
يا بني إنني أرى الآراء حباً والمشورة غربالاً فلا تستطيع أن تنخل الحب في الغربال إلا بعد طحنه بطاحونة العقل وعجنه بعجانة التجربة ووضعه في تنور الخبرة لتصنع من الحكمة خبزاً يؤكل.
يا بني انطلق بهمتك الثريا واهبط بهامتك الثرى، وكن على أهبة الإستعداد لا نسحابك المرتقب من الكبر إلى التواضع. فمهما كان جوهر الهم قاسياً فصياغة القلق في ورشة الطمأنينة يتحول إلى السكينة، ويؤيدك العزيز عز شأنه، ويعزك بعزه إن شاء.
يا بني إذا كنت قاضياً فاجعل من الإستئناف والمداولة متنفساً لك، وتريث في حكمك على الجاني بعد استكمال جميع خيوط الجريمة قبل أن تندم، ولا تثريب عليك بعد البحث والتحري إذا نفدت طاقتك واستهلك وسعك في كشفها، ولكن اعتمادك على الحجج الواهية لا يعفيك على ما خفي عليك من الحقيقة واجعل للأمور محتملاً، ولا تصدر الأحكام اعتباطاً أو مجازفةً لعلك لا تعلم الجاني من المجني عليه فتظلم وتصيبك دعوة تهز كيانك وتزلزلك، واجعل منصبك الخوف من الله ومكانتك الفزع من سطوته، وارسو بسفينة العدل على ضفاف الكلمة وعلى شاطئ الحق، وأسأل الله أن تكون ناجياً عند ابحارك بها فإنني لا أعلم هل أنت القاضي الذي في الجنة فأهنئك أم من القاضيين الذين في النار فأعزيك.
يا بني إذا كشفت النقاب عن عيوبك ونظرت إلى وجهها القبيح الذي يدعو إلى الإشمئزاز واستبدلتها بنخبةٍ من الفضائل عندما تستأنف عملك الخير في كل حين فسيتوج تطلعك البناء حينما يسبق همتك العالية في جسدك النحيل المنهك ولم يتواطئ سمعك مع الغيبة ثانيةً بل يكون منوطاً بالحذر من كل سوء حينئذ ستشع ضواحي المدينة الفاضلة التي رسمتها في لوحة الخيال وخطيتها بريشة الأمل ولونتها بالإبتسامة العريضة على كل وجه وستسفر هذه الخصال الحميدة مستقبلاً عن فوز لوحتك بالجمال الطبيعي وسيكون الرسامون العالميون تلامذتك لتبين لهم وتعلمهم ما معنى الصفاء والنقاء.
*ومضات من كتاب لآلئ الحكمة للأديب عبد الواسع بن شيهون