
في الواقع، يشهد معرض الدوحة الدولي للكتاب الذي افتتح أعماله نهاية الأسبوع الفائت بعض الإقبال، لكن ليس على اقتناء الكتاب، وإنما على العديد من الأجنحة التي تعرض حواسيب إلكترونية وأجهزة مكتبية متنوعة ومستلزمات أخرى.
ويشارك في المعرض الأكبر من نوعه على مستوى المنطقة (يتضمن 75 الف عنوان)، 420 ناشرا يمثلون 24 دولة عربية وأجنبية من بينها استراليا والنمسا واليابان التي تشارك لأول مرة في معرض عربي للكتاب.
يقول أستاذ أكاديمي يدرس الإعلام في جامعة قطر إن التأليف والنشر الآن في عالمنا العربي أصبح مخاطرة غير محسوبة النتائج، وستكبد صاحبها خسائر مادية كبيرة.
ويضيف الأكاديمي -الذي طلب إغفال ذكر اسمه- إنه قام أخيرا بتأليف أول كتاب له في فن الإخراج الصحفي، موضحا أنه طبع بضع مئات فقط من النسخ كلفته نحو 25 الف ريال قطري (6.86 آلاف دولار)،
وقال: في الواقع كنت آمل في أن أحصل على 30 الف ريال أو على أقل تقدير أسترد رأسمالي، لكنني فوجئت بأن ربع ما أنفقته حتى لم أتمكن من استرداده.. يجب أن نعترف أننا في العالم العربي أصبحنا أمة لا تقرأ، ولا أنكر أن عصر الإنترنت والكتاب المسموع طغى على الكتاب المقروء، بل وأزاحه من طريقه تماما.
وكان الكتاب المسموع ظهر لأول مرة في الولايات المتحدة الأميركية سنة 1932 وكان موجها لذوي الاحتياجات الخاصة من غير القادرين على القراءة، ثم أصبحت المكتبات العامة مصدرا للكتاب المسموع في مجالات الثقافة والتعلم الذاتي، وشهدت بداية السبعينات انتشار الكتاب المسموع بشكل جماهيري للمثقفين ومتذوقي الأدب عبر دور النشر التجارية، بعد أن تطورت أدوات الطباعة، ولم تعد قاصرة على ذوي الاحتياجات الخاصة، بل أصبح الإقبال عليها من جميع فئات المجتمع، وأصبحت في منتصف الثمانينات صناعة ثقافية تقدر قيمتها بمليارات الدولارات بكل لغات العالم.
وتقوم فلسفة الكتاب المسموع على أن الإنسان في العصر الحديث، خصوصا في المدن المكتظة، يعاني الازدحامات المرورية الخانقة، ويقضي وقتا طويلا في السيارة، لذلك يشكل الكتاب المسموع فرصة للاستفادة من الوقت الضائع في الاستماع لمادة ممتعة وترفيهية، وفي الوقت ذاته، ذات فائدة ثقافية ومعنوية.
يقول حسان الحموي أحد الناشرين في معرض الدوحة الدولي للكتاب: لقد تأخر العرب كثيرا في الاهتمام بنشر الثقافة والأدب، هذا الجانب في الغرب تتم خدمته بأكثر من طريقة، ومن أهم هذه الطرق الكتاب المسموع، فيندر هناك نشر كتاب واحد ورقيا، من دون وجود نسخة مسموعة مرافقة تطرح في الأسواق في الوقت ذاته، لكي تكون عونا لمن لا يجد الوقت للقراءة حتى يستطيع الاستماع الى القصة في السيارة.
وهناك دراسة منشورة تقول إن المواطن الأميركي يقرأ سنويا قرابة 2200 صفحة، أي ما يعادل 6 صفحات يوميا، أما المواطن البريطاني فيقرأ 1400 صفحة أي بمعدل 4 صفحات يوميا، بينما المواطن العربي لا يقرأ سوى ربع صفحة ليس في اليوم وإنما في السنة بأكملها.
وبدورها، تقول الدكتور حمدة قطبة رئيسة مجلس إدارة المركز الثقافي للطفولة في قطر إننا نعيش أزمة حقيقية بسبب إحجامنا عن القراءة، مضيفة: للأسف فرغم تعدد معارض الكتاب التي تقام سنويا في مختلف العواصم العربية، لكن «أمة اقرأ لم تعد تقرأ»، وبات الاهتمام بالكتاب في آخر أولويات الناس.
وقالت إننا قد نعزو ذلك الى ظهور التكنولوجيا الحديثة والإنترنت، لكن ستبقى للكتاب المطبوع أهميته الكبيرة في أي زمان وأي مكان.
ودعت الدكتورة قطبة جميع المعنيين بهذا الجانب في العالم العربي الى العمل على تعميق وترسيخ حب القراءة والإطلاع والمعرفة لدى الجميع.
ويتساءل عصام أبوحمدان صاحب دار الساقي اللبنانية قائلا: هل تساهم معارض الكتب التي تقام في مختلف الدول العربية سنويا في إنقاذ الكتاب من طيّ النسيان؟
ويجيب بقوله: ربما، فالمعارض ينظر اليها على أنها مناسبة لتدارس شأن الكتاب باعتباره الحامل الأول والأساسي للإبداع والفكر، لكن لا بد من القول إن كثيرا من المؤلفين والمبدعين والكتاب يشتكون من جشع بعض الناشرين الذين تسمعهم يتذمرون من كساد النشر، ولكنك تراهم في المعرض تزداد أعمالهم نشاطا واتساعا.
ويرى أبوحمدان أن هذه القضية تساهم بشكل كبير في إحباط المؤلف في عالمنا العربي، لأن الكاتب والمؤلف يحتاج أيضا مصدر دخل، وعندما يكون إبداعه هو مصدر دخله الوحيد، فإنه بالتأكيد سيواجه حالة كبيرة من الإحباط في مقابل جشع الناشرين، وهذا في المحصلة يؤدي الى عزوف العديد من المؤلفين والكتاب عن إصدار إنتاجهم، وبالتالي المساهمة بشكل أو بآخر في حجب مزيد من الإبداعات المطبوعة عن القارئ العربي وعزوفه عن القراءة.
هيثم الغزالي من درا نينوى للنشر في سوريا، يوافق أبوحمدان على ما ذهب اليه، ويقول إن الكتاب يجب أن يكون مشروعا إنسانيا وليس تجاريا بحتا، ويضيف: صناعة معارض الكتب تحتاج إحساسا مختلفا، ومشاركة من جميع الجهات، لأن نجاح أي معرض للكتاب يمثل خطوة مهمة في تأسيس ذائقة جيدة على مستوى العلاقة بالكتاب والقراءة. وتابع الغزالي قائلا: لا يمكن التعامل مع الكتاب كتجارة أو كغيره من السلع، لأن التعامل معه بهذه الصيغة محكوم عليه بالفشل مقدماً، وسيؤدي إلى زيادة أعداد العازفين عن القراءة في العالم العربي إلى أن نصبح بالفعل أمة خارج التاريخ.
وتؤكد رائدة إدريس مديرة العلاقات العامة في دار الآداب اللبنانية أن إحياء القراءة وتعزيز حب الكتاب المطبوع في عالمنا العربي تتطلب بالضرورة توفير دعم رسمي للمؤلف على مستوى النشر والتوزيع، خصوصا في ظل التحديات العالمية الراهنة وعوامل المنافسة التي يواجهها الكتاب المطبوع في مقابل انتشار التكنولوجيا والمعلومات الهائلة، التي يتيحها الإنترنت والكتاب الافتراضي وغيرها من وسائل الاتصال المتطورة.
وقالت إدريس في هذا الصدد إنه يتوجب العمل باستمرار على تنظيم ندوات وورش عمل للبحث في معالجة الأسباب التي تساهم في تقليص الإقبال على الكتاب في عالمنا العربي، والعزوف عن القراءة والمطالعة.
وأضافت: يجب أن نعمل معا وبجهود جماعية من أجل جعل القراءة أكثر جدوى وفاعلية لدى القارئ العربي، وتشجيع اقتناء الكتاب الورقي من خلال إتاحته بأسعار معقولة تناسب معدلات الدخول المتدنية لمعظم المواطنين في الدول العربية.
وتضيف إدريس: «بكل أسف، في كثير من الأحيان، لا يتعدى إشعاع ونور الكتاب في العالم العربي جدران وأسقف المعارض التي تحتضنه».
عن القبس الكويتية