أصدر صندوق النقد العربي تقريراً حديثاً يتناول تنافسية الاقتصادات العربية، مستعرضاً وضع الدول العربية، ملقياً الضوء على الإجراءات والسياسات التي تنتهجها الحكومات في سبيل تحسين مستويات الإنتاجية والدخل.
وأشار التقرير إلى تحسن أداء ستة بلدان عربية في الفترة الفاصلة بين 2018 - 2021، فيما حافظت خمس أخرى على مركزها التنافسي مقارنة بالفترة السابقة 2017 - 2020.
ولفت التقرير إلى تراجع ترتيب تونس إلى المركز التاسع خلال الفترة 2018 - 2021 من المركز الثامن خلال الفترة 2017 - 2020، بينما حافظت الإمارات على مركزها الأول في مؤشر التنافسية العام للاقتصادات العربية، تليها السعودية وقطر والكويت وعمان، مؤكداً أن الجزائر وليبيا والأردن عززت مكانتها في القائمة.
يشار إلى أن المؤشر العام لتنافسية الاقتصادات العربية الصادر عن صندوق النقد العربي يتكون من مؤشرين رئيسين وهما مؤشر الاقتصاد الكلي ثم مؤشر البيئة وجاذبية الاستثمارات، إذ يعكس المؤشر الأول مدى قدرة الحكومات على تحقيق أسس الاستقرار الاقتصادي التي تدعم الإنتاجية والقدرة التنافسية، بينما يعكس الثاني السياسات المختلفة المعتمدة لتحسين مناخ الأعمال من أجل جذب المستثمرين المحليين والأجانب.
وينقسم مؤشر الاقتصاد الكلي إلى أربع ركائز أساسية تتعلق بالقطاع الحقيقي والقطاع النقدي والمصرفي وقطاع المالية العامة والقطاع الخارجي، بينما يتألف مؤشر بيئة الاستثمار والجاذبية من إحصاءات تتعلق بالحرية الاقتصادية والبنية التحتية والمؤسسات والحكم الرشيد.
قطاع خاص متعثر
في غضون ذلك، ارتفع معدل النمو في غالب الدول العربية مقارنة بعام 2020 وسجلت تونس 2.3 في المئة بينما بلغ المعدل في مصر 3.3 في المئة، وسجل المغرب ثلاثة في المئة.
وحول معدل التضخم بلغ المتوسط 5.5 في المئة في غضون الفترة من 2018 إلى 2021، وجاءت تونس في المرتبة الـ12 عربياً من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الذي سجل 3924 دولاراً للفرد الواحد عام 2021، بينما وصل المعدل في ليبيا إلى ستة آلاف دولار، أما عمان فسجل 16439 دولاراً.
وعن معدل البطالة فقد تجاوز متوسط معدل البطالة نسبة الـ10 في المئة في عشر دول عربية، وهي ليبيا والسودان والأردن وتونس واليمن والعراق والجزائر ولبنان وموريتانيا والمغرب، بينما حلت تونس ضمن البلدان التي تجاوز فيها المعدل 16 في المئة بـ16.8 في المئة في عام 2021، كما سجلت تونس من بين ست دول عربية نسبة فاقت الـ10 في المئة في مؤشر حصة الصناعات التحويلية من الناتج المحلي الإجمالي إلى جانب السعودية والأردن والبحرين ومصر والمغرب.
تقرير الصندوق العربي أشار إلى أن نسبة الإيرادات الضريبية من إجمالي الإيرادات العامة سجلت بتونس أعلى قيمة في هذا المؤشر على مستوى الدول العربية، إذ بلغ متوسط نسبة الإيرادات الضريبية من جملة الإيرادات نحو 88.8 في المئة خلال الفترة 2018 - 2021، واستحوذت ضرائب السلع والخدمات والدخل والأرباح على أعلى حصص في هيكل الإيرادات الضريبية في تونس، بعد أن بلغ نحو 42.3 في المئة و30.9 في المئة من إجمالي الإيرادات الضريبية على التوالي عام 2021 بينما حل المغرب في المركز الثاني.
ولفت التقرير إلى أن متوسط حجم الائتمان الممنوح للقطاع الخاص في البلدان العربية كان منخفضاً، مسجلاً 33.9 مليون دولار في الفترة نفسها المقارنة، بينما سجل المتوسط في مصر 89.4 مليون دولار و79.6 مليون دولار للمغرب.
وحلت تونس في المركز الثالث على مستوى الدول العربية من حيث مؤشر الانفتاح التجاري بـ96 في المئة في الفترة نفسها المقارنة بينما استحوذت الإمارات على المركز الأول.
يذكر أن مؤشر الانفتاح التجاري يقيس درجة اندماج الاقتصاد المحلي في الاقتصاد العالمي من خلال التجارة الخارجية.
وأكد تقرير صندوق النقد العربي ارتفاع نسبة القروض المتعثرة في تونس لتسجل 13.3 في المئة، بينما وصلت النسبة في الجزائر 14.6 في المئة، في الوقت الذي سجلت مصر أربعاً في المئة في التعثر في القروض.
مناخ الأعمال
وقال عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مستقلة) منير حسين، إن "تحسن أداء الاقتصاد التونسي مرهون بتركيز استراتيجية الحوكمة في القطاع العام ومراجعة القوانين المتعلقة بالاستثمار لتحسين مناخ الأعمال وتركيز السياسة النقدية على توفير السيولة وتحفيز التصدير"، مضيفاً في تصريحات لـ"اندبندنت عربية" أن "استرجاع نسق الاستثمار يستوجب حذف الرخص المكبلة للنشاط الاقتصادي والإجراءات الروتينية المجسدة للبيروقراطية المعرقلة للمؤسسات".
وتابع حسين أنه "يجب مراجعة منظومة الامتيازات والحوافز لجذب المستثمرين لضخ استثماراتهم في تونس"، مؤكداً أن "بعضها تشوبه عمليات تبييض الأموال، بعد أن تحولت هذه الامتيازات إلى مسالك للتهرب الضريبي وتبييض الأموال".
وطالب حسين بتنفيذ برنامج إنقاذ عاجل للمؤسسات الصغرى والمتوسطة، إذ تعتبر ركيزة الاقتصاد التونسي، مشيراً إلى أن "هذا القطاع يعاني صعوبات في تدبير التمويل وهو تسبب في ارتفاع في نسبة القروض المتعثرة"، قائلاً إن "حجم الائتمان الممنوح للقطاع الخاص بتونس مقارنة بالبلدان المجاورة يعبر عن تلك الأزمة".
وتابع حسين أن "موازنة عام 2023 أثقلت كاهل المؤسسات الصغرى والمتوسطة بالضرائب المستحدثة"، مؤكداً أن "ذلك أدى إلى أن تأتي تونس على رأس الدول العربية في تدبير الإيرادات الذاتية، الأمر الذي يرجح تقلص الاستثمار الداخلي وعدم القدرة على استقطاب الاستثمارات الخارجية المباشرة في المستقبل القريب والمتوسط". وحول طرق الإصلاح قال حسين إنه "من الضروري وضع برنامج لإنقاذ القطاعات المنجمية والصناعية والفلاحية على حد السواء، عن طريق إعادة هيكلتها ثم إصلاح المؤسسات العمومية بانتهاج أسلوب تشاركي بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين".
في المقابل، يرى المتخصص المالي وسيم بن حسين أن "نسبة النمو المسجلة في السنوات الثلاث الماضية تعكس الخمول الذي أصاب الاقتصاد التونسي الذي نتج عنه مستويات التضخم والبطالة القياسية، بينما تتمثل المخاوف في السعي إلى تحقيق التوازنات المالية بسن موازنة معتمدة كلياً على الضرائب في غياب تام لرؤية واستراتيجية إصلاحية للخروج من عنق الزجاجة".
طرق الإصلاح
وحول استعادة التنافسية أشار بن حسين إلى ضرورة "وضع خريطة طريق لإصلاحات اقتصادية لخلق البيئة التنافسية، ويتطلب تعزيز الحوكمة والشفافية ومكافحة الفساد وتبني سياسات مالية ونقدية منضبطة، تضمن قدرة الدولة على ضمان استمرار توفر رؤوس الأموال"، مشيراً إلى أن "ذلك يفتح أبواباً لتوسيع خريطة الاستثمار"، مؤكداً أن "تنمية قطاع الاستثمار تتكفل بتحسين معدلات النمو، وإعادة ترتيب مؤشر الانفتاح على الاقتصاد العالمي، علاوة على الاندماج في الاقتصادات العالمية"، لافتاً إلى أن "هذا الأمر نتيجة تجمع عدة عوامل في وقت واحد على مدى العقد الأخير، أبرزها مناخ الأعمال السيئ والتعقيدات الإدارية، ليقتصر المنحى الأكثر للاستثمارات في التجارة وقطاع الخدمات الخفيفة، في غياب تام لأرضية مناسبة لجاذبية وبيئة الاستثمار الأجنبي من خلال التركيز على تطوير الأطر التنظيمية والقانونية والسياسات الاقتصادية".
اندبندنت عربية