فقدت مصر برحيل رجل الأعمال البارز محمد نصير بعد صراع مع المرض
وغزا محمد نصير خلال مشواره الحافل بالانجازات العديد من المجالات منها الملاحة والبترول والغزول والمنسوجات ونجح فيها .
وخلال حواره مع حسن عامر لصحيفة "العالم اليوم" اعترف نصير بفضل الاستاذ محمد حسنين هيكل فقال ان هيكل انقذه من البطالة عندما منعوه من السفر عام 1966 ، ليكشف نصير بتلقائية تامه انه حقق نجاحاته بجهوده حتى صارت مجموعته من كبريات المجموعات الاستثمارية فى العالم .
"البشاير" تنشر من اليوم ملف رجل الاعمال البارز محمد نصير على حلقات .. ونبدأ بحواره مع حسن عامر كما جاء بصحيفة "العالم اليوم " ..
أنا المستثمر الوحيد المؤهل علميا لبيزنيس الإتصالات وتاريخي حافل بتركيب أول شبكة لتيلفون السيارة في المنطقة وعندي شبكة تيلفونات عبر الأقمار الصناعية .. قبل المحمول .
دخلت سوق الملاحة والبترول والغزول والمنسوجات ونجحت وتعرضت لضربات موجعة في الأدوية والمشروبات .. لكنني مستمر مشروع المركز المالي يعيد تشكيل القاهرة الأيوبية من جديد هيكل أنقذني من البطالة عندما منعوني من السفر عام 1966 .
حسن عامر يحاور نصير
محمد نصير كائن معجون بالبيزنيس .. حواسه الخمس عالية الإستقبال للتوظيفات المالية الناجحة .. وحاسته السادسة والسابعة أكثر كفاءة في هذا المجال .. لم يترك مجالا دون إختبار بالإستثمار: الملاحة والبترول والأدوية وصناعة المنسوجات والمشروبات .. وأخيرا الإتصالات والعقارات .. ولم يترك مجالا دون أن يحقق منه ربحا .. ماليا أو معنويا علي الأقل .. وهو مصمم علي أن يترك بصمته علي التاريخ الإقتصادي .. ويبدو إنه حقق ماأراد .. مشكلته الوحيدة .. هي مشكلة كل رجال الأعمال في مصر .. إنه وحده المؤسسة : رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب والمدير العام والمدير المالي ومدير الإنتاج والتسويق . بل هو أيضا المبدع للأفكار الإستثمارية ..
سألته : كيف تتحمل كل هذه المسئوليات وحدك ؟.
أجاب : يومي طويل جدا خاصة بعد أن نقلت مسكني من المهندسين الي أطراف الهرم . ولهذا لا أخرج مرة أخري بمجرد العودة الي المنزل . أنام مبكرا في الحادية عشر وأستيقظ مبكرا . ربما في الخامسة صباحا . أصلي الفجر حاضرا وأتوجه الي مكتبي لأتابع عشرات التقارير والرسائل والبرقيات . وأنتهي في الثامنة .
»وعلي طول « الي شركة البيبسي في مدينة نصر . ثم الي المقر الرئيسي لشركاتي في ميدان المساحة . وكثيرا ماأقطع النهار برحلة الي مدينة ٦ أكتوبر لمتابعة مصنع الأدوية والمنسوجات . ومنها الي مدينة السادات لمتابعة مصنع الغزول الراقية . وأتوجه الي مصنع الغزول السميكة في الأسكندرية مرة كل أسبوع علي الأقل ..
الشركة الوحيدة التي لديها جهاز تنفيذي مستقل » مصرفون « : أنا رئيس مجلس الإدارة . لكن هناك ممثلين آخرين لشركاء أقوياء يمثلون » إيرتتش « الأمريكية و»فودافون « البريطانية . قلت له : يتفق الجميع حتي منافسوك علي وصفك بأنك » رجل أعمال « شاطر . والشاطر لا يختار الإستثمار في مجالات عالية المنافسة والمخاطرة مثل الإتصالات والمشروبات والأدوية .
هل ثمة تناقض بين الشطارة والمخاطرة ؟
قال : المفهوم الشائع للشطارة هي المراهنة علي السهل والعلاقات العامة . وعلي تحقيق الثروة بالعلاقات وحدها .. وتسلق الآخرين .. لكن المعني الصحيح الذي أهملناه هو الجودة والتجويد .. أنا مع المعني الصحيح : أن تختار المشروع وتكتسب خبراته وتستغرق في تفاصيله وتسعي الي التجديد والإضافة اليه . أعرف مثلا أن سوق الإتصالات واسعة جدا . ومسكونة بكل شياطين المنافسة . وتتوعد المستثمرين بكل الضربات والإحتمالات . ومع ذلك أنا بمعيار الجودة » أكثر العناصر أهلية لبيزنيس الإتصالات في مصر « .. علاقتي بهذا القطاع بدأت من كلية الهندسة جامعة القاهرة . كان المشروع الذي تقدمت به للحصول علي درجة البكالوريوس هو خدمــــــــات » خط الكيبل « بين القاهرة والأسكندرية .
لا تنسي إننا نتحدث عن 1959 . في هذا الوقت كانت الإبتكارات محدوة جدا في عالم الإتصالات . وكان العالم أسير الإمكانيات التي تتطور ببطء شديد . وكان الأمل محصورا في مجرد فتح خطوط الإتصال المباشر بين القاهرة والأسكندرية ثم غيرها من المدن . وهو ماعرف فيما بعد بالنداء الآلي .. وعندما إستقر بي المقام في مصر بعد رحلة شاقة من العمل والتعلم وإكتساب الخبرات في الخارج . قدمت إسهامي الأول في تطوير الإتصالات . وشاركت عام 1986 في عطاء تزويد الهيئة القومية للإتصالات بشبكة وتقنيات تيلفون السيارة . وفازت شركتي بالعطاء . لم أكن مسئولا عن التعامل مع المشتركين . لكنني قدمت للهيئة أعلي تقنية توصلت اليها شركات الإنتاج آنذاك . وتوليت تدريب العاملين والفنيين . وكانت مصر أول دولة عربية تتعامل مع شبكة تيلفونات السيارات .
سألته : وبهذه المناسبــــة . ماهو مستقبل شبكة تيلفونات السيارات ؟
أجاب : لن يستمر طويلا . سعة الشبكة ٦١ الف خط تم إستيعابها بالكامل . ولا أعتقد أن هناك مزيد من الطلبات . كما إن تكنولوجيا المحمول تقدم بديلا أعلي كفاءة .
قلت له : وكيف بدأت علاقتك بالمحمول ؟
قال : علاقتي بدأت مبكرا جدا . أنا الذي تقدمت بأول مشروع لشبكة للمحمول بعد أن تطورت تقنياته في منتصف الثمانينات . كان ذلك عام 1991 . لكن الظروف المالية في مصر لم تسمح بمثل هذا الترف . وفي عام 1994 أعلنت الهيئة القومية للإتصالات عن العطاء الأول الذي إشترك فيه نحو ٣٣ شركة . وقصته معروفه . وتم إلغاؤه لأسباب خاصة بالأمن .. وانتظرت طويلا : أربعة سنوات متصلة حتي أعلنت الدولة عن عطاء لإنشاء شبكة ثانية للمحمول .. وتقدم للفوز بالعطاء 6 مجموعات . كان من بينها مجموعة فودا فون مصر . ومجموعة ساوريس . وفي جلسة فتح المظاريف إشترك خمس مجموعات فقط . بينما إنشغلت المجموعة الإيطالية بزيارة الأهرامات . وضاعت منها فرصة المشاركة .. بقية القصة معروفة : كان العرض الذي تقدمت به مليارا و755 مليون جنيه . بينما عرض نجيب ساوريس مليار و295 مليون جنيه . وكان من المقرر إعلان فوزي في ذات الجلسة .
لكن نجيب إشتبك في معركة كلامية مع رئيس اللجنة . مما دعاني الي الخروج من القاعة حتي لا يدعي أحد بأنني كنت سببا في إفساد الجلسة . وفي اليوم التالي قرأت في الصحف خبرا يقول » إن العرض الأقل أحسن للشعب « . وإنتهي الأمر بتعطيل البت في العملية شهر علي الأقل .. وشهر بالنسبة للبيزنيس طويل جدا ومكلف جدا .. قبل المحمول لي قصة أخري في عالم الإتصالات . كان ذلك عام 1997 عندما أعلنت الهيئة القومية للإتصالات عن عطاء لإنشاء شبكتين للإتصالات عبر الأقمار الصناعية لتغطية المناطق غير المأهولة التي تعمل فيها شركات البترول وكذلك لأغراض الملاحة البحرية . وهو النظام المعروف دوليا بإسم » في سات « . وفزت بأحدي الرخصتين . أما الرخصة الأخري ففاز بها المهندس مدحت يوسف بمشاركة شركة » إن ئي سي « اليابانية . ومنذ هذا التاريخ أقدم خدماتي لكل منطقة توشكي وشرق العوينات ومعظم شركات البترول .. بعد هذه القصة الطويلة من حقي أن أوجه سؤالا واحدا لمن يتساءلون عن علاقتي بالإتصالات : » إذا لم إتقدم أنا لإنشاء وإدارة شبكة للمحمول فمن هو الأكثر جدارة وأهلية في هذا المجال ؟.. أنا متخصص علميا . ولي تاريخ وسابق خبرة وعلي يقين أن أدائي سيكون بدرجة إمتياز .
قلت له : يتردد في المجلات والتقارير المتخصصة إنك تسعي للفوز بإحدي العمليات الكبيرة في الخارج ؟
أجاب : نعم . والإتصالات جارية مع إحدي الدول العربية . لكنني لن أبوح بالإسم في الوقت الحاضر .. قلت له : الوقائع التي ذكرتها تقدم أوراق إعتمادك في قطاع الإتصالات . لكن ماهي أوراق إعتمادك فـــــــــي قطاع الغزول والمنسوجات ؟. قال : لنبدأ بالغزول . إنها قصة طريفة . كنت في لندن . وتلقيت تيلفونا من سمسار مشروعات . هذا الصنف من البشر موجود في العالم الغربي . ومهمته الترويج لبيع المشروعات القائمة أو تجميع المستثمرين لمشروع بعينه .
قال لي الرجل : عندي مصنع جاهز بتكنولوجيا نادرة وسوق جاهز وشرح لي الحكاية قائلا : إن أحد المستثمرين في ملانو لديه مصنع لتحويل عوادم القطن الي غزول سميكة تستخدم في صناعة الملابس والتجهيزات الرياضية . هذا الرجل يفكر في إنشاء وحدة أخري في تونس . وتعاقد بالفعل علي الآلات ويبحث عن شريك ..
المعلومات الأولية تحركت في عقلي بسرعة التيار الكهربائي ووجهته الي قبول الفكرة . وتبين فيما بعد أن الوحدة الجديدة أحدث تكنولوجيا ولا تستخدم العوادم فقط . بل تعتمد أيضا علي المنسوجات التالفة في مراحل التصنيع المختلفة . وتتولي تفكيكها وتحويلها الي قطن قابل للغزل . ونحن بلد لدينا كميات هائلة من العوادم سنويا ولا نجيد إستغلالها علي نحو إقتصادي . وتصورت في البداية أن يقام المشروع في تونس كما يرغب الرجل . وأن نصدر له العوادم المصرية . وبعد أيام تغيرت وجهة نظري تماما . وتمسكت بإقامة المشروع في مصر . فهي فرصة للتعرف علي تكنولوجيا جديدة.
قابلت صاحب المصنع في ميلانو وأقنعته بوجهة نظري .. وفي القاهرة واجهتني تحديات قاتلة كادت تلغي المشروع جملة وتفصيلا . فالقطاع العام يحتكر صناعة الغزول ولا يسمح للقطاع الخاص بالمنافسة حتي وإن كانت منتجات نادرة .
ونصحني الدكتور محي الدين الغريب عندما كان رئيسا لهيئة الإستثمار بنقل المشروع الي المنطقة الحرة بالأسكندرية . وعملت بالنصيحة .. المصنع الآن ينتج حوالي 4 آلاف طن غزول سميكة ويصدر إنتاجه بالكامل . ومنذ أيام قابلت حسن أبو المكارم رئيس مجلس إدارة سجاد مكة وقال لي ضاحكا : » أنا زبون كبير عندك . وإنت مش عارف . ولا أنا كنت عارف « .. سألته إزاي . قال كنت في زيارة لمصنعي في بلجيكا . وبالصدفة رأيت شحنة من الخيوط التي تستخم في صناعة السجاد . تحمل عبــــــارة » صنع في مصر « . وعندما دققت النظر وجدتها من إنتاج مصنعك في الأسكندرية .
وهذا يعني أن سوق الغزول السميكة يتسع باضطراد . ويشارك في إنتاج عدد آخر من المنتجات الي جانب الملابس الرياضية .. ولهذا السبب قررت إضافة وحدة إنتاجية جديدة لمصنع الأسكندرية .. وربما نضيف وحدات أخري إذا إستمر الطلب عاليا .
قلت له : كيف إنتقلت من الغزول والخيوط السميكة الي الغزول الراقية والمنسوجات ؟
أجاب : بالخبرة والصدفة ... وجدت نفسي أمام المشروع . كنت في زيارة لإيطاليا ورأيت مجموعة من رجال الأعمال المتخصصون في المنسوجات . وكانوا يتحدثون عن التراث الضائع في المنسوجات المصرية . ويترحمون علي الغزول الراقية والمنتجات القطنية الفاخرة التي تميزت بها مصر حتي منتصف الستينات . وراهنتهم علي إحياء هذه الصناعة . وعدت الي القاهرة وأنشأت وحدة صناعية لإنتاج أرقي غزل في العالم . وجهزتها بأحدت مافي التكنولوجيا ( 11 الف نول لإنتاج الف طن سنويا ) .
ومنذ شهرين بدأنا الإنتاج مستخدمين خامة قطن عادية ورخيصة ( جيزة 70 ) . ومع ذلك أنا علي يقين من » كسب الرهان « بشهادة أكثر من بيت خبرة أوروبي وأمريكي . وفي (13 يناير ) سنوقع عقد تصدير الإنتاج بكامله الي إيطاليا . وفي مارس المقبل سأوقع عقدا لتجهيز الوحدة الثانية . وأنتقل بعدها الي وحدات النسيج .
وأنا بالمناسبة أميل الي هذا المنهج في الإستثمار . أبدأ بوحدة صغيرة لأكتسب العلم والخبرة والنجاح . ثم أضيف اليها وحدات أخري بقدر مايحتمل النجاح ...
قلت له : ننتقل الي البيزنيس الأصعب . لماذا غامرت في صناعة الأدوية . وهي مهنة تختلف تماما عن الإتصالات ؟
أجاب : هذا البيزنيس له علاقة ببيزنيس آخر كنت واحدا من رواده في مصر . وهو الألكترونيات . تعرفت عليه منذ البدايات . وكنت المهندس الذي إستعان بي الأستاذ محمد حسنين هيكل لإنشاء وحدة الكومبيوتر بالأهرام في عام 1967. وعندما إستقر بي الحال في القاهرة عام 1974 أنشأت شركة الجيزة للأنظمة . وهي من أكبر شركات التجهيزات الألكترونية في مصر الآن .
ونحن نعلم أن الكومبيوتر بدأ الإنتشار والتداخل في معظم العلوم والتقنيات منذ منتصف الستينيات . ومنها طبعا التجهيزات الطبية . ولم نتخلف نحن في شركة الأنظمة عن هذا التطور . بل تابعناه في كل الإتجاهات . تابعناه في الإتصالات وفي صناعة الغزول والمنسوجات . ثم في التجهيزات الطبية التي تحولت باضطراد الي جزء من بيزنيس الألكترونيات . فليس هناك قطعة واحدة مستخدمة في الطب الآن بلا علاقة بعلوم الألكترونيات والكومبيوتر .. وانتقل التزاوج الي تجهيزات المستشفيات أيضا .. » كله بالكومبيوتر .
وبالمناسبة تم تجهيز المصنع الكترونيا وبالكامل فـــــــــــي السويد - طوبة طوبة . ولم تشارك في بنائه الأيدي البشرية علي الإطلاق . وأعتقد إننا نقدم للسوق وللتصدير إنتاجا لا ينافسنا فيه أحد ..
قلت له : قبل الأدوية سجلت » أول جول « في شباك الخصخصة بشراء شركة » بيبسي كولا « . وتعرضت لحملة قاسية تدعي إنك فصلت وشردت آلاف العمال . وإنك أغلقت المصانع لتبيع الأرض . وتحقق ملايين الجنيهات . ماهي القصة بالتفصيل ؟
أجاب : بداية أنا لم إشتر الشركة وحدي . بل بمشاركة مجموعة مالية من بينها الشركة الأم في الولايات المتحدة . ودفعنا ثمنا يزيد أضعافا عن القيمة الحقيقية . وهذا ماإعترف به علي الأقل أحد الوزراء المصريين في حديث بثته الشبكات التلفزيونية . وشاهده شركائي في الخارج . قال أن كل أصول الشركة » لا تزيد عن 110 مليون جنيه لكننا بعناها بنحو 157 مليون جنيه « . وقيل لنا عند التعاقد إن الخطوط تعمل بطاقة 60٪ الي 70٪ . وأكتشفنا عند التشغيل إنها تعمل بنحو 30٪ . واضطررنا الي إعادة تأهيل المصانع بالكامل ..
وكانت الشركة تعاني من خلل تنظيمي وإداري غير منطقي . فالقوي العاملة علي خطوط الإنتاج أقل من عدد الإداريين . وكان علينا أن نعيد تنظيم الخلل قبل التشغيل . وتعرضنا في البداية الي تحرشات عمالية منظمة . كنت علي يقين من مصدرها . ثم الي عمليات سرقة متعمدة . واضطررنا الي فصل نحو 80 فردا من الإداريين والعمال الذين ضبطوا بالجرم المشهود .
وفي مقابل ذلك زادت القوة العاملة بالشركة منذ شرائها بواقع6 آلاف عامل . وأعترف أن المنافسة قاتلة في هذا المجال . وأن المنافس الرئيســــــي » كوكاكولا « مستعد لإخراج منافسيه بأي ثمن . وهو أقدم مني في السوق المصري بنحو 30 عاما . ومع ذلك فإن نسبة مبيعاتنا إرتفعت الي 41٪ من حجم السوق بينما نصيب الطرف الآخر 51٪ . الحصة الباقية موزعة بين المنتجين الآخرين .
سألته عن علاقته بالنقل البحري والبترول ؟
أجاب : كان ذلك أول بيزنيس إشتغلت به . وكنت في بداية الطريق . التقيت في القاهرة برجل الملاحة اليوناني الشهير جورج لاتيس . وعرض علي العمل معه . وفي شركته تعرفت علي بيزنس الملاحة والبترول معا . وحققت أرباحا كبيرة ساعدتني علي تطوير نشاطي في لندن . وفي إحدي جولاتي التجارية في المنطقة العربية هبطت الي مطار القاهرة بصحبة زوجتي » إبنة المرحوم عبد اللطيف البغدادي « . وحدثت نفسي أن أقوم بزيارة الأهل . وأن تقوم هي بزيارة والدها .
وفجأة سحبوا جواز سفري ومنعوني من السفر . بل ووجهوا لي تهمة الإتصال بإعداء النظام وتدبير مؤامرة للإطاحة بالرئيس جمال عبد الناصر . وتنصيب حماي » عبد اللطيف البغدادي رئيس للجمهورية.
لكن عبد الناصر لم يصدق الحكاية . وقال للمخابرات » العبوا غيرها . أنا أعرف عبد اللطيف البغدادي جيدا . هذا الرجل لا يمكن أن يتآمر علي النظام . أعرف إن لسانه طويل . وينتقد قراراتي بشدة من منظور الحرص علي الثورة . ولكنه لا يعاديني شخصيا . أو حتي يعادي الثورة التي شارك فيها .. « .. المهم أفرجوا عني بعد الإعتقال لفترة محدودة . ومنعوني من السفر نهائيا .
وظللت عاطلا عن العمل في القاهرة . أتحرق خوفا علي ثزوتي وأعمال في لندن .. في هذه الظروف العصيبة استدعاني الأستاذ هيكل وقال لي أنا عرف إنك واحد من القلة النادرة الذين يفهمون في الكومبيوتر في مصر والعالم . لماذا لا تتعاون مع الأهرام في إنشاء وحدة الأنشطة الألكترونية التي أصبحت معلما في الأهرام .. ورمزا علي التقدم العلمي لهذه المؤسسة الصحفية . وهكذا أنقذني هيكل من البطالة . وأنقذني أيضا من الإحتراق الذاتي . وظللت في الأهرام حتي سمحوا لي بالسفر مرة أخري في مطلع السبعينات .
قلت له : أخيرا إنت » داخل علي تقيل « سوق التنمية العقارية . أولا لماذا تدخل هذا المجال وأنت تعلم أن السوق العقاري في حالة إحباط عام . وهو سوق مازال عشوائيا . تنظمه تشريعات متخلفة . وطارد للإستثمارات خلال السنوات الخمس المقبلة علي الأقل ؟
أجاب : أعترف إنني دخلت السوق تحت ضغط وإغراء أحد الخبراء الأمريكيين . والقصة تبدأ بالتحديد منذ ثلاث سنوات . عندما تلقيت إتصالا هاتفيا من الخبير وطلب مقابلتي علي وجه السرعة . وعندما التقيت به بادرني بالسؤال : هل أنت صاحب الأرض المحورية عند مدخل مدينة المقطم . قلت له نعم .. قال لي : في الإستثمار العقاري قاعدة ذهبية توصي بالبحث عن الموقع بالدرجة الأولي والثانية والثالثة والرابعة .. ثم بعد ذلك علي المستثمر أن يبحث عن مصادر التمويل .. وأنت يامستر نصير تملك » كنزا عقاريا « عليك إستثماره فورا ..
أخذت بالنصيحة . وطلبت صديقي الدكتور مهندس حسين شاهين رئيس مؤسسة »روجر - بيرجر - شاهين ودوشلير « الأمريكية تقييم الموقع والمساحة والمشروع الملائم .. واستعان شاهين بشركة » بيكتيل « الأمريكية التي تعرف القاهرة جيدا . وتتولي تنفيذ أكثر من مشروع عمراني . واستقر الرأي علي الموقع فريد . ويتمتع بميزات جغرافية متعددة . فهو علي ملتقي طرق صلاح سالم والأوتوستراد . وعلي بعد 15 دقيقة من أي مكان في القاهرة . من المطار الي وسط المدينة ..
وتحسنت أهلية الموقع كثيرا بعد مشروع نفقي شارع الأزهر والحسين .. وكان الحديث الشائع في القاهرة : أن موقع البورصة لم يعد ملائما . وإن مساحتها أيضا لم تعد ملائمة للأنشطة المتزايدة في سوق المال . وأن شركات الخدمات المالية تعانــــــي من مشاكل متعدة في التواصل مع البورصة .. وبدأت الفكار تتلاقي : لماذا لانقيم مبني عصري لبورصة القاهرة . ونقيم بجوراها مبني آخر لكل الشركات والمؤسسات ذات العلاقة . لماذا لا نحول المكان الي مركز مالي للعاصمة ..
الفكرة جيدة والمساحة ملائمة : 65 الف متر متر مربع . يضاف اليها نحو 11 الف متر يملكها رجل الأعمال رؤوف غبور .. وبدأنا التنفيذ . أسسنا فــــــــي البداية فريقا لإستثمار الموقع يضم : نصير ورؤوف غبور وصندوق إستثمار الجامعة الأمريكية وشركة الأهلي للإستثمار العقاري . وكلفنا الفنان العالمي روفائيل فينولي لتصميم المبني إضافة الي حسين شاهين ومؤسسته . كما تعاقدنا مع بيكتيل للقيام بأعمال المدير الفني والمالي للمشروع .
وجاءت النتيجة كما توقعت وتخيلت : تحفة معمارية . لا نظير لها في أي عاصمة شرق أوسطية . أربعة أبراج تتلاقي تدريجا لتشكل فيما بينها قبة هائلة تحتضن قبة أصغر هي مقرا للبورصة ... هكذا إستفاد المصممان من بانوراما القاهرة الأيوبية التي تقع بها الأرض . ولم يكتفيا بذلك بل حرصا أيضا علي تغطية سطح القبة بالنمنمات الإسلامية والعربية .... وفرش الجدران الداخلية بالزخارف الشرقية ... وتتسع الأبراج الأربعة للمكاتب والمساحات الإدارية وفندق خمس نجوم . ونادي صحفي وصالة للإجتماعات . وأخري للعرض السينمائي . ومحال تجارية ومواقف سيارات تسع ٠٠٠٦ وحدة تقريبا ..
وعرض فريق المؤسسون تقديم مبني البورصة هدية للحكومة المصرية . وقبلت الحكومة ووقع ممثلوا الطرفين عقدا بذلك في مارس 1998 وقيمة الهدية ٠٥ مليون جينه تقريبا . أما التكلفة الأولية للمركز فتصل الي مليار جنيه ..
وأضاف محمد نصير : أعرف إنها مغامرة كبري . ولكنها تستحق . وربما يكون سببا في إعادة إنعاش السوق العقاري كما حدث عند بناء » الإمباير ستيت « في مدينة نيويورك في الثلاثينيات . كان السوق راكدا . لكن المغامرة قدمت للمستثمرين الف سبب وسبب لإسترداد التفاؤل .. سؤال أخير : لماذا تحتفظ بكل هذه المناصب في شركاتك ؟ . ولماذا تركيز سلطة القرار في يدك - بما في ذلك القرارات الصغيرة ؟ . وهل تفكر في طرح حصة من شركاتك للتداول في البورصة ؟. أجاب : إنها مرحلة طبيعة في تاريخ تأسيس المؤسسات العملاقة . ومن المؤكد أن الهيكل التنظيمي سيتغير . شئنا أم أبينا . ومن المؤكد أن جزءا من أسهم المؤسسة سيعرض للتداول في البورصة .. لكن المسألة تحتاج الي بعض الوقت ..
المصدر : جريدة البشاير
