آراء وأقلام نُشر

في الذكرى السنوية الأولى لرحيله.. كيف استطاع الأستاذ علوان الشيباني أن يجمع اليمن على كلمة واحدة؟

أحمد عبد الملك سعيد الشيباني

بعيداً عن هول الصدمة والفاجعة التي سببتها وفاة العم علوان سعيد الشيباني رحمة الله عليه في الثامن من حزيران / يونيو 2022 بلندن،  وبعيداً عن كلمات الإنشاء الوجداني والعاطفي التي تحكم  الكتابة في مثل هكذا مناسبة- ذكرى العام الأول لرحيله -  سأحاول ، وبقدر الاستطاعة ، الاقتراب معكم لتتعرفوا على  شخصية الرجل المجبولة على صفات كثيرة وكبيرة قلما نجدها في غيره من الشخصيات المعروفة  في تاريخ اليمن المعاصر منطلقاً ، بدرجة رئيسية، من اعتقادي الراسخ  بمعرفتي الأكيدة والقريبة منه.

في الذكرى السنوية الأولى لرحيله.. كيف استطاع  الأستاذ علوان الشيباني أن يجمع اليمن على كلمة واحدة؟

لكن البداية تتوجب الإشارة إلى أنه و بالرغم من معرفتي  بصفاته وقوة حضوره في الحياة العامة، إلاَّ أنني لم أكن أتوقع ، مثل غيري من المقربين منه ، أن قدرة تأثيره امتدت إلي حد اتفاق الجميع على مستوى الوطن الحبيب – فرقاء سياسة وأحزاب وتكتلات مدنية  وقوى مجتمعية بكافة أطيافها وطبقاتها  من مثقفين وكتاب وأدباء ورجال أعمال ودبلوماسيين  وأناس بسطاء غير معروفين - على كلمة واحدة بحق هذا الرجل رغم ظروف الفرقة والانقسام التي يعيشها المجتمع ؛ اتفقوا جميعهم ورسموا  دمعة كبيرة في وداع  (ابن اليمن  النبيل )  بكل تنوعها الجغرافي وتعددها الثقافي   فأستحق بذلك  وبكل جدارة أن يكون رمزاً وطنياً للشخصية السوية المُحبَّة للجميع والقريبة من الجميع أيضاً،.

إجماع  لم نره أو نلمسه خلال الفترة الماضية إلا مرتين  الأولى عند تحقيق المنتخب اليمني للناشئين بطولة غرب آسيا  فجمع اليمن على كلمة واحدة  بوصفه  رمزاً لكل اليمن واليمنيين ، والثانية حين توفى الإنسان الكبير والكثير علوان سعيد الشيباني ، الأمر الذي جعل الجميع، في الحالة الثانية، يتساءلون عن السر الخفي والقوة الكامنة في تكوين هذا الرجل، التي مكنَّته من تحقيق هذا الحضور الاستثنائي في حياة الناس بكل تمايزاتهم  وتنوعهم ؟!

وللإجابة على هذا التساؤل سأحاول الاجتهاد لتقريب القارئ  من الصورة التي صنعت هذا الاسم  الكبير، مستنداً على قربي منه لمدة تقارب 28 عاما أي منذ التحاقي الوظيفي بمجموعة العالمية في العام 1995م

سوف أبدأ بقوله تعالى في آدام عليه السلام  ،حين خاطب الملائكة " (( وَنَفَخت فيه من رّوحي)متى ما استطاع الانسان من الارتقاء في اخلاقه وتعامله نال من نفحات هذه الروح  الى أن يصل الى درجة الاستخلاف في الارض  فيكون مصدر الهام و طاقه ايجابيه يلتمسها أي انسان سايره او جالسه  او حتى  التقى به مره واحده .. وعلى الرغم من أنه يجول كثيراً بخاطري تساؤل خارج من لدن التساؤل الأول وهو :هل نسبة الروح التي صاغها في تكوين العم علوان أكبر وأعظم مما نفخها في غيره من البشر الذين أعرفهم على الأقل؟ أما الإجابة القاطعة المانعة لا يعلمها إلا أرحم الراحمين .

لكن ما استطعت  الاجتهاد من أجله للوصول لفك هذه الشفيرة سوف أعرضها من خلال محاور رئيسية للوصول إلى الكيفية التي جعلت الفقيد يوظف هذا العقل في مساراته السوية وعلى نحو:

(1)  تساع مستوى الرؤيا في تقيمه لكافة القضايا  والتي ينظر إليها:

فهو رحمة الله عليه لم يكن ينظر إلى القضايا - بكل تدرجاتها بين القوة والضعف- من مستوى السطح والأفق المحدود ، بل كان كمن يصعد مرتفعاً عظيماً ،لينظر إليها من علوٍ يمكنه من إبصارها من كل الزوايا وبكل وضوح وبدون تشويش أو إعتام. ولنا في ذلك امثله كثيره مثل :

- كيف صنع السياحة في اليمن ابتداء من التسويق لليمن وحضاراتها والآثار التي تحتويها على مستوى الدول الاوربية  فتعاقد مع اكثر من ثلاثمائة شركه أوربية  لإرسال السياح الى اليمن، وحين وجد البنيه التحتية للسياحة في اليمن ضعيفة قام بالتعاقد مع شركات الطيران الأوربية مثل برتش اير ويرز  (البريطانية) وامريكان ايرويز  والتركية والاردنية وغيرها من الشركات بغرض نقل السياح الى اليمن،  ثم قام  بإنشاء شركة تأجير السيارات كممثل لشركة هيرتز العالمية في اليمن  وتمكن من خلالها من نقل السياح بين المحافظات اليمنية الزاخرة بالمعالم السياحية والآثارية ،  كما قام ببناء وادارة فنادق سياحيه في كل من  صنعاء ومأرب والمحويت وشبام حضرموت والمكلا  وتعز  لتمكينهم من السكن في فنادق لائقة ترتقي بسمعة اليمن اسوة بالدول الحضارية الاخرى.، ثم متابعة تأسيس مجلس الترويج السياحي في اليمن  وشغل منصب نائب رئيس هذا المجلس باعتبار ان رئيس المجلس هو وزير السياحة ولكن كان هو المحرك الأساسي لهذا المجلس و بذلك  استطاع تشكيل البنيه التحتية للسياحة في اليمن و رافد اقتصاد اليمن بدخول العملة الأجنبية في دورة الاقتصاد الوطني

- معالجة بعض قضايا المهمشين ، فعلى مستوى بني شيبه وحين رأى أن أبناء هذه الفئة لا يتعلمون وصاروا عاله على المجتمع  قام ومن خلال  مؤسسة الخير  التابعة له  بعمل برنامج تعليمي لهم يبدأ من المرحلة الأساسية ، فكان يمنح كل طالب منهم مبلغاً شهرياَ  يعينه على الدراسة،  ومن ثم اذا انتقل الى المرحلة الثانوية يضاعف المبلع  وحين ينتقل الى الجامعة  يتكفل بكل تكاليف دراسته من رسوم ومصاريف ومواصلات وغيرها،  وبعد تخرجه يوفر له وظيفه في المجموعة،  وقد اصدر تعميما واضحاً  للمديرين في العالمية باستيعابهم وتوفير وظائف رسميه لهم والنتيجة كانت مبهره  فقد نتج عن هذا البرنامج تأهيل  اربع طبيبات من المهمشين وعشرات الخريجين من الجامعات  وتوظفوا وصاروا  يشكلوا رقما في المجتمع ، وهو بذلك قد زرع بذا وحصد زرعا  لان هؤلاء الخريجين صاروا مثلا ايجابيا  لغيرهم من المهمشين الصغار الذين اقتدوا بهم وصاروا  يطمحون لأن يصيروا مثلهم.. حتى بدأ الكثير منهم غير مهمشين بل صاروا لهم دور مجتمعي بارز.

- دور اليمنيين في المهجر  وما قدموه في بناء الدول التي هاجروا أليها .

فمجرد أن فطن الى الدور الكبير الذي ساهم فيه اليمنيون على مستوى العالم  في بناء في الدول التي هاجروا إليها على كافة الأصعدة  ( التجارية - الثقافية- الدينية- والسياسية) وغيرها من المجالات ، وإن هذا الدور صار مغيباً ، قام  بتكليف مؤسسة الخير  بتشكيل فريق  متكامل  من المتخصصين لدراسة الأثر المتبادل لهذه الهجرة ودور اليمنيين الحضاري في ذلك،  وشارك فيها قرابة اربعين أكاديميا ومثقفا ومهتماً من الجامعات ومراكز  الابحاث اليمنية والمؤسسات ذات العلاقة في داخل اليمن وخارجها، وصارت هذ الدراسة متاحة اليوم بتسعة أجزاء بعد أكثر من عامين من العمل الدؤوب، كدراسة رائدة

وهذه مجرد ثلاثة أمثله  تشير الى قدرة فقيدنا الغالي في انتاج الرؤى  الاستراتيجية الواسعة

(2) التفكير الإيجابي تجاه كافة الأمور والقضايا.

كل من عرف العم علوان وعمل  معه ومن لم يعمل معه ،لابد أن تستوقفه تلك الطاقة الإيجابية التي كان يضخها في محيطه القريب والبعيد، الطاقة التي تمتص كل  الانبعاثات السلبية ،  وتتجاوز الارتدادات التي تخلقها القضايا والمشاكل المستعصية في بيئة العمل وخارجها.

(3) الشعور بالمسؤولية تجاه الجميع .

 كان رحمة الله عليه يرى أن واجبه الأخلاقي يحتم عليه وفي كل موقف وضع المعالجات اللازمة التي تعرض عليه، أو يسمع بها  ، وكأن هذه المسؤولية تقع على عاتقه وحده، في الوقت الذي تتخلى فيه المؤسسات الرسمية  عن أداء واجبها حيال هذه القضايا، ويعرف الكثيرون أنه بمجرد سماعه بضائقة أحد، ليس من أصدقائه وأقربائه ومعارفه بالضرورة، لا يتوانى في تقديم المساعدة المقدور عليها بدون منٍّ أو أذى,

(4) المقدرة الفائقة على ترتيب الأولويات بحسب درجة أهميتها .

وترتيب الأولويات  التي أقصدها  جملة المنافع الاجتماعية والاقتصادية  التي  تحققها أي خطوة يخطوها في اتخاذ القرار

بمعنى أن أي مشروع تجاري جديد يوافق عليه يبدأ أولاً دراسة جدواه الاقتصادية وعوائده الاجتماعية المتمثلة في كم العمالة التي سيستوعبها، وعائده الاقتصادي من الأرباح، وكمية المنافع الخيرية من العوائد ، والأهم منافعه الوطنية الشاملة,  وبذلك تكون مخرجات المشروع تغطية لكافة الأهداف (الاجتماعية – التجارية – الخيرية – الوطنية)  وكان يقول لنا احبكم عندي من يؤسس مشروعا  يتضمن اكبر عددا من الوظائف ويعيل اكبر عددا من الاسر.

(5) قدرة مميزة على إدارة الوقت.

حتى أواخر أيام حياته بقي الاستاذ علوان يدير مجموعة العالمية بشركاتها التي تزيد عن عشرين شركة، ويدير مؤسسة الخير للتنمية الاجتماعية  ومؤسسة اليمن للتدريب من أجل التوظيف بذات الألية التي يدير بها وقته، فالوقت عنده ثمين جداً، ولا يبدده إلاًّ في العمل، وكان يقول أن العمل هو الذي يمده بالصحة دوماً، فإن توقف عن العمل يحس بوهن وعجز، لهذا كان يستطبب بالعمل، ويتفنن في إدارته، منذ يصحوا حتى ينام حتى لا يمرض أو ينكسر.

وكان يقول  إن عمل الخير  احب عندي من أعمالكم التجارية (التي تتبعه في الاصل ) ثم يردف قائلا لولا أن الأعمال التجارية هي من تساعدني على تنفيذ المشاريع الخيرية لكنت تفرغت للأعمال الخيرية فقط.

(7)  الوسطية والاعتدال في  كل شيء. فقد كان وسطياً، وأتخذ من الوسطية الخلاقة لا الرمادية المائعة، منهاجاً في حياته الغنية والثرية، فلم يشدد ولم يتعصب ولم يمال أي من أطراف الأزمات والانقسام والاحتراب وحتى الخصوم والمنافسين، فقد كان كل همه الوطن ومصلحة المواطنين  وكان يبث هذا النهج الى كافة  الاطياف السياسية لهذا صار أشبه بشوكة ميزان،

(8) القدرة الكبيرة على استخدام الذكاء العاطفي في إدارة كافة شؤون حياته.

كل من تعرف على الأستاذ علوان في حياته، شعر أنه صديقه الأثير وليس هناك من يجاريه في محبته، لهذا يشعر كل المحيطين به أنهم أصدقائه الحميميين ، وهذه الصفة التي بذرت في جيناته وصقلتها تجارب الحياة القاسية والتي عاشها في ثمانين عاماً، صارت واحدة من ملكاته الانسانية الكبيرة وهي باختصار الذكاء العاطفي الملهم الذي ينصب أفخاخ المحبة في كل منعرج وطريق.

لذلك  استطاع العم علوان رحمه الله ان يجمع كل اليمنيين على كلمه واحد  فعزى في وفاته كل الفرقاء السياسيين والاحزاب والمنظمات المجتمعية وبكاه الجميع  حتى أن والدتي بعد يومين من وفاته اتصلت بي و قالت لي لا تحزن يا ابني  فعمك علوان الى جنته مباشره  فحتى الطيور تبكي عليه .. لذلك صدقت امي واطمئن قلبي  وما علينا إلا ان ندعوا له بالرحمة والمغفرة  ونحذو حذوه  ونحافظ على نجاحه وعلى برامج مؤسسته الخيرية التي رفض أن يسميها مؤسسة علوان الخيرية حتى لا يشعر المستفيدون أن  الاعمال الخيرية بغرض اشهار اسم علوان

لله ما اعطى وله ما أخذ وكل شيءٍ عنده في قدر وإنا لله وآنا اليه راجعون

 8 يونيو 2023


 

مواضيع ذات صلة :