تعد الأخطاء الطبية من أكثر الظواهر التي تؤرق اليمنيين، وخاصة بعد تكرارها في ظل التقصير في بعض المستشفيات والكوادر الطبية وغياب الرقابة من الجهات المسؤولة.
ويؤكد الباحث الدكتور ناجي الحاج أن ظاهرة الأخطاء الطبية لم تعد مجرد ظاهرة عادية "بل أصبحت ظاهرة تمارس بشكل يومي دون رقيب أو حسيب ودون خوف من الله ولا وخشيه حتى صارت في تصاعد مستمر نتيجة للاهمال والعبث والتقصير في بعض المستشفيات مترافقة مع ثقافة الصمت السائد في التعامل مع الأخطاء الطبية وغياب الرقابة من الجهات المختصة وتحديداً من وزارة الصحة ونقابة الأطباء حتى باتت الأخطاء من الظواهر الخطيرة التي اصبحت كابوس يقض مضاجع المرضى".
ويضيف في مقال له في موقع "مأرب نيوز": "يكفي أن نقول أن هذه الثقافة قد غٌلفت بكثير من الأسباب الغير منطقية كالتحجج بأسباب واهية مثل نتيجة الإهمال وعدم المتابعة والمعرفة العلمية او نتيجة الجهل وعدم كفاءة الطبيب وعدم توفر الإمكانات اللازمة للقيام بالمهمة الطبية المحددة، أو شح الإمكانات، وقد يكون ناتجاً عن جهاز وربما إصابة المريض بمضاعفات ووصل بالبعض إلقاء الحجج على الكهرباء متكررة الإطفاء".
ويروي محمد حالة أخيه الذي تم اسعافه الى احد المستشفيات الحكومية بصنعاء، حيث "تم تشخيص مرضه على انه مصاب بالسل فذهبنا به إلى مركز الدرن ووصف له العلاج بثلاثين ابرة، وبعد ضرب حوالي 19 ابرة في احد العيادات القريبة من مسكننا شعر بألم شديد على إثرها تم نقله للمستشفى".
ويضيف لصحيفة "26 سبتمبر": "وُجد ان الابرة تم ضربها بشكل خاطئ حتى وصلت للعظم فقام الاطباء بإجراء عملية جراحية ووجدوا مكان الابرة تالف بعد ذلك مكث في المستشفى لمدة شهر وعملية تلو الاخرى فانتشر التلف في اجزاء الرجل حتى وصل للظهر وبعد شهرين من مكوثه في المستشفى تم نقله للبيت وبعد اسبوعين توفى".
ويقول الدكتور نبيل التويتي (استشاري جراحة المخ والاعصاب والعمود الفقري) ان الخطأ الطبي قد يحصل مع اي طبيب وهو نوعان، الاول خطأ في التشخيص وينتج عنه خطأ في العلاج، سواء كان العلاج جراحياً او بإستخدام الادوية، والخطأ خارج عن ارادة الطبيب فغموض الاعراض لدى المريض وغموض الفحوصات او تشابه الفحوصات والحالات مع بعضها البعض قد يقع فيها اكبر طبيب، و"الثاني هو الخطأ العلاجي اذا لم يكن هناك اي خطأ تشخيصي، وكان الخطأ في طريقة العلاج، هنا اتوقع من الخبرة في العمل انه قد يحصل تشخيص سليم، ولكن الخطأ في الاجراء العلاجي، وقد يخطئ الطبيب اما بالاستعجال في وصف الدواء او بالاستعجال في القيام بإجراء العملية الجراحية".
ويشير التويتي إلى وجود اخطاء متعلقة بنقص الامكانات "وهذه اخطاء لا تختص بالطبيب ولكن اخطاء خاصة بواقع البلد بشكل عام، بأن تكون الاجهزة غير حديثة والمختبرات غير دقيقة، هنا قد يقع الطبيب في فخ المختبر دون ان يشعر، وايضاً هناك اخطاء من ناحية متابعة المريض بعد العملية، نتيجة الاهمال تحصل مشاكل للمريض رغم انه حصل تشخيص سليم واجراء جراحي سليم، ولكن لم تتم متابعة المريض بعد العملية، فإذا لم يتم متابعة المريض بعد العملية من قبل المختص، ويكون تحت المراقبة فقد تحصل مضاعفات ويتوفى المريض".
وكان عدد من المحامين قاموا مؤخرا بتشكيل لجنة تطوعية للدفاع عن حقوق المرضى لمواجهة الأخطاء الطبية التي تقع في المستشفيات والمستوصفات الخاصة والحكومية والعيادات الخاصة والمراكز الطبية في اليمن.
وقال المحامي أسامة عبدالاله سلام الأصبحي رئيس مؤسسة العدالة للمحاماة لصحيفة "الوطن" إن اللجنة تشكلت من عشرة محامين وخمس محاميات متطوعين لرفع الدعاوى أمام الجهات القضائية لتحصيل حقوق المرضى الذين يتعرضون للإيذاء بسبب أخطاء طبية ناتجة عن إهمال أو تقصير في العلاج، خاصة وأن المرضى يصعب عليهم إثبات الخطأ الطبي بدون مساعدة قانونية .
وجاء تشكيل اللجنة على خلفية تعرض الطفلة أميمه من جراء خطأ طبي فادح حيث دخلت أحد المستشفيات العامة في محافظة تعز لإجراء عملية استئصال ورم في عمودها الفقري فخرجت وقد فقدت قدميها مما أدى إلى إصابتها بشلل تام أقعدتها عن الحركة، والطفل عبد القاهر الذي بتر عضوه الذكر في عملية ختان خاطئة العام الماضي.
ويؤكد أمين عام نقابة الاطباء والصيادلة اليمنيين ان "الاخطاء الطبية لاتوجد لها احصائية حقيقية قائمة على لجان تحقق فيها وتحدد مدى الخطأ من حيث كونه خطأ مهنياً وعلمياً، وانما يتم الشكوى احياناً بدون اسباب، واحياناً لايتم التحقيق نهائياً، وايضاً لايتم اللجوء للجهات المختصة، وهنا تكمن المشكلة، فالمريض لايرجع للجهات الفنية في النقابة، وانما يذهب احياناً الى قسم شرطة أو محكمة لديها اختصاص تستطيع تحديد اذا كان هناك خطأ طبي، ولهذا تعد هذه من الامور المؤثرة على هذا الجانب، ولاتعطي صورة واضحة عن الاخطاء الطبية حتى يتم التصدي لها ومعالجتها معالجة حقيقية".
ويرى الدكتور عبدالباري دغيش عضو لجنة الصحة والسكان بمجلس النواب اليمني أن الاخطاء الطبية تعود بالدرجة الأولى إلى قلة التجهيزات وعدم صيانة الاجهزة المتواجدة في المستشفيات وغرف العمليات المركزة "فعدم صيانة الاجهزة ومعياريتها بشكل دوري وفقاً للمعايير الدولية يشكل خطراً على المريض، ونحن نقف امام هذه المشكلة وندعو الجهات المعنية في السلطة التنفيذية ممثلة بوزارة الصحة وبمكاتب الصحة في المحافظات والمجالس المحلية ان تمارس دورها الرقابي على المنشآت الطبية سواء كانت حكومية أو خاصة".
ويضيف "نحن في اللجنة معنيون بالرقابة على تنفيذ القانون ولكن للأسف الشديد مازلنا نواجه صعوبات، ونحن نعترف بان لدينا جوانب قصور في لجنة الصحة والسكان ولكن جانب القصور الاكبر في الممارسة العملية في غياب الرقابة الداخلية في الاجهزة التنفيذية، تحديداً في وزارة الصحة والأكثر من ذلك هو ضعف رقابة الضمير".
ويؤكد أن بعض الناس أصبح "ينظر الى مسألة التطبيب على انها تجارة، فهناك حالات تم الوقوف أمامها، وما يواجهنا في المجلس صعوبة ممارسة الدور الحقيقي وإعطاء التوصيات والعمل على متابعة هذه التوصيات على مستوى الجهات الحكومية".