برزت الحاجة لتعزيز جميع أركان الاقتصاد الفرنسي تقريبًا، بداية من شركات العمالة إلى الشركات الكبرى.
وتعهد الرئيس، “إيمانويل ماكرون”، يوم الاثنين الماضي، بتغيير تلك الديناميكيات من خلال تحسين آفاق البلاد على المدى الطويل، لكن “حركة السترات الصفراء”، التي أشعلت المظاهرات العنيفة في البلاد، مطالبة بالمساواة الاجتماعية؛ قد تُحبط جهوده من أجل إحياء الركود الاقتصادي.
وأدت أربعة أسابيع من الاحتجاجات المتتالية في “باريس” إلى إعاقة النشاط الاقتصادي وتضررت صورة البلاد أمام المستثمرين.
في نفس اليوم، قلص “البنك المركزي” في البلاد توقعاته للنمو في الربع الرابع من العام إلى 0.2 في المئة من أصل 0.4 في المئة، بخلاف وتيرة النمو البطيئة لهذا العام، كما عانت الشركات بخسائر وصلت لأكثر من 10 مليارات يورو، وهو رقم من المحتمل أن ينمو.
صمت “ماكرون” استفز الاحتجاجات..
من وجهة نظرها؛ رأت صحيفة (نيويورك تايمز) الأميركية أن الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، ساعد على تأجيج الكثير من الاضطرابات الحالية، بسبب بقاءه صامتًا لأكثر من أسبوع، بحجة ترتيبات إعداد رد فعل لـ”حركة السترات الصفراء” الغاضبة بشأن “ضريبة السولار”، والتي نمت تباعًا إلى غضب جماعي بسبب تراجع مستويات المعيشة وتآكل القوة الشرائية.
وكان قد استفز “ماكرون”، شعور العمال العاديين، عندما انتشر مقطع فيديو له وهو يخبر عاطل عن العمل في تشرين أول/أكتوبر 2018، أنه بإمكانه إيجاد فرصة عمل ببساطة إذا عبر الطريق وبحث عن عمل.
ودفعت تحركات “ماكرون” منذ توليه منصبه إلى تشجيع شركات “آمازون” و”فيس بوك” والعديد من الشركات متعددة الجنسيات الأخرى الموجودة خارج “فرنسا” إلى الوعد بإيجاد المزيد من فرص العمل. ولكن التغييرات – بما في ذلك برنامج حكومي جديد شاسع يهدف إلى تعزيز مهارات العمال والعاطلين – قد تستغرق سنوات لإظهار النتائج.
تنازلات “ماكرون” تكلف الخزانة مبالغ طائلة..
وأثارت التغييرات التي أدخلت على “قانون العمل”، والتي تشمل الحد من قوة النقابات عن طريق السماح لرؤساء الأعمال والعمال بالتفاوض على العقود مباشرة، غضب العمال، الذين يعتقدون أن الحكومة تريد تجريدهم من الحقوق التي حصلوا عليها بشق الأنفس لصالح الشركات الكبرى.
ومن غير الواضح كيف ستدفع الحكومة مقابل التنازلات المعلنة في خطاب “ماكرون”، يوم الاثنين الماضي. ووجه “ماكرون” محاضرات لقادة بلدان “منطقة اليورو” الأخرى حول الحاجة إلى إبقاء عجز الميزانية إلى أقل من سقف “الاتحاد الأوروبي” البالغ 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو واقع غير عملي بالنسبة لاحتجاجات “فرنسا” الآن.
إن أحد التنازلات التي قدمها السيد “ماكرون”، في مواجهة الاحتجاجات، هو إلغاء الزيادة المخططة في “ضريبة الوقود”، المقررة للعام القادم، والتي ألغت في البداية “حركة السترات الصفراء”، وهو ما سيحرم خزانة “فرنسا” من حوالي أربعة مليارات يورو. وقال الاقتصاديون إن التخلي عن الضرائب الأخرى التي كان سيتم فرضها على أصحاب المعاشات والعاملين ذوي الدخل المنخفض سيكلف الدولة مليارات على الأرجح.
كما يرفض “ماكرون” إنهاء الإعفاءات الضريبية للمواطنين الأثرياء، الذين منحهم إياها عند توليه المنصب. ويقول إن الغرض من هذا الإجراء هو جذب الأموال إلى “فرنسا”، حيث يمكن استثمارها في الشركات الفرنسية. وقد استنزفت هذه الخطوة أكثر من 3 مليار يورو من خزائن “فرنسا” هذا العام، ولا يوجد دليل يُذكر على التحفيز المنتظر للشركات الفرنسية.
فرض ضرائب على الشركات متعددة الجنسيات..
واقترح وزير المالية الفرنسي طريقة واحدة لتعويض النقص الضرائبي من خلال فرض الضرائب على شركات “آمازون” و”آبل” وعمالقة الشركات الرقمية في “فرنسا”.
ورجح “باتريك أرتوس”، كبير الاقتصاديين في “بنك ناتيكسيس”، ومقره “باريس”، إنه حتى لو كانت التخفيضات الضريبية ستزيد من العجز في ميزانية “فرنسا”، فإن “الأسواق ستقبل ذلك” كثمن لإستعادة الاستقرار الاجتماعي.
ومع ذلك؛ فإن تباطؤ النمو الناجم عن شهر من الإنقطاعات؛ سيجعل من الصعب على “ماكرون” معالجة العديد من المشاكل الرئيسة.
على جانب آخر؛ تعهد بتقليص معدل البطالة المرتفع في “فرنسا”، وهو مصدر رئيس للاضطرابات بنسبة 9 في المئة، استمرت لمدة حوالي 10 سنوات، ولكن تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي بنسبة 1.8 في المئة قد تحول دون تنشيط قطاع العمالة في “فرنسا”.
وفقد تجار التجزئة، بما في ذلك محلات السوبر ماركت وبائعي السلع الفاخرة، أكثر من مليار يورو، في حين خسرت الشركات الصغيرة والمتوسطة ما لا يقل عن 10 مليار يورو، وفقًا لاتحادات التجزئة والأعمال الرئيسة في “فرنسا”.
ويواجه قطاع الزراعة أكثر من 13 مليار يورو من الخسائر بعد أربعة أسابيع من الاحتجاجات التي قطعت الطرق، مما تسبب في تأخير تسليم المنتجات الزراعية، ومنع الوصول إلى المتاجر.
المصدر موقع كتابات