عالم التكنولوجيا والصحة نُشر

مكافحة الأدوية المزيفة: تقنيات وأساليب مبتكرة للإنقاذ

 
 
 
 
 
ما زالت الأدوية المزيفة مصدر قلق كبير بالنسبة لقطاع صناعة الأدوية والهيئات التنظيمية الحكومية، ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ولكن على الصعيد العالمي أيضًا. أصبحت أسواق الأدوية وسلاسل التوريد في الوقت الحالي أكثر تعقيدًا مما يجعل اكتشاف الأدوية المزيفة وتتبعها وضبطها أمرًا صعبًا للغاية؛ ونظرًا لأن المنتجات المزيفة تبدد ما يقرب من تريليون دولار أمريكي من الاقتصاد العالمي سنويًا، فإن الأمر يتطلب في الوقت الحالي بذل جهود مركزة ليس فقط من جانب أجهزة إنفاذ القانون والقائمين على صناعة السياسات وشركات الأدوية، لكن أيضًا من جانب مطوري الخدمات التقنية الذين يواجهون صعوبة متزايدة في وضع حلول مبتكرة لتتبع وتحديد الأدوية الحقيقية ومصادرة الأدوية المزيفة؛ والأهم من ذلك التأكد أن المستهلكين لا يتعرضون لشراء أدوية وهمية غير فعالة أو تهدد حياتهم.
 
سوف نستكشف في هذه المقالة الحلول الحالية والموجة التالية من التقنيات المبتكرة الواعدة التي تأتي في طليعة مكافحة صناعة الأدوية المزيفة على النطاق العالمي. نبدأ أولًا بمناقشة موجزة عن مكان ظهور الادوية المزيفة وكيفية إنتاجها.
 
أين يتم تصنيع الأدوية المزيفة؟
على الرغم من صعوبة تحديد النطاق والحجم الحقيقي لسوق الأدوية المزيفة بدقة، فإن الحكومات المحلية والمنظمات الدولية لديها على الأقل فكرة أفضل عن كيفية قيام المتاجرين في الأدوية المزيفة بإغراق الأسواق العالمية والإقليمية بالأدوية المزيفة. بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبالنسبة للأسواق الدولية الرئيسية الأخرى عادة ما يتم تصنيع الأدوية في مكان ما في آسيا؛ ووفقًا للتقرير الأخير الذي أعده مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإن الصين والهند يمثلان أكبر مصادر لتصنيع الأدوية المزيفة، حيث تعتبر الصين نقطة الانطلاقة لما يقرب من 60 بالمائة من الأدوية المزيفة التي يتم ضبطها على المستوي العالمي. ووفقًا لما ذكره التقرير، فإن الجهود الاخيرة التي بذلتها الصين والهند للحد من إنتاج الأدوية المزيفة قد يكون من الصعب تنفيذها حيث أنه من المحتمل أن يتم نقل أماكن تصنيع الأدوية المزيفة إلى مكان آخر مثل ميانمار وفيتنام.
 
 
كما أدي ظهور التجارة الإلكترونية إلى زيادة سهولة دخول المزورين إلى السوق في الوقت الحالي، مما أدي بدوره إلى زيادة الصعوبات الكامنة في تتبع وضبط الأدوية المزيفة. إن تواجد تجار البيع بالتجزئة على شبكة الانترنت جعل من السهل تسليم الأدوية المزيفة إلى المستهلكين الجاهلين بالأمر بسرعة وبطريقة فعالة. ويمكن أن تحدث عمليات تسليم الأدوية المزيفة في أي مرحلة من مراحل سلسلة التوريد في أي بلد يمكن أن تتواجد فيها شركات الأدوية الصيدلانية اعتبارًا من مرحلة التصنيع حتى التوزيع ووضع الملصقات والتعبئة والتغليف.
إنتاج الأدوية المزيفة ومخاطر المستهلكين
 
إذاً كيف يتم إنتاج الأدوية المزيفة، وما مدي خطورتها على المستهلكين؟ مع تقدم وتطور تقنيات الطباعة المتاحة للجمهور يمكن للمزورين تزييف أو تقليد ملصقات أو عبوات المنتجات بما في ذلك الباركود. أولًا، لتصنيع الأدوية، يتم استخدام أداة بسيطة لتصنيع الأقراص لإنتاج أقراص الأدوية المزيفة؛ ويمكن تصنيع معظم جرعات الأدوية التي يتم تناولها عن طريق الفم بهذه الطريقة. في كثير من الأحيان يقدم المزورين ما يسمي بالعقاقير والأدوية البديلة دون المستوي المطلوب والتي لا تتضمن كميات كافية من المكونات النشطة المطلوبة. وفي الحالات الأكثر حدة، يستخدم المزورين مواد غير صحية أو خطيرة؛ وأفاد القائمون على التنفيذ بالعثور على مواد شديدة الخطورة بما في ذلك غبار الطوب والصخور وأحبار الطباعة لإضافة الألوان المزيفة في الحبوب المزيفة.
 
قد ظهرت بعض الحالات الشديدة التي تكمن فيها المخاطر ليس فقط في الخطر الذي تشكله العناصر الفعالة دون المستوي المطلوب، بل أيضًا في دمج المكونات الملوثة. في أحد الحالات وجدت عبوة أدوية لعلاج السرطان لا تحتوي على أي مادة من المواد الفعالة على الإطلاق. في حالة أخري جديرة بالذكر في الولايات المتحدة في عام 2007، توفي 149 أمريكي من جراء الدم الملوث الذي تم استيراده بطريقة غير قانونية إلى الولايات المتحدة.
 
هذا وفي الوقت الحالي، فإن أكثر انواع الأدوية المنتشرة التي يتم تزييفها والتي تدخل إلى سوق دول مجلس التعاون الخليجي ولا سيما في دولة الإمارات العربية المتحدة، تشمل أدوية نمط الحياة، مثل الأدوية التي تعالج الاختلال الوظيفي أو خسارة الوزن. في الأسواق الدولية، تشمل الأدوية المزيفة أيضًا الأدوية والعقاقير المتخصصة (مثل أدوية السرطان) والأدوية ذات القيمة العالية في الشوارع مثل أدوية تسكين الألم. على الرغم من أن شركات الأدوية قد شهدت مؤخرًا مجموعة كبيرة من المنتجات المزيفة بما في ذلك على سبيل المثال شرائط اختبار مرض السكري والعقاقير القابلة للحقن مثل البوتكس.
 
من الواضح أنه بالنسبة لمطوري التقنية، فإن فرص السوق المحتملة لتوفير حلول لمكافحة التزييف لشركات الأدية والشركات التنظيمية كبيرة للغاية، وقد أصبحت هذه الحلول ضرورية على نحو متزايد لحماية المستهلك. وقد شهد هذا المجال التقني تطورًا سريعًا للغاية وهناك بالفعل تقنيات متطورة نشرتها شركات الأدوية والجهات الحكومية المعنية بالتنفيذ وبوجود تقنيات واحدة جديدة في طور الإعداد، هناك أمل في أن تصبح مكافحة الادوية المزيفة أكثر نجاحًا وكفاءة.
 
هل هناك حل؟
 
في السنوات القليلة الماضية تقدمت العديد من الشركات التقنية بحلول لهذه المشكلة؛ حيث تستخدم الابتكارات في هذا المجال مجموعة واسعة من التقنيات بما في ذلك تقنيات إثبات الهوية بموجات الراديو وميكروتاغينغ وتشفير نانو. دعونا نلقي نظرة عن كثب على هذه الحلول وكيف يمكن أو من المحتمل تنفيذها من قبل قطاع صناعة الأدوية ووكالات وهيئات التنفيذ.
 
تسمح تقنيات تحديد الهوية بموجات الراديو للشركات المُصنعة والموزعين بتتبع منتجات العقاقير والأدوية بطريقة أدق من خلال سلسلة التوريد؛ كما تجعل تقنيات تحديد الهوية بموجات الراديو من السهل التأكد من أن الأدوية أصلية كما تعمل على إنشاء سجل إلكتروني لسلسلة حيازة الأدوية من مكان التصنيع إلى مكان التصرف في الأدوية وتوزيعها. قد تم تجهيز حزمة العقاقير الفردية بعلامة تحديد الهوية بموجات الراديو التي تحتوي على معلومات عن منشأ الدواء ومن الصعب التلاعب بهذه المعلومات. من الناحية العملية، فإن مصنعي مكونات الأدوية المصرح لهم يقومون بوضع علامات على جميع المكونات الخاصة بهم مع بطاقات تحديد الهوية بموجات الراديو قبل توزيعها على شركات الأدوية، حيث يتم تصنيع العقاقير والأدوية، يتم سحب بطاقة تحديد الهوية بموجات الراديو ضوئيًا والإبلاغ عنها. يتم إضافة معلومات عن المكونات الطبية وكذلك الرقم المسلسل والمعلومات الأساسية الأخرى عن المنتج إلى بطاقة تحديد الهوية بموجات الراديو التي يتم إرفاقها على عبوة المنتج. تحتوي بطاقات عبوة العقار ليس فقط على معلومات عن منشأ الأدوية لكن أيضًا عن المكونات ومقدار كل مكون من المكونات في العقار. يمكن تحويل المعلومات الموجودة على بطاقة المنتج إلى سجل إلكتروني والذي يمكن إضافة المزيد من المعلومات إليه حول الأحداث التي تمت في سلسلة توريد الأدوية من الشركة المصنعة حتى وصولها إلى وجهتها النهائية (أي الصيدلية أو المستشفى).
 
ميكروتاجينغ microtagging هي تقنية مبتكرة أخري وقد تم تطوير هذه التقنية لغرض تحديد خصائص أقراص أو حبوب الأدوية الفردية؛ ومن حيث المضمون، تعتبر تقنية ميكروتاجينغ بمثابة رموز شريطية غير مرئية صالحة للأكل ويمكن تتبعها من خلال شركات الأدوية لتعقب منتجاتها من العقاقير على أساس الدفعات. يتم تصنيع بطاقة ميكرو (microtag) من جزئيات ثاني أكسيد السيليكون التي يسهل الحفر عليها وبالتالي فإنها تحتوي على بنية مسامية فريدة من نوعها مما يؤدي إلى إنشاء رقم تحديد هوية فريد من نوعه. يتم خلط هذه الجسيمات مع طلاء خارجي للحبوب أو الأقراص قبل أن يتم تغليف الأقراص، وبالتالي يتم دمج مكونات ميكروتاغ القابلة للأكل وتصبح جزءًا من صبغة الحبوب. تٌمكن ميكروتاغ الشركات من تحديد نوع المنتج ونوع الجرعة ومنشأة التصنيع ورقم اللوط/ الدفعة ومعلومات أخرى. يمكن قراءة توقيع ميكروتاغ الفريد من نوعه والمعلومات ذات الصلة بها بجهاز قائم على منظار الطيف بحيث يمكن تحديد الحبوب والمصادقة عليها في كافة مراحل سلسلة التوريد والتعرف عليها في نهاية المطاف بعد أن تصل إلى وجهتها النهائية.
 
التشفير باستخدام مقياس النانو هي تقنية أخري تم استخدامها في السنوات الأخيرة لمراقبة صناعة الأدوية. تعتبر تفاصيل التشفير ملكية خاصة لكن في جوهرها يمكن أن يتم نقش الحبوب الفردية بمعلومات مشفرة محددة أو رموز تستخدم على مقياس النانو. يمكن أن يتضمن ذلك مجموعة متنوعة من المعلومات المشفرة، على سبيل المثال، مكان التصنيع ووجهة التسليم والجرعة وبيانات الانتهاء والمعلومات الأخرى التي يمكن استخدامها لتحديد وتوثيق الأدوية. تعتبر الرموز المشفرة المنقوشة بحجم 200 نانومتر في الحجم؛ ويمكن بعد ذلك فك الرموز والمعلومات الواردة فيها من خلال استخدام المجهر الإلكتروني المجهز والمخصص وبرمجيات فك التشفير.
 
الإنفاذ في دول مجلس التعاون الخليجي
 
وبالتالي، ما المقصود بهذه التقنيات المستخدمة لمكافحة التزوير في دول مجلس التعاون الخليجي؟ اتخذت السلطات في دول مجلس التعاون الخليجي ولا سيما في المملكة العربية السعودية وفي دولة الإمارات العربية المتحدة موقفًا قويًا لضمان سلامة الأدوية التي يتم تقديمها للسكان المحليين. تعتبر المملكة العربية السعودية أكبر سوق للأدوية في دول مجلس التعاون الخليجي حيث بلغت حصتها 60% من حصة الأدوية الإقليمية ومن المتوقع أن تصل حصتها إلى ما يقرب من 4.7 مليار دولار أمريكي هذا العام. وقد اتخذت الهيئة السعودية للغذاء والدواء عدة تدابير وإجراءات لضمان عدم اختراق وتغلغل الأدوية المزيفة سلسلة التوريد. تتضمن هذه الإجراءات استخدام أجهزة التحليل الطيفي التي تستخدم كماسحات ضوئية لتحليل التركيبة الكيميائية للأدوية وتحديد الأدوية المزيفة.
 
كما قامت الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا بزيادة الجهود الرامية إلى القضاء على الأدوية المزيفة ومنع وصولها إلى المستهلكين؛ ونتيجة لذلك صادرت سلطة جمارك دبي مؤخرًا شحنة كبيرة مكونة من 556,000 عقار وكانت هذه الأدوية المزيفة تستخدم في الطب الوقائي من جلطات الدم. كما أعلنت هيئة الصحة في أبو ظبي أنها ستبدأ في استخدام جهاز جديد يمكنه الكشف عن الأدوية المقلدة في غضون 7 ثواني. بالإضافة إلى ذلك، من وجهة نظر تشريعية، سيتم تحديث القانون الاتحادي الإماراتي رقم 4 لسنة 1983 بشأن مهنة الصيدلة والمؤسسات الصيدلانية لإدخال تدابير وإجراءات مصادرة جديدة لمصادرة الشحنات المزيفة المشتبه بها وهذا من شأنه أن يعزز العقوبات المفروضة على الأفراد الذين يتاجرون في الأدوية المزيفة. ومن المتوقع تطبيق هذه التحديثات في نهاية هذا العام.
 
ونظرًا لقيام الهيئات التنظيمية وسلطات الإنفاذ وشركات الأدوية في دول مجلس التعاون الخليجي بالبدء في التحول إلى استخدام تقنيات مبتكرة وتطوير وسائلها لمكافحة تزييف المنتجات، يجب على شركات التكنولوجيا التي تقدم مثل هذه الحلول أن تنظر في توسيع وجودها في المنطقة؛ كما أن إنجاز هذه المهمة يتضمن وضع استراتيجيات مناسبة لحماية حقوق الملكية الفكرية للتقنيات الجديدة الخاصة بها. كما هو الحال في أي أجهزة أو عمليات مبتكرة دائمًا ما يُنصح بأن تحمي هذه الشركات ملكيتها الفكرية وخبرتها ومعرفتها من خلال استخدام استراتيجيات براءة الاختراع المناسبة في هذه المنطقة. سوف يساعد وجود محفظة براءة اختراع قوية مطبقة هذه الشركات على أن تكون من مزودي الحلول التقنية التنافسية وأن تضمن حماية مصالحها في المنطقة بشكل كاف.
 
يتبقى أن نري كيف سيتم تطبيق التقنيات الجديدة من حيث سهولة التنفيذ والفعالية في ردع الأدوية المزيفة ونطاق التطبيق؛ ولكن على الرغم من ذلك فإن الأدوات المتاحة لوكالات الإنفاذ والهيئات التنظيمية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي تتطور بسرعة ونأمل أن تساعد في المستقبل القريب في القضاء على الأدوية الخطيرة ومنع وصولها إلى المستهلكين الجاهلين بها.
 
يُقدم فريق الابتكارات والبحث والتطوير وبراءات الاختراع في شركة التميمي ومشاركوه المشورة القانونية بصفة منتظمة إلى الشركات التقنية ولا سيما في مجال علوم الحياة والصناعات الدوائية بشأن حماية براءات الاختراع والمسائل التنظيمية/ التجارية ذات الصلة بهذه الصناعات في منطقة الشرق الأوسط. لمزيد من المعلومات يرجي التواصل مع أحمد صالح (A.Saleh@tamimi.com) إينا أجاج (i.agaj@tamimi.com).
 
Al Tamimi & Company 
 

 

مواضيع ذات صلة :