آراء وأقلام نُشر

بمناسبة يوم المرأة: مذكرات ربة بيت عربية..

نزلت أم احمد ربة البيت، التي تزوجت وهي في ريعان شبابها، وقضت عمرها بين خدمة زوجها والعناية بأطفالها حتى أكل عليها الدهر وشرب، وصارت وهي في الأربعين وكأنها امرأة عجوز في الستين، من درج بيتها وهي ترفع خطاها بثقل وتفكر:

- آه يا أم احمد السنين تمر والعيال كبروا وكل يوم تزيد همومهم ومطالبهم وفوقها أبوهم اللي طلباته مالهاش نهاية، من دراسة الأولاد وكوي ثيابهم وعزوماته لأصحابه.

وقالت لنفسها قبل أن تصل إلى آخر درجة:

- الله بيعين نبتدي بقى بالإفطار للأولاد واهبوهم.

دخلت الصالة فلم تجد أحدا. ذهبت إلى المطبخ فذهلت ووقفت مشدوهة. رأت الطاولة ممدودة وعليها أطايب الطعام وكل شي نظيف ومرتب والعيال وأبوهم جالسين حول الطاولة ينتظرونها. سألت بقلق:

- خير؟ فيه حاجة؟ حد مات؟

فأجابتها ابنتها الكبرى:

- لا يا ماما، هو يعني لازم حد يموت علشان نحضر لك الفطار؟ انتي بتتعبي طول النهار وسنين طويلة صارلك على الحال ده وحرام مايصحش احنا قررنا كل يوم واحد من عندنا يعمل وجبة الإفطار وانتي ترتاحي يا ست الكل.

دار رأس أم احمد كالسكرانة ولم تصدق ما تسمع، واستندت على كرسي جنبها. وقبل أن تقعد أخذ زوجها يدها بيده وأجلسها على الكرسي وصب لها فنجان شاي. انتفضت أم احمد وقالت:

- يا خرابي، يا أبو احمد أنت تصب لي الشاي بنفسك؟

أجابها زوجها:

- وايه المشكلة؟ انتي خدمتينا بعمرك (20)سنة هو كثير عليكي فنجان شاي؟ ده احنا لازم نفرش لك الأرض رملة يا ست الكل ونخدمك بعينينا. ومن هنا ورايح مافيش عزومات في البيت من غير ماقولك قبلها واساعدك أنا والعيال علشان ما تتعبيش يا حبيبتي.

احمر وجهها خجلا وشكرت زوجها وهي لا تصدق ما سمعته أذناها من كلمات.

انصرف الجميع إلى مدارسهم وبقيت سعاد مع ابنها الصغير واخته الذي قال لها:

- عاوز اتفرج على التلفزيون يا ماما.

ذهبت أم احمد معه كي تختار له قناة مناسبة لا تكون إباحية ولاهشك بشك ولاعنف، لأن الساتلايت وقنواته أصبحت كلها برامج لا تليق بالأسرة العربية. أدارت التلفزيون فإذا بقناة تعليمية تعلم اللغة الانكليزية!!! أدارت على قناة أخرى فإذا بها تعرض برنامجا ثقافيا عن اللغة العربية وتراثها لم تصدق!! حولت على قناة أخرى عربية فإذا بها تعرض برنامجا عن الموسيقى الكلاسيكية، قناة أخرى تعرض برنامجا عن البلدان والسياحة، قناة أخرى تعرض برنامجا عن الاعتدال الديني ونبذ التطرف والوحدة الدينية والوطنية بين أبناء الشعوب العربية، وأخيرا وصلت الى قناة عليها جملة "تعلم إدارة القمر الصناعي مشاهديها الكرام بأنها قامت بحذف جميع القنوات الهابطة والطرب والسحر، والله الغني عن نقود مثل هذه القنوات وستكتفي إدارة القمر ببث القنوات الجادة والهادفة فقط".

لم تسع الفرحة أم احمد لخلاصها من هم مراقبة القنوات التلفزيونية وتركت ابنها مع أخته الكبيرة وانصرفت لكي تقوم بمشترياتها اليومية ذهبت إلى السوق فدخلت دكان الجزار، سلمت عليه، وقالت:

- صباح الخير يا معلم.. اللحمة كويسة النهار ده إن شاء الله؟

- 100 فل وعشرة احط لك كام كيلو يا هانم؟

- والله يا معلم احنا في نص الشهر والميزانية على قدها اديني كيلو واحد لوسمحت.

ضحك الجزار وقال:

- كيلو ده ايه يا هانم؟ ماعرفتيش إن الحكومة خصصت لكل عيلة (10) كيلو لحمة بالشهر مجانا؟

لم تصدق أم احمد أذنيها وقالت مستنكرة:

- يا عم انت حتتمسخر على الصبح؟

أجابها الجزار:

- لا والله بجد الحكومة قررت أن النظام الغذائي للشعب مهم جدا، ولازم كل واحد يحصل على كمية مناسبة من البروتين وخصوصا الأطفال، والا انتي عاوزاهم لا سمح الله يطلعوا بليدين ومخهم ثخين؟لا يا هانم العيال دول أهم ثروة في البلد ولازم نعتني بيها كويس علشان يطلعوا حاجة نفتخر بيها إن شاء الله.

أخذت أم احمد اللحمة الثقيلة، وهي في حالة من الذهول التام، وقررت أن تأخذ تاكسي. و ما أن أشارت بيدها حتى وقفت سيارتا تاكسي، واخذ السائقان يتنازعان على من يجب أن يقلها وكل يدعى انه رآها أولا.

خففت أم احمد من حماسهما وقالت:

- يا جماعة أنا مشواري مش بعيد.. يعني اجرته مش الحاجة اللي تستاهل الخناق عليها.. وبعدين عيب اتنين رجالة يتخانقوا بالشكل ده في الشارع هية من قلة الزباين يعني؟ مالناس بتتشحتف على ما تلاقي تاكسي؟

أجابها احد السائقين:

- يا اختي لو الموضوع فلوس ما كانش فيه مشكلة، واحنا سواقين التاكسيات أساسا مش ماديين، والفلوس عندنا مش حاجة مهمة للدرجة دي اننا نتخانق!!!!!!

استغربت أم احمد وقالت:

- أمال إيه الحكاية؟

أجابها سائق التاكسي وهو يتلفت حواليه وكأنه خائف أن يسمعه احد:

- الحكاية إن الشرطة محددين ان لازم عربيات الأجرة تطلع الستات والاطفال والمسنين، وإلا لو مسكوا تاكسي رفض يطلع واحدة ست يخربوا بيته ويسحبوا رخصته وتبقى شغلانه يعني!!!

ركبت سعاد التاكسي ووصلت البيت ودفعت الأجرة للسائق الذي أصر على أن تدفع بالعداد و يعطيها ايصالا بالمبلغ!!!

عند البيت رأت سيارة جديدة وزوجها وأطفالها يدورون حولها فرحين سألت زوجها بلهفة:

- خير إيه دي؟ عربية مين دي؟ فاجاب زوجها:

- والله اليوم ادوني عربية جديدة في الشغل وقالو لى انها مقسطة على (10) سنين بدون فوايد لأني صاحب عيلة ولازم يكون فيه سيارة بالبيت ده بقى قانون إلزامي!!!!.

دخلت ام احمد البيت وراسها يئن وجعا من كثر المفاجآت السارة وغير المالوفة في حياتها. وما أن وضعت الأغراض على الأرض حتى رن جرس الهاتف، ردت فجاءها صوت نسائي يقول:

- حضرتك مدام ام احمد؟

فأجابت:

- ايوه يا افندم أي خدمة؟

فاستمر الصوت قائلا:

- أنا مدام ميرفت مديرة صالون التجميل الخمس نجوم

-اهلا يا مدام ميرفت خير فيه أي حاجة؟

- احنا حاجزين لحضرتك يوم الخميس علشان تشرفينا نعمل لك مانيكيور وبيديكيور ومساج وكل حاجة تطلبيها.

- بس انا ماطلبتش حاجة ولا حجزت. وبعدين ولا مؤاخذه الصالون عندكم اسعاره مش من فئة دمنا احنا ناس على قد حالنا.

- لا لا حضرتك فاهمة غلط انتي مش حتدفعي حاجة ابدا

- وامال مين اللي حيدفع؟ جوزي؟

- ده كله على حساب الحكومة علشان فيه خطة لمساعدة ربات البيوت على الاحتفاظ بجمالهم وما تبقاش عيون رجالتهم تزوغ لبرة والا انتي عاوزة بعد سنين العشرة ده كلها جوزك يبص على وحدة تانية؟؟!!!

دارت الدنيا بسعاد وكاد أن يغمى عليها من الفرحة، وهي تردد: عربية تقسيط! لحمة ببلاش! قنوات ثقافية! تجميل! أنا مش مصدقة.. أنا فرحانة.. ربنا يعمر بيت الحكومة.. ربنا يخلي الحكومة وينصرها على عدوينها يا رب.. اهو كده العيشة والا بلاش!! احنا بلد خير ونعمة، وكنا عايشين عيشة تقصر العمر، والحمد لله أهو كل حاجة بقت عال العال والواحدة تفرح انها ربة بيت في البلد العامرة دي.

ذهبت سعاد إلى الصالون وقصت شعرها وعملت أظافرها، وأخيرا ذهبت إلى صالة المساج والمدلكة تعمل لها أنواع المساج حتى احست بالاسترخاء التام، وغلب عليها النعاس ونامت على طاولة المساج مسترخية سعيدة، ولم تصح من النوم إلا على يد تهزها وتقول اصحي يا مدام السواق مستني حضرتك......... وفجأة تغير الصوت وأصبح رجوليا ويشبه صوت زوجها واكمل:

- مساج ايه؟ وهباب ايه؟ ياولية يا قرشانة!!! قومي فزي حضري الفطار للعيال إيه الكسل والقرف ده! ويكون في علمك أنا صحابي في الشغل جايين يتغدوا معايا، اوعي تكسفيني وتطبخي حاجة مش ولا بد، أصل أنا عارفك ولية غبية ومش نافعة في أي حاجة.

ولا عزاء للسيدات في عالمنا العربي وأجرهم على الله..!!

*كاتب عراقي يعيش في البحرين، تخصص في الأدب القصصي الساخر

 

 


 

مواضيع ذات صلة :