مصارف وشركات نُشر

تعرف على قصة صعود وهبوط وإعادة هيكلة ديون "إيفرغراند" الصينية

أكبر شركة مقترضة للديون بالدولار تؤكد أنها تمتلك أكثر من 1300 مشروع في 280 مدينة

تعرف على قصة صعود وهبوط وإعادة هيكلة ديون "إيفرغراند" الصينية

بدأت تتبلور واحدة من أكبر عمليات إعادة هيكلة الديون في الصين. تم الإعلان عن تخلف "تشاينا إيفرغراند غروب" (China Evergrande Group) عن السداد في أواخر العام 2021، وهي الضحية الأبرز لأزمة أوسع نطاقاً تواجه صناعة التطوير العقاري في البلاد.

تدخلت الحكومة لإدارة عملية الإصلاح، مما أدى إلى تهدئة المخاوف من حدوث انهيار غير منظم، كان يمكن أن يهز الاقتصاد العالمي. لكن حاملي سندات الشركة ما زالوا يتساءلون عن حجم أموالهم التي يمكن استردادها بعد أن تهدأ الأوضاع.

  1. كيف وقعت أزمة "تشاينا إيفرغراند غروب"؟

اعتمدت شركة "إيفرغراند"، التي تأسست عام 1996، على الاقتراض بكثافة لتعزيز نموها. وأصبحت أكبر شركة مقترضة للديون بالدولار بين أقرانها، ولفترة من الزمن كانت أكبر مطور في البلاد من حيث المبيعات المتعاقد عليها. تقول على موقعها الإلكتروني إنها تمتلك أكثر من 1300 مشروع في 280 مدينة.

على مدى سنوات، توسعت الشركة في مجالات تشمل السيارات الكهربائية وشراء فريق رياضي محلي.

لكنها عانت أزمة سيولة في عام 2020، ووضعت خطة لخفض ديونها البالغة 100 مليار دولار إلى النصف تقريباً بحلول منتصف عام 2023. لكن سوق الإسكان في الصين بدأت في التباطؤ مع قيام الجهات التنظيمية باتخاذ إجراءات صارمة ضد الإفراط في الاقتراض.

أدت مشاكل التمويل الإضافية إلى انخفاض قيمة أسهم الشركة وسنداتها، وبعد التأخر في سداد بعض السندات الدولارية، تجاوزت الموعد المحدد في ديسمبر 2021 لدفع قسيمتي فائدة على السندات الدولارية. وسرعان ما تم تشكيل "لجنة إدارة المخاطر" التي يهيمن عليها مسؤولون حكوميون لتفادي حدوث انهيار كامل وتوجيه عملية إعادة هيكلة الشركة.

  1. ما خطة إعادة هيكلة "إيفرغراند"؟

تقترح خطة إعادة الهيكلة التي تم إصدارها في مارس أن يحصل المستثمرون في سندات "إيفرغراند" على أوراق مالية جديدة ثابتة العائد مستحقة السداد خلال 10 إلى 12 عاماً، أو مجموعة من الديون والأدوات الجديدة المرتبطة بأسهم وحدة الخدمات العقارية التابعة لها، أو قسم السيارات الكهربائية أو شركة البناء نفسها. في الوقت نفسه، وفرت الشركة معلومات جديدة للدائنين، بما في ذلك تحليل استرداد الأموال الذي أجرته شركة "ديلويت"، حسب محامي "إيفرغراند".

قال المحامي إن متوسط استرداد سندات "إيفرغراند" سيكون 22.5%، مقابل 3.4% من أصل الأموال إذا تمت تصفية الشركة.

  1. هل يتمتع حاملو السندات بأي قوة تفاوضية؟

لم يجد بعض المستثمرين الأجانب فائدة تذكر في الضغط من أجل قضيتهم لدى المحاكم الصينية، نظراً للمشاركة الكبيرة من جانب الحكومة. في وقت مبكر، انتقد فريق من المستثمرين الأجانب ما أسموه عدم تعاون الشركة.

مع ذلك، حصل حاملو السندات على مزيد من النفوذ في يونيو 2022 عندما رفع أحد الدائنين دعوى قضائية لتصفية "إيفرغراند" في هونغ كونغ. ضغطت تلك المحكمة على الشركة لتقديم دليل ملموس على التقدم في مفاوضات الديون من أجل تجنب التصفية.

حصلت "إيفرغراند"على موافقة المحكمة لإجراء التصويت على خطة إعادة هيكلة الديون الخارجية في أواخر أغسطس 2023، لكنها أخرت الاجتماعات بعد ذلك حتى أواخر سبتمبر. أشارت الشركة إلى رغبتها في السماح للدائنين بتقييم بنود المقترحات بالإضافة إلى استئناف تداول أسهمها في 28 أغسطس بعد توقف دام 17 شهراً.

  1. ما مدى سوء الوضع المالي في "إيفرغراند"؟

قدمت النتائج التي تأخرت طويلاً والتي صدرت في يوليو دليلاً مذهلاً. أعلنت الشركة عن تكبدها خسائر مجمعة بقيمة 81 مليار دولار خلال عامي 2021 و2022، وهي أول خسارة للشركة على مدى عامين كاملين منذ إدراجها في عام 2009.

في النصف الأول من العام الجاري، سجلت الشركة خسارة أخرى بقيمة 4.5 مليار دولار رغم زيادة الإيرادات. في الوقت نفسه، ظلت ديون شركة التطوير العقاري مرتفعة، حيث بلغ إجمالي الالتزامات 2.39 تريليون يوان (328 مليار دولار) كما في يونيو. حتى مع زيادة اقتراضها بشكل طفيف إلى 625 مليار يوان كما في يونيو، فإن الذمم التجارية والذمم الدائنة الأخرى للأطراف بما في ذلك الموردين ارتفعت إلى تريليون يوان.

يهدد النقص الحاد في السيولة لدى الشركة استكمال المنازل المباعة مسبقاً والبالغ قيمتها 604 مليارات يوان، ويتوقع أن تؤدي الخسائر المستمرة إلى تعميق تراجع حقوق الملكية، حسب "بلومبرغ إنتلجينس".

  1. هل الأرقام موثوقة؟

قامت "بريزم" (Prism)، وهي شركة محاسبة صغيرة تتولى مراجعة حسابات "إيفرغراند" منذ يناير الماضي، بإخلاء المسؤولية عن حسابات "إيفرغراند" للعام المالي بأكمله في 2021 و2022، قائلة إنها غير قادرة على الحصول على أدلة تدقيق كافية ومناسبة.

لم تصدر "بريزم" استنتاجاً بشأن تقرير نتائج الأعمال للنصف الأول من العام الجاري، مشيرة إلى العديد من الشكوك، مع ذلك، فإن النتائج تعطي حاملي السندات في الخارج شيئاً يمكن التفكير بشأنه.

  1. كيف تسير الأمور في الشركة ؟

يبدو أن النشاط في مواقع البناء لدى "إيفرغراند" يعود إلى طبيعته هذا العام. قال رئيس مجلس الإدارة، هوي كا يان، في اجتماع داخلي خلال يوليو، إن بعض المشاريع قريبة من الانتهاء للتسليم، حسب تقرير إعلامي محلي، موضحاً أن المشروعات غير المكتملة تتواجد بشكل رئيسي في المدن الداخلية مثل كونمينغ وقوييانغ.

ما تزال شركة التطوير العقاري تتعرض لضغوط قانونية، حيث تواجه 2229 دعوى قضائية تبلغ قيمتها 535 مليار يوان تتعلق بوحداتها العقارية في البر الرئيسي كما في يونيو.

في حين تم استئناف تداول السهم في أغسطس، فقد انخفض السهم بنسبة 79% خلال اليوم الأول، مما أدى إلى تقليص القيمة السوقية للشركة إلى حوالي 600 مليون دولار فقط من ذروة بلغت أكثر من 50 مليار دولار في عام 2017.

في مذكرة بحثية أكثر إشراقاً، انتعش تصنيف المبيعات المتعاقد عليها لدى "إيفرغراند"، إلى المرتبة 19 كما في يوليو من بين حوالي 200 شركة. مع ذلك، من غير الواضح مقدار هذا الارتداد الذي جاء من مبيعات العقارات المخفضة المستخدمة لسداد القروض المتأخرة ومنتجات الاستثمار في إدارة الثروات المعروفة باسم "دبليو إم بي".

  1. هل بإمكان الحكومة إنقاذ "إيفرغراند"؟

يُنظر إلى هذا الاحتمال منذ فترة طويلة على أنه مستبعد، ثم تضاءل أكثر عندما قال محافظ بنك الشعب الصيني آنذاك، يي جانغ، إنه سيتم التعامل مع الشركة بطريقة موجهة وفق آليات السوق.

قد تتغاضى خطة الإنقاذ الكاملة ضمنياً عن ذلك النوع من الاقتراض المتهور الذي أوقع شركات ذات شهرة كبيرة مثل شركة "أنبانغ غروب هولدنغز" (Anbang Group Holdings Co) و"إن إتش إيه غروب" (HNA Group Co) في المشاكل أيضاً.

من ناحية أخرى، فإن السماح لشركة عملاقة مثل "إيفرغراند" بالانهيار التام من شأنه أن يسبب متاعب للعديد من الشركات الأخرى وكذلك الراغبين في شراء المنازل. طلبت الجهات التنظيمية الصينية من شركة البناء إعطاء الأولوية لسداد مستحقات العمال المهاجرين والموردين.

  1. ماذا عن بقية قطاع العقارات في الصين؟

يواجه القطاع تراجعاً قياسياً، مما يعيق التعافي خلال العام الجاري لدى ثاني أكبر اقتصاد في العالم. بعد تراجع مبيعات الوحدات السكنية على مستوى البلاد 28% في 2022، تعثر الانتعاش في وقت مبكر من هذا العام، وانخفضت قيمة المساكن مرة أخرى في المدن الكبيرة والصغيرة، وانكمش الاستثمار العقاري بوتيرة أكثر حدة في الأشهر السبعة الأولى. تنزلق شركة تطوير خاصة كبرى أخرى، وهي "كانتري غاردن هولدينغز" (Country Garden Holdings Co)، نحو أعتاب التخلف عن السداد الذي قد يكون أسوأ من التخلف عن السداد لدى "إيفرغراند".

تسود مخاوف أن الأزمة قد تتسع لتشمل شركات تطوير مملوكة للدولة، والتي يحذر المزيد منها من اتساع نطاق الخسائر. تمتد المخاطر أيضاً إلى القطاع المالي، حيث أخفقت الشركات الائتمانية ذات الانكشاف الكبير على العقارات في سداد مستحقات بعض المنتجات الاستثمارية.

  1. ماذا فعلت الحكومة؟

كشف المكتب السياسي، أعلى هيئة لصنع القرار في الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، عن تقديم مزيد من الدعم لقطاع العقارات في اجتماع انعقد منتصف العام الجاري. كانت لغته فيما يتعلق بقطاع العقارات (الذي يمثل 20% من الناتج المحلي الإجمالي بعد إضافة القطاعات ذات الصلة) أكثر مرونة بشكل ملحوظ مما كانت عليه في الاجتماعات السابقة. كما تم حذف الشعار المميز للرئيس شي جين بينغ بأن "المنازل للعيش، وليست للمضاربة" لأول مرة منذ سنوات.

كشفت السلطات الصينية في أغسطس عن مزيد من التيسير لسياسات الرهن العقاري في المدن الكبرى، بما في ذلك منح الحكومات المحلية حرية إلغاء قاعدة تستبعد الأشخاص الذين حصلوا على رهن عقاري حتى لو تم سداده بالكامل، من اعتبارهم مشتري منزل لأول مرة.

  1. من هو هوي كا يان؟

عندما احتفل الرئيس شي بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي في عام 2021 عبر إلقاء خطاب أعلن فيه عن صعود دولته بشكل لا يمكن وقفه، كان هوي كا يان مؤسس "إيفرغراند" يطل على الاحتفالات في ميدان تيانانمن، ولد هوي في كنف أسرة فقيرة لأب يعمل قاطع أخشاب "حطاب"، وأصبح عضواً في الحزب لأكثر من ثلاثة عقود واستثمر في المجالات التي أقرتها القيادة العليا، مثل السيارات الكهربائية والطب الصيني التقليدي.

أصبح من البارزين في مجال الأعمال الخيرية رغم تراجع صافي ثروته كما أن شراء "إيفرغراند" لفريق كرة القدم المحلي "قوانغتشو إف سي"، يشير إلى أنه يشارك شي شغفه بهذه الرياضة.

في النهاية، لم تكن تلك العلاقات السياسية كافية لتجنب التخلف عن السداد. قيل إن هوي طلب إجازة شخصية من المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، أعلى هيئة استشارية للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، في عام 2022، حيث عملت "إيفرغراند" على نزع فتيل المخاطر التشغيلية.

 

اقتصاد الشرق


 

مواضيع ذات صلة :