"الرأسمالية الجماعية".. كيف تكون الشركات الكبرى محور الإصلاح الاقتصادي والمجتمعي؟
أرقام
لم تعد الرأسمالية تعمل كما ينبغي، خاصة في الغرب، فصحيح أن الوظائف متوفرة إلى حد ما لكن النمو بطيء ومعدل عدم المساواة مرتفع للغاية، إضافة إلى تزايد الأضرار البيئية، ويراهن البعض على تحرك الحكومات سريعًا للتعامل مع هذه الأوجاع، بحسب تقرير لـ"الإيكونوميست".
في الحقيقة، إن السياسات في العديد من البلدان لم تعد مستقرة، فمن إذن يمكنه تقديم العلاج اللازم؟ يعتقد عدد متزايد من الناس أن الإجابة هي دعوة الشركات الكبيرة للمساعدة في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يتفق معه كبار الرؤساء التنفيذيين في الولايات المتحدة.
خلال شهر أغسطس، أبدى 180 منهم، بمن فيهم رئيسا "وول مارت" و"جيه بي مورجان"، اختلافهم مع العقيدة التي هيمنت طوال العقود الثلاثة الماضية، وتعهدوا بأن يكون هدف أنشطتهم التجارية ليس فقط خدمة المساهمين، وإنما أيضًا خدمة العملاء والموظفين والموردين والمجتمعات.
تحولات تاريخية
- دوافع الرؤساء التنفيذيين كانت تكتيكية جزئيًا، إذ يأملون في استباق الهجوم والانتقادات التي ستوجه للشركات الكبيرة من اليساريين في الحزب الديمقراطي الأمريكي، لكن هذا التحول هو أيضًا جزء من ثورة المواقف تجاه الأنشطة التجارية التي تحدث على جانبي المحيط الأطلسي.
- يريد الموظفون الأصغر سنًا العمل لدى شركات تتخذ موقفًا بشأن المسائل الأخلاقية والسياسية اليوم، فيما يريد الساسة من مختلف الانتماءات أن تجلب الشركات المزيد من فرص العمل والاستثمارات إلى الوطن.
- رغم حسن النية، فإن هذا الشكل الجديد من الرأسمالية الجماعية سيؤدي في النهاية إلى أضرار أكبر من المنافع، إنه يخاطر بترسيخ حكم مجموعة من كبار الرؤساء التنفيذيين الذين يفتقرون إلى الأهلية، وهو تهديد طول الأجل للرخاء، الذي يعد شرطًا أساسيًا لنجاح الرأسمالية.
- منذ منُحت الشركات مسؤولية محدودة في بريطانيا وفرنسا خلال القرن التاسع عشر، كان هناك جدل حول ما يمكن للمجتمع توقعه في المقابل، وبحلول الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي بدأت أمريكا وأوروبا تطبيق الرأسمالية الإدارية.
- في إطار هذا المفهوم تعاونت الشركات الكبرى مع الحكومة والنقابات وقدمت عروض الأمن الوظيفي والامتيازات للعمال، لكن بعد ركود القيمة المحققة للمساهمين في سبعينيات القرن الماضي، سعت الشركات إلى زيادة ثروات مالكيها إلى أقصى حد، ونظريًا، رفعت الكفاءة إلى أقصى حد.
- تراجع دور واستفادة النقابات، وتعاظمت القيمة المملوكة من قبل المساهمين في أمريكا ثم أوروبا واليابان، وكان هذا التحول ناجحًا بالنظر إلى الأرباح التي ارتفعت في أمريكا إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ5% عام 1989.
الضغوط تغير عقيدة الشركات
- الإطار الأخير للرأسمالية هو ما يتعرض الآن للهجوم، ويدور جزء من الانتقادات حول التراجع الملحوظ لأخلاقيات الأعمال، بدءًا من المصرفيين الذين يطالبون بالحصول على مكافآت وخطط إنقاذ في الوقت نفسه، إلى بيع المليارات من الحبوب المخدرة إلى المدمنين.
- لكن الشكوى الرئيسية هي أن قيمة المساهمين تتسبب في نتائج اقتصادية سيئة، وتواجه الشركات المدرجة في البورصات قائمة اتهامات، منها الهوس بالأرباح قصيرة الأجل والإهمال في الاستثمار، واستغلال الموظفين، وخفض الأجور، وعدم تحمل تكلفة تأثيرها الخارجي مثل التلوث.
- ليست كل الانتقادات دقيقة، يتماشى الاستثمار في أمريكا مثلًا مع مستوياته التاريخية، وهو حاليًا أعلى مما كان عليه في الستينيات، لكن بعض الانتقادات صحيحة، حيث انخفضت بالفعل حصة العمل في القيمة التي تنشئها الشركات، وغالبًا ما يحصل المستهلكون على عروض رديئة علاوة على تراجع الدور الاجتماعي.
- رد الفعل الشعبي والفكري ضد قيمة المساهمين يغير بالفعل من عملية اتخاذ القرارات في الشركات، وعلى نحو متزايد يبدي الرؤساء التنفيذيون تأييدهم للقضايا الاجتماعية أمام العملاء والموظفين، وتنفق الشركات المزيد من المال على أمور أخرى غير الكفاءة.
- تمول شركة "مايكروسوفت" مشروعا للمساكن الجديدة في سياتل بقيمة 500 مليون دولار، يفتخر الرئيس "دونالد ترامب" بتوجيهه للشركات حول أماكن بناء المصانع، ويأمل غيره من السياسيين في تحقيق ما هو أكثر من ذلك.
- تريد المنافسة الديمقراطية على رئاسة الولايات المتحدة "إليزابيث وارن"، من الشركات أن تكون مستأجرا أو منتفعا فيدراليا، بحيث إذا أساءت معاملة الموظفين أو العملاء أو المجتمع، يتم إلغاء تراخيصها، وكل هذا ينبثق منه نظام تضع فيه الشركات الكبرى أهدافًا اجتماعية واسعة النطاق، وليس مصالحها الشخصية الضيقة.
عقبات أمام الرأسمالية الجماعية
- تبدو أحلام السياسيين لطيفة، لكن في الحقيقة، تعاني الرأسمالية الجماعية مشكلتين هما، الافتقار إلى المساءلة وانعدام الديناميكية، وبالنسبة للأولى، فمن غير الواضح كيف سيعرف الرؤساء التنفيذيون ما يريده المجتمع من شركاتهم.
- الاحتمالات هي أن السياسيين وحملاتهم الانتخابية سيقررون ذلك، وأن الناس العاديين لن يكون لهم صوت، مع العلم أنه خلال العشرين عامًا الماضية، سيطرت الشركات الكبرى على قطاعي الصناعة والتمويل، لذا سينتهي الأمر إلى امتلاك عدد قليل من قادة الأعمال قوة هائلة لتحديد أهداف المجتمع.
- بالنسبة للمشكلة الثانية، تميل الرأسمالية الجماعية إلى التغيير، وفي النظام الديناميكي، يتعين على الشركات التخلي عن بعض أصحاب المصلحة، فمثلًا لا بد من خفض رأس المال والعمالة في الصناعات المتقادمة لإعادة توجيهها إلى الصناعات الجديدة.
- على سبيل المثال، إذا أردنا معالجة التغير المناخي فستواجه شركات النفط خفضًا هائلًا في الوظائف، وغالبًا ينسى المعجبون بالشركات الضخمة في عصر الإدارة خلال الستينيات من القرن الماضي أن شركة مثل "إيه تي آند تي" خدعت المستهلكين، وصنعت "جنرال موتورز" سيارات غير آمنة.
- إن الطريقة التي تجعل الرأسمالية تعمل بشكل أفضل لا تتمثل في الحد من المساءلة والديناميكية ولكن تعزيزهما، وهذا يتطلب تحديد أهداف الشركات من قبل أصحابها وليس من قبل المديرين التنفيذيين أو الحملات الانتخابية والمجتمعية، حيث سيختار المالكون تحقيق أفضل قيمة على المدى الطويل.
- كما يتطلب الأمر من الشركات أن تتكيف مع اختيارات المجتمع المتغيرة، فإذا كان المستهلكون مثلًا يريدون منتجات قهوة تخضع لمبادئ التجارة العادلة، فينغي منحهم ذلك، مع العلم أن من الطرق الجيدة لجعل الشركات أكثر استجابة ومسؤولية هو توسيع نطاق الملكية.