كيف تتلاعب دول العالم في نسبة الفقر لدى مواطنيها؟
أرقام
ثار خلاف مؤخرًا بين حكومة ماليزيا ومفوض الأمم المتحدة لشؤون الفقر، بسبب إعلان الأولى عن إنهاء الفقر بشكل كامل في البلد الآسيوي وانخفاضه من 49% عام 1970 إلى 0.4% عام 2016 لتعتبر الحكومة مؤخرًا أن ماليزيا "بلد بلا فقراء".
ماليزيا مثالًا
واتهمت الأمم المتحدة ماليزيا بـ"التحايل" من خلال الإبقاء على مؤشرات الفقر كما هي من عام 1970، وذلك على الرغم من تزايد متطلبات الحياة بشكل استثنائي خلال تلك الأعوام، وقدرت أن تكون نسبة الفقر في كوالالمبور قرابة 15%، بما أثار تساؤلًا حول كيفية تلاعب بعض الدول بخطوط الفقر.
لعل أهم أداة للتلاعب هو ما توفره الأمم المتحدة من خلال وجود 3 خطوط للفقر، الأول هو مستوى خط الكفاف، وهو عند مستوى 1.9 دولار للفرد، والثاني الفقر المدقع عند مستوى 3.2 دولار يوميًا، والثالث خط الفقر الأعلى، وهو فوق 5 دولارات يوميًا، لتتخذ كل دولة ما يحلو لها من خط كمعيار للفقر في أراضيها.
أما في الحالة الماليزية على سبيل المثال فإن لدى الحكومة خط فقر يبلغ دولارًا يوميًا، وهو خط منخفض بشدة قياسًا لمعايير الأمم المتحدة ووفقًا للمعايير التي تقرها دول أخرى، ولكن الأزمة تتمثل في طريقة الحساب التي تجعل ماليزيا "تبدو" بلا فقراء.
فالحكومة الماليزية تقر خط فقر يعادل 191 دولارًا للأسرة شهريًا ولكن بحساب متوسط عدد الأفراد في الأسرة هناك، يصبح خط الفقر دولارًا واحدًا بالضبط، وهو مستوى فقر يجعل الكثير من دول العالم بلا فقراء وليس ماليزيا فحسب بما يؤشر أنه ليس بمقياس مناسب.
عوامل أخرى
وفي إندونيسيا المجاورة ـ تعتمد الحكومة الإندونيسية معيار دولارين في اليوم كخط الفقر، وبناء على ذلك تعتبر الحكومة أن قرابة 10% من السكان هم من الفقراء، ولكن اعتماد مؤشري 3.2 دولار و5 دولارات من شأنه رفع نسبة الفقر في البلاد إلى 24% و47% على التوالي.
ويكفي الإشارة إلى أن ثروات أغنى 4 رجال في إندونيسيا تفوق ما لدى أفقر 100 مليون مواطن في أرخبيل الجزر الآسيوي، بما يعكس مشكلة فقر وسوء توزيع دخل في آن واحد في البلاد التي تشهد نموًا بمعدلات مقبولة خلال الأعوام الأخيرة (5.1% العام الماضي على سبيل المثال) دون انخفاض حقيقي في معدلات الفقر.
كما تتحايل الدول على فكرة اختلاف خطوط الفقر، مثلما أعلنت الكونجو مؤخرا عن انخفاض معدلات الفقر من 77% إلى 73% خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، دون الإشارة إلى تأثير رفع الحكومة لقيمة العملة المحلية في ذلك بما يعني أن التراجع في نسب الفقر ليس واقعيا.
ولا يقتصر التلاعب على الدول النامية، فعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة يصل خط الفقر إلى 32 دولارا يوميًا (بالنسبة للأعزب تحت سن 65 إذ تمتلك واشنطن عدة حسابات لمعدلات الفقر وفقًا للسن وعدد أفراد الأسرة)، ويبدو خط الفقر هنا أعلى كثيرا من العالمي بالطبع بل ومن الكثير من الدول الغنية.
الولايات المتحدة
وعلى الرغم من ذلك فإن حد الفقر هذا يبدو زهيدًا مع الأخذ بالحسبان أنه في بعض الولايات يصل متوسط الإيجار شهريًا (وحده دونما باقي النفقات) إلى 1500 دولار بما يفوق ما يحصل عليه الفرد فوق خط الفقر شهريا بالكامل، ويؤشر إلى أنه غير قادر على توفير مسكن متوسط فضلًا عن قدرته على توفير متطلبات المعيشة في المستوى المتوسط بشكل عام.
ولحل مشكلة التلاعب تلك اقترح الكثير من المفكرين فكرتين، الأولى هي وضع ما يعرف بالمستوى المُرجح للرواتب، ويقصد به وضع سلة من السلع الغذائية والإيجارات والتكنولوجيا والملابس إلخ.. التي يشكل الحصول عليها بذاتها تخطيًا لحد الفقر، ليتم حساب قيمة خط الفقر في كل دولة وفقا لمجموع أسعار تلك السلع والخدمات (أو أقساطها في حالة السلع المعاملة مثلا).
أما الفكرة الثانية فتدور حول الأجر الموحد العالمي، وينطلق حول وجود حد أدنى من الدخل حول العالم لا يمكن القبول بالهبوط لمستويات أقل منه، وتلك تبدو فكرة خيالية أكثر مما ينبغي بسبب الاختلافات الشاسعة في الأجور والأسعار بين مختلف دول العالم، وإن بقي البعض يطالب بتطبيقها.