بترول ومعادن نُشر

تقرير: أسابيع عصيبة في انتظار الذهب

واصلت أسعار الذهب تراجعها خلال الفترة الماضية بشكل لافت، حيث بلغت خلال الأيام الماضية أدنى مستوياتها منذ عام كامل، بما أثار تساؤلات عدة حول مستقبل المعدن النفيس في الفترة المقبلة في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية المتعددة التي تؤثر في سعره في الفترة الحالية.

والشاهد أن الذهب الذي يُعتبر باستمرار بمنزلة مخزن للقيمة في حالة الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية لم يكن كذلك خلال الفترة القليلة الماضية، وذلك على الرغم من توافر عوامل عدة تدعم ارتفاع سعره وتدفع المستثمرين للجوء لشرائه.

على الرغم من التضخم الذي يجتاح مختلف الاقتصادات حول العالم، والذي أثر في الاقتصادات الرئيسية بما في ذلك الأميركي والأوروبي، وعلى الرغم من عدم الاستقرار الجيوسياسي والحرب في أوكرانيا والمخاوف من توسع الأخيرة لتضم دولاً أخرى أو تحولها لحرب باردة «اقتصادية» بين الشرق والغرب؛ فإن الذهب شهد التالي:

1 – انخفض بنسبة تفوق %6 خلال الأشهر الستة الأخيرة، التي شهدت التقلبات السياسية والاقتصادية المذكورة.

2 – على الرغم من هذه القوى التي تدفع نحو ارتفاع الذهب فإنه واصل انخفاضه، ومن نافلة القول ان رفع سعر الفائدة الأميركي بنسبة %1.5 (على 3 مرات) مع مزيد قادم من الرفع كان السبب الرئيسي لتراجع الذهب سعريا على الرغم من توافر المقومات النظرية لارتفاعه.

3 – اللافت أن الذهب شهد ارتفاعا فوق مستوى 2000 دولار للأونصة خلال الفترة الماضية، بل وسجلت الأوقية أعلى مستوى تاريخي هذا العام عند 2074 دولارا في الثامن من مارس، قبل أن يبدأ في التراجع ويشهد عددا من نقاط المقاومة السعرية عند مستويات 1920 دولارا للأوقية ثم حول مستوى 1800 دولار، قبل أن يتراجع مجددا إلى مستوى فوق 1700 دولار بقليل.

تراجع مستمر متوقع

مع كل رفع مقبل للفائدة الأميركية يتوقع أن يتراجع الذهب، وذلك على الرغم من الترجيحات بأن سعر الذهب حاليا يشمل «التحسّب» لرفع الفائدة الأميركية بالفعل، ولكن التحرك الطبيعي للأسواق عادة ما يتم على مرحلتين:

أولاً: التحسّب للحدث (وغالبا ما يكون هذا هو التحرك الأكبر).

ثانياً: رد الفعل بعده.

ويرجح كثيرون أن تزداد معاناة الذهب خلال الفترة المقبلة بفعل استمرار البنوك المركزية في رفع أسعار الفائدة لمعالجة التضخم، لا سيما وسط توقعات رفع المركزي الأوروبي لسعر الفائدة %0.5 في اجتماعه المقرر اليوم الخميس، وسط توقعات بالمزيد من الرفع بعد اجتماع اليوم بما سيقلل من جاذبية المعدن النفيس كمخزن للقيمة في مواجهة اليورو بعد تراجعه في مواجهة الدولار بالفعل.

والشاهد أن الذهب لم يرتفع أيضا على الرغم من ضعف بيانات النمو الصيني، وتوقع تعثر النمو الأوروبي بشكل كبير للغاية بسبب الحرب في أوكرانيا وتصاعد المخاوف من إفلاس الدول، مثلما حدث مع سريلانكا، بما يؤكد التأثير المهيمن لحرب البنوك المركزية على التضخم لتؤثر في الذهب واتجاه سعره للهبوط.

لذا يتخوف كثيرون من عودة الذهب إلى مستويات 1500 دولار للأوقية، وهي التي سادت قبل ثلاث سنوات في منتصف عام 2019 تحديدا مع تعدد منافسي الذهب ذوي الجاذبية الأعلى، وسيستمر المنحنى الهابط لسعر الذهب ما بقيت الحرب غير المعلنة بين البنوك المركزية لرفع الفائدة.

شرط الصعود

ولذلك يتوقع غالبية المحللين أن يواجه الذهب «أسابيع عصيبة» خلال الأشهر المقبلة، وذلك على الرغم من التقارير التي تشير إلى لجوء بعض الدول النامية إلى شراء الذهب واستخدامه في احتياطياتها في ظل تراجع سعره إلا أن هذا لم يؤثر في الصورة العامة التي تشهد تراجعاً سعرياً.

ومن غير المرجح أن يتعافى الذهب سعريا وينقلب المنحنى الهابط بآخر صاعد ما لم يضرب الركود الاقتصادين الأميركي والعالمي كما هو متوقع، والمثال الأقرب على ذلك هو ارتفاع الأوقية من مستوى 1740 دولارا في مارس 2020 إلى مستوى 2060 دولارا في أغسطس 2020 بفعل كورونا والركود الذي جلبته للأسواق العالمية، (جولد برايس، سي.إن.بي.سي، أرقام)

وقف تدهور الأسعار

تشير التقديرات إلى أن الذهب كان ليتراجع تحت مستوى 1700 دولار إذا استمرت التكهنات برفع الفدرالي الأميركي لسعر الفائدة بنسبة %1، والتي ظهرت بعد ارتفاع نسبة التضخم في الولايات المتحدة إلى %9.1، غير أن هذه التكهنات تراجعت ليظل الترجيح برفع الفدرالي لسعر الفائدة بـ %0.5 إلى %0.75 فحسب وليس نقطة كاملة، بما أسهم إلى حدٍّ ما في وقف تدهور سعر الذهب.

صعود صاروخي

إذا بدأ الركود بضرب الاقتصاد فتشير غالبية توقعات المحللين إلى صعود «صاروخي» لسعر الذهب قد يتخطى به مستوى 2100 دولار للأوقية بشكل سريع، وسيتوقف مدى استمراره في الارتفاع على مدى عمق واتساع الركود ومداه الزمني. وحتى يُظهِر الركود بوادره فإن الذهب يبدو في اتجاهه للمزيد من الهبوط، ويبقى التساؤل عما إذا كانت عوامل بقائه مرتفعا متمثلة في التوترات الجيوسياسية والاقتصادية ستحول دون هبوط قياسي أم أن حروب البنوك المركزية ستمنع تماسك الذهب سعرياً على المديين القصير والمتوسط.

 

القبس


 

مواضيع ذات صلة :