أنها حكاية أشبه بالخيال, لكنها حدثت وتكررت على مدار القرون الثلاثة الماضية أكثر من 200 مرة وكان آخرها في مارس 1997 في أيرلندا عندما تم اكتشاف أحد الأشخاص جالساً على كرسيه المتحرك وقد تفحمت جثته ما عدا الرأس والقدمين, وبدا الأمر كما لو كان هناك من تعمد إحراقه بمادة شديدة الاشتعال, وقد أكد تقرير المعمل الجنائي أنها حالة احتراق شديد من داخل الجسم, وأن الجثة كانت أشبه بكوم رماد بينما الملابس كانت سليمة وهو ما حير الخبراء والمحللين في هذه القضية.
وواقع الأمر أن التاريخ الجنائي حافل بعشرات القضايا من نوعية تلك الحوادث التي راح فيها أشخاص ضحايا لحريق غامض التهم أجسامهم من دون أن يمس الأجزاء الأخرى المحيطة بالمكان مما كان يجعل القضية تقيد "ضد مجهول" لعدم وجود تفسير علمي يعترف به خبراء المعمل الجنائي وهو ما دفعنا لمعرفة مزيد من التفاصيل حول تلك الظاهرة الغريبة والغامضة.
كوم رماد
يقول باحثون ومتابعون لمثل هذه الحالات: تلك الحوادث الغريبة من الظواهر الخارقة التي حيرت العلماء على مدار أكثر من ثلاثمائة سنة وهي ليست ضرباً من الخيال, بل هي وقائع مسجلة في دفاتر مستشفيات البلاد التي شهدتها والتي تجاوز عددها ألمائتي حالة كان العامل المشترك بينهم جميعاً هو حدوث اشتعال مفاجئ في الجسم في أي مكان وفي أي موقف فيفاجأ الشخص بنيران تشتعل في جسده من دون أن يلمس أي مصدر مشتعل ولا أن يقترب من أي مواد قابلة للاشتعال, ولذلك أطلق عليه " الاحتراق الذاتي " وفيه يذوب نسيج الجسم تماماً ويتحول إلى كوم رماد مثلما حدث مع د. بينتلي في منتصف الستينيات من القرن الماضي والذي فوجئ بنفسه والنيران تلتهمه أثناء وجوده في البانيو وفشلت محاولات إنقاذه لأن النار أحرقته بشراسة فقضت على كل جسمه, لكن المثير أنه احترق وهو في الحمام رغم وجوده في مياه البانيو التي لم تنجح في إطفائه في الوقت الذي بقيت ستائر هذا الحمام سليمة وهو الأمر الذي حول موضوع الاحتراق الذاتي إلى لغز كبير حير المثيرين من رجال الأمن والمحققين, خصوصاً وأن تلك النيران التي تنفجر في جسم الضحية كانت تأكل البشر فقط دون الحيوانات أو النباتات أو الملابس, وكانت غالباً ما تقضي على الضحية تماماً إلا في حالة وحيدة وفريدة من نوعها وهي لسيدة شابة كانت تقود سيارتها في أحد شوارع لندن وبجوارها صديقتها وفوجئت باشتعال النيران فيها, ولما صرخت تم إنقاذها بعد أن كانت النيران قد التهمت ربع جسمها تقريباً.
أجساد أثيرية
وحول الأسباب الكامنة وراء تلك الظاهرة الغامضة يقول الباحثون : التفسيرات متعددة رغم أن الكثير من الأطباء ينكرون الفكرة من أساسها ويعزون الأمر إلى أسباب مادية بحتة.
ويقول الكويتي أمجد قاسم الباحث في مجال الميتافيزيقا وصاحب مجلة "آفاق علمية" الالكترونية : أنني بصفة خاصة ومن واقع اهتمامي وبحثي في هذا المجال أعتقد أن الاحتراق الذاتي لأجسامنا يحدث بسبب تناحر أجساد أثيرية مع أجساد مادية وعندئذ ينتج كما كبيرا من الحرارة يصل لآلاف الدرجات المئوية فيؤدي إلى حرق أنسجة الجسم البشري لكنه لا يؤذي الجسم الأثيري في شيء.
متفجرات معوية
وهناك تفسيرات أخرى بعيداً عن عالم الجن والشياطين والمخلوقات الأثيرية تحاول أن تكون أكثر علمية من تلك التفسيرات, منها ما يعتقد بأن هناك مجموعة من المواد المتفجرة المتراكمة في المعدة والأمعاء نتيجة تفاعلات كيماوية تحدث داخلها لدى هؤلاء الأشخاص تؤدي لتكون غازات قابلة للانفجار ومولدة للطاقة والحرارة الشديدتين والمحرقتين للجسم وهو ما نفاه بعض من دكاترة " أستاذ ة الجهاز الهضمي " موضحين أنه وعلى الرغم من أن المعدة بيت الداء والمسؤولة عن كثير من المشكلات المرضية التي تواجه البشر إلا أنه من الصعب علمياً ربط ما يحدث في الجهاز الهضمي بحدوث مثل تلك الحرائق المفاجئة لعدم معرفة ملابسات هذه الحوادث على وجه الدقة .
ويؤكدون بما يقولنه : غالباً ما تكون جرائم تمت عن عمد ولكنها جريمة محكمة لطمس هويتها وتعطيل العدالة عن الوصول لمرتكبها, لكن فكرة المتفجرات المعوية غير واردة في الحسبان ولا أساس لها في العلم, كما أن عدد هذه الحوادث المحدود على مدار عقود بل قرون كثيرة يجعلها خارج نطاق مسمى الظاهرة بل هي مجرد حوادث فردية نادرة.
إدمان
يقول الدكتور محمود عابد استشاري الجلدية في الكويت : حروق الجلد معروفة منذ القدم بأنها إما كيماوية أو ناتجة عن الماء المغلي والبخار أو الكهرباء أو حروق مباشرة بالاتصال بمصدر نيران مشتعلة يمسك بالملابس أولا ثم يتسرب إلى الجسم ويساعد على سرعة انتشار الحريق في الجسم نوع المادة المشتعلة أو المساعدة على الاشتعال وطبعاً البنزين والغاز والمواد الكيماوية مثل " التنر " كلها مواد خطيرة جداً وتؤدي إلى حرائق شرسة وهذه الحرائق تكون درجات من الدرجة الأولى وحتى الثالثة بحسب انتشارها في الجسم, لكن مسألة الاحتراق الذاتي من داخل الجسم لا أراها ذات مغزى علمي ولا توجد أبحاث علمية موثقة تؤكد توصيف ما يعرف بالاحتراق الذاتي ولابد من دراسة كل حالة على حده لأنه يصعب وضع نظرية واحدة يمكن تطبقها كنظرية عامة لظاهرة لم تحدث إلا لأقل من ثلاثمائة حالة عبر ثلاثة قرون من بين ملايين البشر, وإنما قد تكون هناك أسباب راجعة إلى سلوكيات الضحية نفسها من حيث طبيعة الجسم واحتمالات تعاطي المخدرات والخمور والكحوليات وهو ما يبدو من سرد كثير من قصص ضحايا هذا الاشتعال المفاجئ.
لمن يحتسون الخمور
ويواصل عابد : أنها حدثت لأشخاص كانوا خارجين من نواد ليلية وهم عادة يحتسون داخلها الخمر أو لأشخاص كانوا يشربون الخمر في المنزل أو في الشارع وبالتالي فهم في حالة سكر وفقدان للعقل والوعي ومن السهولة جداً أن يحترقوا بنيران سجائر مشتعلة في ظل هذه الحالة, ومن الطبيعي أيضاً أن منطقة البطن والجذع أول ما يحترق بسهولة نظراً لما فيها من كتل لحمية وشحوم ودهون تكون طعاماً شهياً للنار فيشتعل الإنسان بسرعة على عكس السيقان والمناطق العظمية الجافة كالجمجمة والقدم فكلها تستغرق وقتاً طويلاً لكي تحترق تماماً ، وبالتالي لا غرابة في المشاهدات المذكورة لتلك الحوادث, ويجب أن نعرف أنه لابد وأن يكون لكل حادث من تلك الحوادث سبب ربما غير معروف الآن, لكنه موجود وسيكتشف في الوقت المناسب وهو أمر يرتبط أكثر بملابسات القضية وليس بجوانب طبية.
عقوبة ربانية
وإذا كان البعض يرجع الظاهرة لانتقام الجن أو تصادم أجسام أثيرية بأجسام بشرية فان الكويتي الشيخ محمود عاشور يرى أن الشرائع السماوية يمكن أن تعترف ببعض الظواهر الغريبة والغامضة على أساس كونها عقوبات ربانية خاصة يسلطها الخالق على من يشاء من البشر, خصوصاً ممن يسرفون على أنفسهم في استباحة حرمات الله تعالى وخصوصاً مدمني الخمر التي حرمها الله لأنها أساس كل رذيلة.
ويواصل الشيخ عاشور : وفي القرآن الكريم أمثلة كثيرة على عقوبات الهية أوقعها الله تعالى بأقوام خالفوا الأنبياء فمنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسف الله به الأرض ومنهم من شملتهم الصواعق الحارقة من السماء وكلها أمثلة حقيقية وليست خيالية, ولكن من الملاحظ أن معظم حوادث ما يسمى بالاحتراق الذاتي قد حدثت كلها في المجتمعات الغربية وليست في مجتمعاتنا الشرقية المسلمة ولو كانت هذه ظاهرة حقيقية لانتشرت بين كل الشعوب والمجتمعات, وإذا سلمنا بحدوثها في مجتمعات الغرب تكون للعبرة والعظة فقط على اعتبار كونها عقوبة الهية.