ومع بدء التعامل الآلي بسوق الصكوك والسندات (السوق الموازي للأسهم) تدخل السوق السعودية مرحلة تاريخية جديدة ومتقدمة بعد أن كانت أولية تقتصر على المؤسسات المالية وكبار المستثمرين، توفر من خلالها للشركات والمؤسسات السعودية مصادر تمويلية جديدة، وللمدخرين السعوديين والمقيمين والخليجيين أوراقا مالية استثمارية ذات عائد دوري ومخاطر أقل.
ويذكر أن سوق السندات والصكوك السعودية قد جرى تجهيزها منذ نحو 6 أشهر، لكن الأحداث الصعبة التي مرت بها سوق الأسهم خلال الفترة الماضية كانت وراء إرجاء إطلاقها.
وفيما يبدو أجماع من معظم الخبراء والأكاديميين فإن تأسيس سوق للسندات والصكوك في المملكة من شأنه أن يخدم الشركات والمستثمرين على حد سواء، فتأسيس السوق سيعطي مصدري الدين والمستثمرين القدرة على تنويع مصادر إصداراتهم وسنداتهم.،وهذا يعني إعطاء عمق للسوق من جانب وتوفير فرص أمام المستثمرين للاستثمار في أدوات مالية غير الأسهم من جانب آخر، حيث لا تشكل السندات في الوقت الحالي إلا نسبة ضئيلة من هيكلة أسواق المال في المملكة.
وفي هذا الصدد، تشير الدراسات والإحصاءات إلى أن سوق السندات تشهد نمواً ملحوظاً في منطقة دول مجلس التعاون، حيث نمت أسواق الصكوك بنحو 44% من 40% عام 2007، وبلغت قيمة الإصدارات المجمعة 9.9 مليارات دولار تشكل 55.2% من إجمالي قيمة إصدارات السندات مقارنة بـ 8.1 مليار دولار، كما بلغ عدد الإصدارات المجمعة 34 سندا و42 صكا العام الماضي.
كما تشير توقعات "ستاندارد تشارتر" أن تصل قيمة سوق الصكوك إلى 100 مليار دولار العام الجاري بنسبة نمو 35% خلال العامين إلى الأعوام الثلاثة المقبلة.
متطلبات المرحلة الجديدة
وعلى قدر ما تعد هذه الخطوة نقلة نوعية في السوق المالية السعودية، إلا أنها في الوقت نفسه تفرض متطلبات كثيرة على الجهات التشريعية. ومن تلك المتطلبات التي يحتاج إلى النظر فيها: التقييم الائتماني، والشفافية في السوق، والقواعد الشرعية في السندات , وتوسيع قاعدة الإصدار من خلال تشجيع الشركات للاستفادة من هذه المصادر التمويلية، وأخيراً تدريب الكوادر الوطنية وتأهيلها في هذا المجال.
وتبدأ التعاملات اليوم السبت ، بإدراج الصكوك المصدرة حالياً في السوق والتي تبلغ قيمتها الإجمالية 21 مليار ريال، وتتوزع بين صكوك "سابك1" بحجم 3 مليارات ريال، وصكوك "الكهرباء" 5 مليارات ريال، و"سابك 2" وحجمها 8 مليارات، و"سابك 3" بقيمة 5 مليارات ريال.
وتقرر أن تكون السوق بنسبة تذبذب مفتوحة، ووحدة تغير في السعر حددت بـ 0.001 %، فيما حددت شركة السوق المالية "تداول" عمولة شركات الوساطة على عمليات تنفيذ بيع وشراء الصكوك والسندات، بما يعادل واحد من ألف (0.001) من قيمة الصفقة كحد أعلى، وعلى أن يكون الحد الأدنى للعمولة 500 ريال.
ويظهر بحسب طرق تسوية الصفقات التي قررت العمل بها "تداول" أنه يعتمد على الكمية المتداولة (يجب أن تعادل القيمة الاسمية أو أي من مضاعفاتها)، سعر الصك أو السند (نسبة مئوية)، العائد السنوي للفترة الحالية (نسبة مئوية)، عدد الأيام المستحقة، وهو الفرق في عدد الأيام بين تاريخ آخر فترة لتوزيع العوائد وتاريخ تسوية الصفقة.
توقعات النجاح بالإجماع
ووفي هذا الصدد قال رئيس مجموعة دار المال الإسلامي الأمير محمد الفيصل بن عبد العزيز "سوق الصكوك الإسلامية هي البديل الحقيقي لـ "السندات" فهي تسهم في دعم الشركات والمستثمرين أصحاب رؤوس الأموال الباحثين عن فرص آمنة، وستزيد من كفاءة استثمار الأموال.
ودعا الفيصل الذي يملك بنك فيصل الإسلامي في القاهرة والسودان "إلى وجوب ضبطها بمحددات شرعية لدعم وتشجيع المستثمرين على الدخول في هذا النوع من الاستثمار، التي ستضمن توسيع قاعدة الفرص الاستثمارية في السوق المحلية إلى جانب مساهمتها بتوفير التمويل اللازم للشركات".
ومن جانبه صرح محلل الأسواق المالية محمد العنقري للصحيفة إن إنشاء سوق للصكوك والسندات في البلاد، قرار استراتيجي يستهدف توفير أدوات مالية متعددة الأغراض وقليلة المخاطر، حيث سيسهم توافر سوق آلية لتداولها على المدى الطويل في تنظيم التدفقات النقدية داخل الاقتصاد المحلي، كأداة إضافية إلى أدوات السياسة النقدية".
ويؤكد العنقري في جانب أهميتها على الإطار العام على أنها ستكون داعما للمؤسسات الحكومية المعنية برسم سياسات الإنفاق الحكومي، حيث ستسهل من عمليات تمويل أي عجز متوقع أن يظهر في الموازنة الحكومية، عبر إصدار "سندات خزينة" يتم تداولها في السوق الآلية للصكوك والسندات.
وأضاف "ستكون هذه السوق أداة تمويل هامة لمشاريع ضخمة تابعة للشركات المدرجة بالسوق، مثل سابك، معادن، بترورابغ وغيرها خاصة في ظل ضعف الائتمان من جانب البنوك المحلية والخارجية"، مشيرا إلى "أنها أيضا ستخفف العبء عن الصناديق الحكومية في دعم هذه المشاريع، وهو ما يعني أن تتجه لدعم مشاريع استراتيجية لا يفضلها القطاع الخاص".
من جهة أخرى، قال عضو جمعية المحاسبين السعوديين عبد الله البراك "تعتبر تعاملات سوق الصكوك والسندات خاصة بالمؤسسات الاستثمارية وكبار المستثمرين الأفراد، وذلك إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن أرخص سند مطروح هو لشركة سابك وتبلغ قيمته 10 آلاف ريال عند إصداره"، مؤكدا أنها سوق مستقلة تتميز بانخفاض مستوى المخاطرة وانحصار معدلات التذبذب لديه.
وأوضح البراك "سوق السندات ترفع من كفاءة الشركات المدرجة في السوق المحلية، لأنها عندما تصدر سندات لابد أن تقنع المستثمرين بارتفاع مستوى ملاءتها المالية، وهي الخطوة التي لا تأتي إلا من خلال الحصول على تصنيفات محددة من الشركات العالمية المتخصصة".
وأشار إلى أن بعض استثمارات السعوديين في الخارج كانت تتجه إلى سوق السندات نظرا لانخفاض مستوى المخاطرة لديها، لكنه أكد على أن إطلاق سوق السندات سيدفع معظم السيولة للاستثمار محليا خلال الفترة المقبلة، مضيفا أن صغار المتداولين وأصحاب المحافظ الاستثمارية المتوسطة لن يتدافعوا نحو سوق السندات والصكوك، مرجعا ذلك إلى ارتفاع قيمة السند أو الصك الواحد، إضافة إلى أن عملية شراؤها أو بيعها تستغرق يومين كما هو معلن من قبل "تداول".
وقلل البراك من تأثيرات سوق السندات والصكوك الجديدة على تعاملات سوق الأسهم، مشيرا إلى أنه لا يوجد في هذه السوق سوى سندات لكل من شركتي "سابك"، و"الكهرباء"، موضحا أن عمولة البيع أو الشراء فيها أعلى منها في سوق الأسهم نظرا لارتفاع قيمة السند أو الصك. ومن جانبه، يرى رئيس لجنة الأوراق المالية في غرفة جدة محمد النفيعي، أن هذه الخطوة تأتي في إطار توسيع قاعدة الأدوات المالية المتاحة للمستثمرين، التي تركز حالياً على الاستثمارات المباشرة في الأسهم والشركات الخاصة في الخارج، موضحا أنه أصبح بامكان الشركات المؤهلة لإصدار صكوك أو سندات الحصول على فرص تمويل معتدلة، وهو الأمر الذي يخفف الضغط على مصادر التمويل الاعتيادية من قبل المصارف، مما يفتح مجالا أوسعا أمام عمليات تمويل الشركات الصغيرة والمتوسط، إضافة إلى الأفراد.
ومن جانبه توقع رئيس مجموعة بخيت الاستثمارية بشر بخيت، في تصريح لصحيفة "القبس" الكويتية إقبال شريحة كبيرة على شراء وتداول هذه السندات، خاصة الصناديق الحكومية، مشيرا إلى جاذبية سوق السندات خصوصا التي يقوم بإصدارها القطاع الخاص مقارنة بالصكوك التي يصدرها القطاع الحكومي، ورأى محللون أن توقيت سوق السندات جيد مع تحفظ المصارف في عمليات التمويل وسيكون داعما لأسهم الشركات المصدرة للسندات.
وفي السياق ذاته، أوضح فيصل صيرفي رئيس مجلس إدارة شركة الصيرفي أن السوق الثانوي سوق لأدوات الدّين المختلفة حيث ستحفز زيادة أدوات الدّين لهذه الشركات عوضا عن البنوك وهذا ما سيكبّر حجم التعامل في البورصة بكافة أنواعها من سندات وصكوك على حد سواء ، وأضاف الصيرفي: أن التوقيت الآن يعتبر مثاليا ومناسبا في ظل الظروف الآنية بالنسبة للاقتصادات الناشئة ويقوم بهذه الخطوة.
وأعتبر الصيرفي: أن ابرز المعوقات التي تواجه الراغبين في إصدار صكوك هو غياب الوعي بكيفية التعامل بها سواء من ألأفراد أو الشركات خاصة أن متطلبات السوق الرئيسي لكي يتم إدراجها ووسيلة جيدة يتم من خلالها تلبية متطلبات الإدراج حيث ستعمل لتكون وسيلة جيدة للتمويل في هذا الوقت بالذات، هذا حسبما ذكرت جريدة المدينة .
وأشار في حديثه لصحيفة "الجزيرة" إلى ان فتح سوق للسندات والصكوك سيساهم في عملية الإقراض للشركات الصغيرة والكبيرة على حد هؤلاء كما ستعود بالنفع على البنوك بعد أن كانت هذه الشركات تعاني وتواجه صعوبة في الحصول على تمويل بعد الأزمة المالية وبالتحديد في الستة أشهر السابقة ، موضحا أن التوقيت مهم في ظل الأزمة المالية العالمية حيث سينعكس هذا الأمر على الشركات وتوسعها الأمر الذي سينعكس على خلق فرص عمل جديدة، موضحا أن إعفاء المتعثرين عن سداد الرسوم عزز من ثقة المنتسبين في الغرفة.
تحذيرات لابد منها
وعلى الجانب الأخر حذر مطشر المرشد، مصرفي سعودي، من أن بيع وشراء الديون كان أحد الأسباب الرئيسية لحدوث الأزمة المالية العالمية ولهذا يجب أن ننطلق من حيث انتهى الآخرون لكي لا تتكرر الأخطاء.
وقال المرشد في صحيفة "الاقتصادية" بالطبع أتمنى أن نكتفي في السوق السعودي بطرح أنواع معينة من الصكوك والسندات، والتي تكون مرتبطة بعين أو أصول محددة ويتم انتقال ملكية الأصول أو المنافع والخدمات إلى وعاء خاص (SPV)، ومن ثم يقوم هذا الوعاء بطرح الصكوك على المستثمرين، وباستثناء سندات الرهن العقاري التي تكون مرتبطة بأصول عقارية عادة ما تكون السندات عبارة عن قرض في ذمة الجهة التي أصدرتها.
وعن رأي الكثير من الخبراء والمحللين الذين يرون أن الصكوك والسندات تعتبر أدوات استثمارية خالية من المخاطر، يرى المرشد أن هذا غير صحيح فقد تتعرض المشاريع أو الشركات التي أصدرت تلك الصكوك أو السندات للإفلاس وبهذا يخسر المستثمرون رؤوس أموالهم أو جزء كبير منها.
ويؤكد المرشد أنه لتأسيس سوق رأس مال صلب وجعله مركزا عالميا لمنتجات إسلامية حقيقية وخاليا من المنتجات المهجنة التي تبتكرها بعض الجهات وتغلفها بغلاف إسلامي، لابد من تحقيق الخطوات الأولية التالية:
1- تكوين لجنة شرعية مركزية تحت مظلة إحدى الجهات الرقابية لتوحيد مصادر الفتوى
2- السماح والترخيص لإنشاء أوعية أو شركات الأغراض الخاصة
SPV .3- حث الجهات الحكومية من وزارات وخلافه على اتباع منهج جديد لطرق تمويل المشاريع الوطنية.
4- أن يقتصر طرح السندات في السوق السعودي على طرح سندات الرهن العقاري لكونها مرتبطة بأصول وأن يتم التقيد بعدم تبادل ملكية السندات العقارية بمعزل عن العين أو الأصول التي ترتبط بها تلك السندات.
المصدر: محيط