في ظل وضع محلي وإقليمي ودولي يتسم بتحديات ثلاثية الأبعاد ¨سياسياً،اقتصادياً وأمنياً, يبدو الاستثمار في اليمن كما لو أنه يقف أمام عاصفة جديدة من المخاطر والتحديات التي تهدد طموحات وآمال رؤوس الأموال المحلية والأجنبية على السواء، وتثبط جهود الحكومة الرامية لتحسين البيئة الاستثمارية من خلال سلسلة من الإصلاحات المؤسسية والتشريعية والقانونية قامت بها الحكومة خلال السنوات الأخيرة خصوصاً بعد مؤتمر استكشاف فرص الاستثمار الذي عقد في العام 2007م..
تـرى ما هي رؤية الحكومة على الصعيد الاقتصادي والاستثماري تجاه ما يجري في البلد من موجة امتدادية للأحداث التي جرت وما تزال تشهدها المنطقة العربية؟
وما هي الضمانات اللازمة والاجراءت الوقائية لحماية الاستثمار من مخاطر هذه الأحداث؟.. وماذا قدمت الحكومة من إصلاحات وإجراءات تعزز الشراكة كأحد أبرز الضمانات اللازمة للاستثمارات في البلد؟
مجلة الاستثمار طرحت هذه التساؤلات على طاولة الحكومة ممثلة بذراعها الاستثماري المؤسسة العامة القابضة للتنمية العقارية والاستثمار شبام القابضة.. فكان لنا هذا الحديث المقتضب مع الأستاذ سعد عبد الله صبرة رئيس مجلس إدارة المؤسسة
في البدء ما هي رؤيتكم تجاه ما يجري على الساحة اليمنية من أحداث وأثر ذلك على الاقتصاد والبيئة الاستثمارية؟
بداية نشكر مجلة الاستثمار على اهتمامها المتواصل بقضايا الاستثمار وما يكتنف مسيرة التنمية من تحديات، وإجابة على ما أشار إليه سؤالك، الجميع يدرك أن اليمن شهدت منذ بداية التسعينات حياة أكثر تفاعلا سياسياً ومدنيا وديقراطيا أفرزتها طبيعة التنوع السياسي والمدني والفكري المتداخل بعد وخلال سنوات الوحدة ليصل هذا التفاعل الخلاق حد الاحتقان والصراعات والأزمات في بعض الفترات.. إلا أن اليمن رغم ذلك حققت أعلى معدلات تدفقات الاستثمار ورؤوس الأموال الوافدة وبرزت للواقع قصص نجاح استثمارية كبيرة وهذا أبرز معطى تفاؤلي على أن الاستثمار في اليمن له خصوصيات تكاد تحميه من تأثير المخاطر السياسية والأمنية والاقتصادية.
واختصاراً للقول ترى الحكومة ممثلة بذراعها الاستثماري شبام القابضة أن ما تشهده اليمن من أحداث وتفاعلات تدعو للمزيد من الإصلاحات التنموية والتغيير المقبول والسلمي لمسارات العمل الإداري والسياسي والتنموي هو احتقان سياسي عابر.. لكن ما نود التأكيد عليه هو أن هذه الموجة وإن كانت انعكاساً طبيعياً لجوهر النظام الديمقراطي المفتوح على مساحة واسعة من القبول بتبادل الرؤى وحرية التعبير.. إلا أن لها تبعات اقتصادية مؤثرة ومثبطة لحركة ومسيرة النهوض التنموي في البلد.
مقاطعاً - ماهي هذه التبعات؟
تبدو التبعات والتأثيرات المشار إليها واضحة وجلية إذا ما احتسبنا المسألة من زاويتين الأولى تتمثل في تباطؤ سير تنفيذ الخطط التنموية نظراً لهذه التفاعلات الأمر الذي يترتب عليه استنزاف الكثير من الوقت والمال وضياع الجهود التي بذلت في تحريك عجلة التنفيذ لهذه الخطط.. فيما الثانية تبدو في اختلال العلاقة التكاملية بين السياسة والاقتصاد إذ يتشتت التكامل البنَّاء بينهما.. وتتمحور اهتمامات الساسة والإعلام والمؤسسات النشطة استثمارياً وتجارياً وتنموياً نحو ما يفرزه تفاعل السياسة وهذا يعني التباطؤ في سير حركة التنمية إن لم يكن التوقف.
خصوصيات الاستثمار
من أبرز الخصوصيات أن اليمن لا تزال بلداً بكراً من ناحية البيئة الاستثمارية في مختلف القطاعات التنموية الهامة الأمر الآخر هناك تشريعات قانونية ونظم إدارية ومؤسسية كفيلة بتوفير الإطار العام واللازم لكل الاستثمارات القائمة والقادمة فالضروف السياسية والأمنية أيًا كانت لن تلغي البروتوكولات والاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية والحقوقية في البلد لا سيما إذا نظرنا للقفزة التي حققها اليمن على صعد الديمقراطية وحرية التنظيم المدني والسياسي والفكري، وقارنا ذلك بالكثير من دول المنطقة التي شهدت وتشهد نفس الموجة أو بالأحرى الدول التي امتد منها هذا الاحتقان..
صحيح هناك توجس وخوف أدى إلى إحجام المستثمرين من اتخاذ قرارات الاستثمار هنا أو هناك.. لكننا نؤكد وبكل ثقة أن ما هو حاصل مجرد موجة عابرة ولا تمثل خطراً حقيقياً على فرص الاسثتمار وطبيعة جدواها وبيئتها ومزاياها الكبيرة والمميزة في اليمن.. لأن واقع مؤشرات الإقدام والحراك الاستثماري التنافسي قد أثبتا عبر عقود خلت وفي أكثر من دولة من دول العالم أن عائدات الاستثمارات ونجاحاتها كانت في بيئة كثيرة المخاطر أكثر جدوى؛ فالاستثمار والنشاط التجاري والاقتصادي مرتبط ارتباطاً جذرياً بحياة الناس سلماً وحرباً.. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إذا كانت الشركات ذات الامكانات التمويلية المتوسطة تحجم نهائياً عن المجازفة في بيئة يهتز فيها الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي.. فهذا يترك المساحة للشركات الاستثمارية ذات القدرة التمويلة الضخمة لتستحوذ على فرص استثمارية كبيرة في ظروف قصيرة جداً وبعيداً عن الأضواء, وهذا ما هو حاصل في الكثير من دول إفريقيا والعراق.. وحالياً في مصر والسودان، إذ تترقب كبريات الشركات فرص الدخول المبكر في أبرز مفاصل وقطاعات الاستثمارات ذات الجدوى المرتفعة.
الإطار التأسيسي
وشبام القابضة تدخل السنة الثالثة من التأسيس هلاّ اطلعتمونا على أهم مسارات عملها خصوصاً وهناك رؤى تنتقد الإطار التأسيسي لهذه المؤسسة؟
تتمحور أهم مسارات عمل ونشاط المؤسسة العامة القابضة للتنمية العقارية «شبام القابضة» حول تجسيد أطر الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص محلياً وخليجياً من خلال استقطاب أكبر قدر من رؤوس الأموال والشركات الاستثمارية مع كبار المطورين والمستثمرين العقاريين وخلق قصص نجاح استثمارية إستراتيجية مشتركة تتوفر فيها قيم التأثير النوعي الخادم لتنمية واقتصاد البلد من تشغيل القوى العاملة وتنشيط السوق التجارية في مواد ومستلزمات التشييد البناء وتحريك سوق العقار وغيرها..
وما يتصل بالإطار المؤسسي والتأسيسي لـکشبام القابضةک الذي يثار حوله نوع من الانتقاد كما أشار سؤالك فقد جاءت كضرورة ملحة لتحريك وتحسين بيئة الاستثمار من خلال كيان استثماري حكومي مؤسسي يمثل ذراع الحكومـة الاستثماري ليس للاستحـواذ على فرص الاستثمار وإقصاء المستثمر كما يقال وإنما ككيان حكومي يوفر للحكومة والمستثمر الآلية الخاصة والمناسبة للمتابعة والإشراف على تنفيذ المشاريع ذات التأثير النوعي وفق شراكة استثمارية تضمن نجاح المشاريع وتعجّل بخُطَى تنفيذها وتقلل من المخاطر والتحديات التي تواجـه الاستثمار خصوصاً في مثل هذه الأوضاع, وكما يناط بهذا الكيان إدارة الأصول المتمثلة في الأراضي المخصصة للمشاريع الإستراتيجية إدارة اقتصادية ذات مردود يخدم التنمية وينعش مستوى معيشة المواطنين.
«الأمر الآخر الذي يجب النظر إليه هو أن المؤسسة العامة القابضة للتنمية العقارية والاستثمار » شبام القابضة لم تأت من قرار تأسيسي ارتجالي غير مدروس إذ سبقها تفحص وإمعان مستفيض ودراسة هادفة أخذت بتجارب الحكومات الشقيقة في بعض الدول الخليجية والعربية التي أنشأت أذرعا استثمارية تابعة لها من شأن هذه االكيانات توسيع أفق الشراكة المحلية والدولية في مختلف قطاعات الاستثمار العقاري والسياحي والتجاري وغيرها من مجالات الاستثمار.
على ذكر الشراكة.. برأيكم ما الذي ستقدمه الشراكة من حماية للاستثمار في ظل وضع كهذا؟
الجميع يدرك أن تشابك المصالح واتساع دائرة النفع العام في أي مشروع استثماري كبير لن يكون إلا بالشراكة التي بحجم اتساعها تتسع فرص تثبيت قاعدة النجاح وهو ما يعني تجاوز كل التحديات أمنياً وسياسياً واقتصادياً وهذا ليس على المستوى المحلي فعلى المستوى العالمي تعتبر الشـراكة أهم أبرز الخيارات الاستراتيجية الفاعلة في الأزمات التي تسير وفق مسارين الأول تمويلي يتضمن تغطية النقص الكبير في رؤوس الأموال.. وهذا بدوره يخفف الضغط على موازنة الدولة مع تخليص الحكومـة والقطاع العام من الأعباء المالية واستقطاب رؤوس الأموال وتشجيع الاستثمار وتحفيز الادخارات الخاصة وتوجيهها نحو الاستثمار طويل المدى.. والثاني تكاملي وقائي ويكون اختيار إستراتيجي في ظل الأزمات التي تشهدها البلدان النامية فيوفر هذا المسار من الشراكة تكاملا في أدوار الحماية والاهتمام لخارطة الاستثمار التي تقع في نطاقها المشاريع الاستثمار المشتركة.
في الأخير ندعو المستثمرين المحليين والخليجيين والدوليين إلى استغلال فرص الاستثمار المجدية في اليمن خصوصا في السوق الأكثر رواجاً وجدوى وهو قطاعات التنمية العقارية والسياحية.. مؤكدين لهم أن الحكومة اليمنية ممثلة بذراعها الاستثماري ¢شبام القابضة¢ وأجهزتها التنموية والأمنية والتشريعية توفر أقصى ضمانات النجاح والحفاظ على الاستثمار والحقوق والملكيات.. كما أن الجانب الديموقراطي في البلد أكثر تطوراً من الدول العربية التي تشهد موجة الحمى السياسية الراهنة.
كما أننا في هذا التأكيد ننطلق من معرفتنا التامة بالخصوصية التي تميز اليمن عن غيرها إذ إن اليمن ببيئتها الاستثمارية التي لا تزال بكراً وبعاداتها وتقاليدها وموروثها الحضاري قادرة على تجاوز مثل هذه الأزمات إضافة إلى نظامها الديمقرطي القائم على الاختلاف والتنوع وعلى التعددية السياسية والفكرية والحزبية.. وهذه الميزة تمثل دائماً جوهر المخرج من الأزمات والاختلالات التي ترافق عجلة المسيرة السياسية والتنموية في البلد.. كما أن هذا الوضع الذي تعيشه المنطقة العربية ليس سوى موجة عابرة ستمر على بلدان المنطقة العربية كلها.. وبالقدر الذي يشكل فيه خطرا وخوفاً لرؤوس الأموال التي تتسم عادة بالجبن إلا أنه يشكل مساحة سباق محمومة بين رؤوس الأموال الطامحة للاستثمار في زمن الخطر.. انطلاقاً من الأسباب التي أشرنا إليها سابقاً.