اقتصاد عربي نُشر

هل يحقق البنك المركزي السوري تطلعاته من رفع الفائدة على الودائع؟

أوصى مصرف سوريا المركزي بضرورة وضع سعر فائدة واقعي يعكس ظروف الاقتصاد السوري ويساعد على إعادة هيكلة السيولة لدى المصارف بتشجيع الادخار وتوظيف التسهيلات الائتمانية نحو الاستثمارات المجدية، التي تدعم زيادة التشغيل والإنتاج.

هل يحقق البنك المركزي السوري تطلعاته من رفع الفائدة على الودائع؟



جاء ذلك في بيان مصرف سوريا المركزي عند إعلان زيادة سعر الفائدة على الودائع بالليرة السورية من 7 إلى 11 في المئة، فهل ستسهم هذه الزيادة فعلا بتشجيع الادخار وتحقيق ما رمى المركزي السوري له من خلال القرار؟، وهل جاء هذا القرار في توقيته المناسب؟.

تأثير سلبي
يرى الخبير الاقتصادي عامر شهدا أن قرار رفع الفوائد من 7 لـ 11 في المئة "قرار جيد"، إلا أنه متأخر جدا فقد كان من المفروض أن يتم رفع الفوائد منذ نهاية العام 2018، حينها كان من الممكن له أن يكون له جدوى.

وتابع: "الادخار لا يعطي دائما نتائج إيجابية، حيث يمكن لزيادة ادخار الأفراد أن يؤثر سلبا على الاقتصاد، على اعتبار أن رفع نسب وتشجيع الادخار من المفترض أن يترافق مع مراعاة معدل الاستهلاك، ومعدل الاستهلاك في سوريا منخفض بدليل الأسواق وشكوى التجار من تراجع الطلب".

ويرى الخبير الاقتصادي السوري أن "رفع الفوائد في هذا الوقت لن يكون له صدى إيجابي جيد على اعتبار أن هناك تراجعا في القوة الشرائية لليرة السورية إضافة إلى تراجع في قدرة الدخل على الاستهلاك، وهذا يعني أن هذين المعوقين سيقفان دون زيادة الادخارات في المصارف.

إيجابية… لكن محدودة ومتواضعة
من ناحية أخرى يرى الخبير الاقتصادي ورئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية عابد فضلية، أن قرار رفع الفائدة إيجابي وصحيح، ويفترض أن يؤدي إلى زيادة الأموال المودعة لدى المصارف التي ستزداد سيولتها وتصبح أكثر قدرة على إقراض الأنشطة الإنتاجية التي يحتاجها اقتصادنا وأنشطتنا التنموية بشدة.

ومع موافقته للقرار، إلا أن فضلية يطرح تساؤلا مهما حول إيجابية نتائج القرار وهو: "هل ستكون كبيرة أم متواضعة"؟، فذلك برأيه يتعلق الأمر بمستوى النسبة الجديدة للفائدة الدائنة (11 في المئة) فيما إذا كانت جاذبة ومشجعة ومغرية فعلا لأصحاب الأموال والمدخرات ليودعوا أموالهم في المصارف، في ظل نسب التضخم السائدة وفي إطار التوقعات بأنها سترتفع أكثر نظرا للظروف الاقتصادية السيئة على مستوى العالم عموما وفي سوريا خاصة.

ولذلك يرى فضلية أن هذه النتائج (التشجيع على الإيداع في المصارف وزيادة سيولتها التسليفية) ستكون محدودة ومتواضعة لأن نسبة الفائدة الجديدة (11 في المئة) تبقى منخفضة بالمقارنة مع الوضع الاقتصادي العام لا سيما نسبة التضخم الحالية والمتوقع.

إجراء غير مجدٍ
ولكن مهما كان سعر الفائدة مرتفعا في الوقت الراهن، فلن يجذب الودائع بحسب حسن حزوري الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة حلب.
ويعلل حزوري ذلك بأن معدل التضخم الجامح الذي يشهده الاقتصاد السوري حاليا أسرع من ارتفاع سعر الفائدة مما يجعل أي سعر حالي أو في المستقبل المنظور غير مجد عمليا، ويضاف إلى ذلك، سياسة تجفيف السيولة وتقييد حركة السحب وحركة الحوالات.

كل ذلك برأي حزوري، وضع المواطن في حالة عدم ثقة بقرارات مجلس النقد والتسليف من حيث إمكانية استرداد مدخراته بسهولة عندما يحتاجها.
ويضيف حزوري: "تقييد حركة السحب التي مورست سابقا، كان لها آثار سلبية كبيرة على مختلف القطاعات الاقتصادية الإنتاجية والخدمية".

السندات… من موجبات الرفع
وبحسب اعتقاد الخبير الاقتصادي عامر شهدا، فإن رفع الفوائد جاء بعدما تم طرح السندات الحكومية، ما يؤدي إلى انخفاض مستوى السيولة في المصارف بسبب شرائها لهذه السندات وحتما سيحد من قدرتها على الإقراض للمشاريع وبالتالي ينخفض المستوى العام للاستثمار.
يقول الخبير الاقتصادي: "رفع الفوائد جاء من أجل دعم سيولة المصارف وهذا ما قاله المركزي، الذي بين أن الادخار من أجل منح قروض ومن أجل الاستثمار فهذا يعني أنه هناك انخفاض في مستوى السيولة".

وتابع: "فرفع نسبة الفوائد سيسهل على الحكومة بيع السندات في السوق وجميعنا يعرف أن السندات الحكومية ستدخل ضمن الأسواق المالية السورية وبالتالي سيتم طرحها هناك وبالتالي رفع سعر فائدة هذا السندات سيتأثر بسعر الفائدة الجديد، لتشجيع المستثمرين على شراء هذه المستندات لكن بالمقابل كل ذلك سيؤدي إلى ارتفاع عام في مستوى أسعار الفائدة سواء كانت المدينة أو الدائنة وبالتالي سيؤدي إلى انخفاض الاقتراض لأنه سيصبح أكثر كلفة مما سيؤدي لانخفاض متكرر في المستوى العام للاستثمار".

كل ذلك نتيجة عدم توقيت القرار بالشكل الصحيح والتأخر في إصداره، والإصدار في وقت يعاني فيه السوق من تراجع الطلب والاستهلاك إضافة إلى تراجع قدرة دخل المواطن على الاستهلاك.

من سيودع في المصارف؟
من جانب آخر، فإن رفع الفوائد على الودائع مع ترك الحرية للمصارف بفرض فوائد على القروض سيرفع حتما تكلفة الحصول على السيولة كما يؤكد عامر شهدا، الذي يرى أن الفوائد التي سيدفعها المقترض ستكون عالية وقد تتخطى ال 15 في المئة، فاليوم في ظل عدم وجود استقرار سعري بالنسبة لليرة السورية دائما تندفع المصارف للتحوط من أجل تعويض الخسائر التي قد تنتج عن انخفاض سعر الليرة السورية بالنسبة للدولار، وهذا سيدفعها باتجاه رفع سعر الفائدة إضافة إلى طرح عمولات جديدة أو رفع أسعار العمولات وكل ذلك سينعكس على تكلفة السيولة.


ويتساءل الخبير الاقتصادي حسن حزوري: "في ظل الوضع الراهن، وأمام سياسة تجفيف السيولة التي يعتمدها البنك المركزي، من سيودع أمواله في المصارف؟، إذا كان لا يستطيع سحبها بسهولة عندما يريد، بما فيها الحسابات الجارية والودائع تحت الطلب، يضاف إلى ذلك أن معدل فائدتها الحقيقي سالب، أي أن معدل التضخم وانخفاض القوة الشرائية لليرة السورية خلال مدة الإيداع أعلى بكثير من العائد الذي سيحصل عليه المودع في نهاية مدة الإيداع، وبالتالي نتيجة استثماره هو خسارة فعلية وليس ربحا للمودع".

ارتفاع تكلفة القروض
عدا عن كل التأثيرات التي ذكرناها سابقا فإن ارتفاع أسعار الفائدة سيكون ذا تأثير مباشر على ارتفاع أسعار المنتجات، فهو بحسب حزوري سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة القروض الممنوحة أي ارتفاع تكلفة التمويل، وبالتالي ارتفاع في تكلفة المنتجات والخدمات المقدمة من مختلف الفعاليات الاقتصادية، سواء أكانت صناعية أو زراعية أو خدمية، وبالتالي ارتفاع أسعارها في السوق.

وهذا ماتحدث عنه رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها سامر الدبس في تصريح صحفي حيث أكد أن تعديل سعر الفائدة على الأموال المودعة في المصارف السورية من 7 إلى 11 في المئة لأجل شهر، قد يؤدي إلى ارتفاع كلفة الإقراض بالنسبة للصناعيين، ما سينعكس على ارتفاع أسعار المنتجات الصناعية.

لا إيداعات
لكن حالة البطء والركود التي يعيشها الاقتصاد السوري لا تسمح بتشجيع الادخار، فمن المتوقع أن تتفاقم نسب الركود في الأسواق كما يرى شهدا، لذلك فنحن بحاجة لإنتاج لا لإيداعات.
ويقترح الخبير الاقتصادي عامر شهدا أن يتم تشجيع المواطن السوري على إنشاء أعمال في رأس المال الموجود لديه لا توجيهه لادخاره، فالأعمال ستخلق فرص عمل وبالتالي سيؤدي ذلك لرفع الطلب في الأسواق ودفع عجلة الإنتاج ودفع العجلة الاقتصادية وتحريك السوق، هذا الأمر يعطي نتائج إيجابيه أكثر من رفع الفوائد بغية تشجيع الاستثمار فارتفاع الفوائد سيكون ذو نتائج سلبية بالنسبة للاستثمار.

يتفق حسن حزوري مع ماقاله شهدا من ناحية دعم الإنتاج، ويرى أنه لدوران عجلة الإنتاج علينا تخفيض معدلات الفائدة أو دعم المشاريع الإنتاجية بأسعار فائدة تفضيلية.
ويؤكد أن في حال أراد البنك المركزي أن يجذب السيولة مجددا، ويعيدها إلى صناديق المصارف، فعليه أن يلغي كل القيود المفروضة على حركة السحب والايداع وعلى الحوالات، وعلى حركة النقد بين المحافظات.

ويختم حزوري بقوله: هكذا إجراء سيكون ذا جدوى أكثر من رفع سعر الفائدة، وأعتقد أننا الدولة الوحيدة في العالم التي تقيد حركة تحويل عملة وطنية ضمن حدودها الإدارية، بإجراءات لا اقتصادية.


 سبوتنيك


 

مواضيع ذات صلة :