القيم الإنسانية والأخلاقية ويستغل ظروف الفقر والبطالة وحاجة الناس بفتح مكاتب عبارة عن دكاكين ليرفع عليها شعارات ولوحات بأنها توفر فرص عمل للعاطلين ولكل أنواع التخصصات وهو ما جعل الإقبال على هذه المكاتب يتزايد يوما بعد آخر ويشيع في أكثر من محافظة في ظل ازدياد خريجي الجامعات واتساع رقعة البطالة وكثيرون ممن طرقوا أبواب هذه المكاتب أكدوا أنهم وقعوا ضحايا نصب بأوراق وسندات رسمية، محمّلين الجهات الحكومية المعنية المسئولية لعدم رقابتها على مثل هذه المكاتب التي تستغل الظروف المعيشية للمواطنين بممارسة النصب والاحتيال التي أسفرت عن وقوع الكثير من الضحايا ضحية الاقتصاد، ولأهمية هذه القضية ولمزيد من الاطلاع بعدد من الجهات المعنية وعدد من الضحايا والمواطنين كانت الحصيلة الآتية:
مكاتب التوظيف في اليمن - نصب و احتيال
الشاب صادق ع م – جامعي – يرى أن الكثير من مكاتب العمل انتشرت مؤخرا في عدد من المدن اليمنية التي تدعي الكثير منها توفير فرص عمل للعاطلين وللخريجين في دول الخليج ومناطق أخرى بأنها مكاتب قلما تجدها صادقة فغياب الرقابة الحكومية على مثل هذه المكاتب وازدياد أعداد العاطلين عن العمل وخريجي الجامعات وفّر بيئة خصبة ومريحة لأصحاب هذه المكاتب ويكون ضحاياها غالبا من العاطلين الحالمين بفرصة عمل تخرجهم من وضعهم المأساوي الذي يعيشونه، وقد نجد الكثير منهم يقترض قيمة الاستمارة ليدفعها لهذه المكاتب التي تفتح أبوابها لكل الأعمال والتخصصات والأعمار, وبمجرد دفع قيمة الاستمارة وتسجيل رقم تلفونك ينتهي كل شيء بالنسبة لهذه المكاتب، بينما تظل أنت تتابع وتنتظر إيفائهم بالوعد الذي لن يتحقق بل تتفاجأ بأن أبواب هذه المكاتب قد أغلقت وانتقل المكتب إلى شارع آخر وباسم آخر فالدور الرقابي لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل يجب أن يعمل على متابعة هذه المكاتب وعدم منح التراخيص إلا للمكاتب الموثوق بها كما يجدر تقديم ضمانات والتزامات عند فتح هذه المكاتب لحماية المواطن من الاحتيال عليه والحفاظ على ماله, كما أدعو الإخوة المواطنين لعدم الانجرار وراء ما تروج له بعض المكاتب من إغراءات في البروشورات التي تضلل بها الكثير من الباحثين عن فرص عمل.
كما التقينا بالأخ رشيد أحمد أحد ضحايا مكاتب العمل الذي بدأ حديثه قائلا: لا يمكن أن تجد مصداقية لمكاتب العمل فكل ما فيها هو استمارات ودفع مبالغ مالية تصل إلى 2000 ريال لكل استمارة وهو مبلغ كبير إذا نظرنا إلى الإقبال الكبير على هذه المكاتب التي تعمل على الترويج لها في أوساط التجمعات العمالية وعبر سماسرة بأنها مكاتب صادقة وهو يغري الكثير من العاطلين العالمين بستر حالهم في ظل الأوضاع المعيشية السيئة التي نعيشها وهذا بسبب غياب الرقابة ووجود علاقة بين أصحاب هذه المكاتب والجهات المعنية.
النصب باسم ملء استمارة التقديم:
وتؤكد ياقوت- بكالوريوس تجارة- أنها منذ تخرجت من الجامعة منذ 5 سنوات وهي تبحث عن فرصة عمل وتجري وراء كل بارقة أمل للحصول على الوظيفة حيث تتابع الصحف باهتمام شديد لكنها للأسف اكتشفت في نهاية المطاف أنها وقعت ضحية ففي إحدى مكاتب التوظيف حينما تم الإعلان عن وظائف شاغرة ووجدت وظيفة فيها المواصفات التي تنطبق عليها وعندما توجهت إلى مقر مكتب التوظيف فوجئت بدفع رسوم ملء استمارة التقديم تصل إلى 1000 ريال وعندما سألت عن السبب قال لها الموظف المختص إن هذه الرسوم لضمان جدية المتقدمين للوظيفة ورغم تجاوز المقابلة مع المسئول وانطباق الشروط عليها إلا أنها لم تتمكّن من الحصول على الوظيفة وبعد حوالى أسبوعين فوجئت بنفس الإعلان في مكتب آخر للتوظيف فقررت أن تذهب مرة أخرى فلم تجد سوى الأشخاص أنفسهم ويطلبون الرسوم وتبين أن هذه المكاتب لا تملك نشاطا أساسيا وتمارس مهنة ترويج الإعلانات لاستغلال حاجة الباحثين عن العمل وتحصيل الرسوم منهم ليس إلا.
أما تفاحة علوي فتسرد تجربتها قائلة: بعد تخرجي من الجامعة انتظرت بفارغ الصبر الإعلان عن اسمي في درجات الخدمة المدنية ولكن تبين لي مدى وهمي وأدركت أن حلمي لن يتحقق إلا في وجود واسطة كبيرة، وبعد فترة إحباط ويأس تقدمت إلى الوظائف المعلنة وكان أغلبها يقتصر على وظيفتين إما سكرتارية أو مندوبي مبيعات وتسويق وكلاهما لا يتناسب مع مؤهلي وبعض الشركات كانت تشترط رسوما من 500 إلى 2000 ريال لملء استمارة التقديم وبالطبع أغلب المتقدمين يدفعون الرسوم أملا في الحصول على العمل ويتبين أن الهدف منها تحصيل الرسوم فقط.
وفي أحد الإعلانات تمكنت من العمل في إحدى الشركات ورغم عدم ملائمة الوظيفة لمؤهلي إلا أنها خلصتني من لقب عاطل وفي ذات الوقت مازلت أبحث عن فرصة حقيقية تتناسب مع أحلامي.
محاولات باءت بالفشل:
تقول سحر نعمان: لقد حاولت العمل بإحدى المدارس بعد التخرج وكل محاولاتي باءت بالفشل فبدأت أبحث عن أي وظيفة أخرى لكي أستطيع أن أنفق على أسرتي في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها ودائما أشعر بالإحباط خاصة في ظل الإعلانات اليومية التي تنشر بالجرائد فأغلبها يستخدم عبارات براقة ليجذب الباحثين عن العمل وعند التقدم نجد أن المضمون لا يمت للواقع بصلة وأنها مجرد شعارات براقة بلا مضمون أو هدف سوى التلاعب بأحلام الشباب.
أما فائز عبد الحق فيرى أن سر الأزمة يعود إلى ندرة الوظائف الحكومية من ناحية وكثرة خريجي الجامعات في مختلف التخصصات من ناحية أخرى مما أتاح الفرصة لمثل مكاتب التوظيف الوهمية للانتشار واستغلال الباحثين عن فرصة عمل تناسب مؤهلهم.
وأضاف رغم حصولي على المؤهل العلمي إلا أنني حاولت البحث أكثر من مرة وتقدمت من خلال الإعلانات وفي كل مرة أفشل وقررت عدم الدخول في متاهة البحث عن عمل.
عبر مكاتب التوظيف
تقول أميرة فارع- جامعية- تعمل حاليا في مركز اتصالات: بأن سبب انتشار هذه المكاتب الخاصة بالتوظيف نتيجة تزايد أعداد العاطلين عن العمل مما جعلها تمارس الاحتيال على الكثير من الباحثين عن العمل وأن الإعلانات التي تلجأ إليها هذه المكاتب مجرد خداع وتضليل وتجعل الناس تفقد الثقة في أي إعلان وحملت المسئولية الجهات القائمة على العمل واعتباره نوعا من أنواع تجارة الوهم غير القانونية ووسيلة للنصب والتحايل ومن الممكن أن يتورط العديد من الذين يبحثون عن الوظيفة, وهو ما قد يترك تأثيرا سلبيا في معنوياتهم بعد خوض مثل هذه التجارب وأرجعت السبب في انتشار مثل هذه المكاتب إلى سببين: الأول تزايد معدلات البطالة في اليمن والثاني قلة الخبرة في التعامل مع مثل هذه المكاتب, وهذا يستلزم نشر ثقافة عامة بما يمكن الأفراد من الحكم مبدئيا على جدية الإعلانات التي تقوم بها وكما يجب تكاتف الدولة والمجتمع المدني لمحاربة هذه الظواهر مع إتاحة فرص عمل حقيقية بعين من الاهتمام.
صحيفة مال وأعمال العدد (95) 18 ابريل 2012م