يعتبر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن الحوكمة هي ممارسة السلطات الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شؤون البلد على جميع المستويات، وتشمل آليات وإجراءات ومؤسسات يعبر من خلالها المواطنون عن مصالحهم ويمارسون حقوقهم القانونية، كما أنهم يقومون بالوفاء بالتزاماتهم وتسوية خلافاتهم بالقرارات المتعلقة والمؤثرة في النشاط الاقتصادي للبلد وعلاقتها بالاقتصادات الأخرى، ولها أبعاد قصوى على العدالة والفقر ونوعية الحياة. أما الحوكمة السياسية فهي عملية اتخاذ القرار لصياغة السياسات، بينما الحوكمة الإدارية فهي إرساء نظام تنفيذ تلك السياسات.
ويشير المصدر سالف الذكر إلى أن الحوكمة الجيدة ترتكز على مبادئ، تتلخص سماتها بما يلي:
– المشاركة: الحق للجميع بالتعبير عن آرائهم وسماع أصواتهم في القضايا التي تهم المجتمع.
– حكم القانون: تطبيقه دون تحيز، وخصوصاً حقوق الإنسان.
– الشفافية: إتاحة المعلومات لمن يهمهم الأمر دون إبطاء وبشكل واضح.
– الاستجابة: قيام المؤسسات والفعاليات بخدمة جميع الأطراف المعنية.
– توافق الآراء: الحوكمة الجيدة تقتضي توافق الآراء حول مصالح المجموعات، وكل ما يمكن فيما يتعلق بالسياسات والإجراءات.
– العدالة: إعطاء الرجال والنساء الفرص للحفاظ على رفاهيتهم أو تحسينها.
– الفعالية والكفاءة: قيام المؤسسات والفعاليات بالحصول على نتائج تتماشى مع الاستخدام الأفضل للموارد.
– المساءَلة: يخضع متخذو القرار في الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني إلى المحاسبة من قبل الشعب والمؤسسات أصحاب المصلحة.
– رؤية إستراتيجية: لا بد أن تكون لدى القيادة والشعب رؤية ثاقبة وطويلة الأمد حول الحوكمة الجيدة والتنمية الإنسانية، فضلاً عن إدراك التعقيدات التاريخية والثقافية والاجتماعية التي تستند إليها تلك الرؤية.
هذه هي مبادئ وسمات الحوكمة الجيدة بمكوناتها الاقتصادية والسياسية والإدارية. ولعل أهم مبادئ وسمات الحوكمة الاقتصادية تلك المتعلقة بكفاءة استغلال الموارد الطبيعية وتحقيق النمو والاستقرار الاقتصادي وتوظيف الموارد البشرية بمؤهلاتها المختلفة، فضلاً عن القضاء على الفساد والعمل بحكم القانون وتنفيذ أحكامه.
إعداد الإستراتيجية
يقتضي تحقيق أهداف الحوكمة الاقتصادية إعداد استراتيجية تتضمن ما يلي:
■ الفترة الزمنية للاستراتيجية وتحقيق الأهداف المتوخاة
■ البرامج والمشاريع المعتمدة للتنفيذ في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية
■ وسائل لتنفيذ تلك المشاريع وكيفية اختيار المستشارين والمقاولين للقيام بمهامهم
■ مصادر تمويل البرامج والمشاريع المعتمدة، بما في ذلك المصادر المحلية والخارجية
■ دور القطاع الخاص وإسهامه في تمويل البرامج والمشاريع وتنفيذها
■ وضع آليات للإشراف والمراقبة على التنفيذ واتخاذ الإجراءات المناسبة لإنجازه بحسب الخطط والمواعيد المحددة
أهم الأهداف
ومن أهم أهداف الحوكمة الاقتصادية ما يلي:
01- القضاء على الفقر وتحقيق تنمية مستدامة من خلال الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة وبناء القدرات الذاتية.
02- تعزيز السياسات وآليات تقديم الخدمات الاجتماعية الأساسية كالتعليم والصحة وتوفير الماء والكهرباء للسكان كافة، وخصوصاً في القرى والأرياف.
03- إتاحة فرصة المشاركة في القرارات لجميع الأطراف المعنية وعلى كل المستويات.
04- إزالة التشوهات التي تعتري الأسواق والأسعار والضرائب ودعم السلع والخدمات.
05- العمل على ضبط الخلل في الموازنة العامة والميزان التجاري وميزان المدفوعات ومستوى الاحتياطي من العملات الأجنبية.
06- تعزيز مناخ الاستثمار وخلق فرص عمل جديدة للقوى العاملة.
ولكي تحقق الحوكمة الاقتصادية أهدافها لا بد من أن تتوافر لها المقومات اللازمة، ومن بينها ما يلي:
■ حكومة رشيدة تتمتع بالكفاءة الإدارية ولديها إلمام بالترابط ما بين الحوكمة الاقتصادية والحوكمة السياسية.
■ سياسات اقتصادية وتشريعات وإجراءات واضحة يتم تطبيقها بموجب أحكام القانون.
■ مؤسسات وأجهزة اقتصادية وفنية قادرة على تقديم النصح والمشورة للحكومة ومؤسساتها العامة بموجب دراسات ميدانية واقعية.
وفي ظل التغيرات المناخية التي اشتدت وتيرتها خلال العقد الأخير، وتداعياتها المتمثلة في تنامي العواصف والفيضانات والحرائق وارتفاع درجة الحرارة، فقد أصبحت الحاجة ملحة جداً إلى تعزيز الحوكمة البيئية، إذ من دونها لن تفلح الحوكمة السياسية والحوكمة الاقتصادية والحوكمة الإدارية وحدها في خلق الأجواء المناسبة لتحقيق استدامة النمو والازدهار والعيش الكريم للبشرية على كوكب الأرض.
*د. عبد الكريم صادق
مستشار اقتصادي في الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، والمدير التنفيذي لدولة الكويت لدى الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، ومستشار لمدير تنفيذي في البنك الدولي سابقاً. عضو مجلس أمناء المنتدى العربي للبيئة والتنمية.
القبس