لا تزاحم الأزمة الكورية التي تكاد تشعل لهيب حرب عالمية جديدة الأفكار في عقول سياسيي العالم فحسب، فتداعياتها امتدت لتطول الاقتصاد العالمي وما يرتبط به من أسواق المال والنفط وحركة التجارة الدولية.
وبالتزامن مع تصاعد حدّة التوتّر بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة وحلفائهما، وتكثيف بيونغ يانغ لتجاربها الصاروخية والنووية، دخل اقتصاد دول الأزمة والاقتصاد العالمي، علاوة على أسواق المال والنفط، في دائرة خطر متأرجح.
وترتفع درجة الخطر عند أي تطوّرات سلبية تحملها الأزمة الكورية، وتنحسر إذا حدث العكس، فنهاية الأسبوع الماضي، فتحت الأسهم الأمريكية على انخفاض؛ في ظل عزوف المستثمرين عن المخاطرة؛ بعد تبادل التهديدات والحرب الكلامية بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وزعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون.
وفي البورصة الأمريكية، انخفض المؤشر داو جونز الصناعي 14.94 نقطة بما يعادل 0.07% إلى 22344.29 نقطة، وتراجع المؤشر ستاندرد آند بورز 500 بمقدار 3.31 نقاط أو 0.13% إلى 2497.29 نقطة، كما نزل المؤشر ناسداك المجمع 20.02 نقطة أو 0.31% إلى 6402.67 نقطة.
- الخليج يتأثر
ونالت الأزمة أيضاً من البورصات الخليجية، مع بداية الأسبوع الحالي، ليهبط مؤشر أبوظبي 0.3%، وينخفض مؤشر دبي 0.9%، مع تراجع 27 سهماً.
ويرجع ذلك إلى أن الدول الخليجية تصدر سلعاً بمليارات الدولارات لمنطقة جنوب شرق آسيا، حيث إن 50% من صادرات الصين من النفط الخام تأتي من الخليج، وتسبّب تصاعد الأزمة، الأسبوع الماضي، بتخوّفات على هذه الصادرات، الأمر الذي نتج عنه خسائر كبيرة وتراجع في أرباح الشركات الخليجية المصدّرة.
إلا أن الصين كانت المتضرّر الأكبر، فقد تم إغلاق عشرات محلات البيع بالجملة، والمطاعم التي كانت تعتمد على التجارة المتبادلة مع كوريا الشمالية.
فقد وافق مجلس الأمن، منتصف الشهر الماضي، على عقوبات تحظر تصدير المواد البحرية والسلع الأخرى من كوريا الشمالية.
وفي تحليله للتداعيات الاقتصادية للأزمة، يقول الكاتب المختص بالشؤون الاقتصادية، مصطفى عبد السلام، لـ "الخليج أونلاين": إن "الأزمة الكورية أثرت سلباً في أسواق المال والعملات والدين في العالم، خاصة مع مواصلة كوريا الشمالية تجاربها النووية والرد العنيف من قبل الرئيس الأمريكي، وتوجيه تهديدات مباشرة لبيونغ يانغ".
ويشير إلى أن سبب هذا التأثير ناتج عن كون أطراف الأزمة هم من يسيطرون على نصف الاقتصاد العالمي، فالولايات المتحدة صاحبة أقوى اقتصاد في العالم، وتليها الصين، ثم روسيا واليابان ومنطقة جنوب شرق آسيا.
وعلى الرغم من استبعاد الكثير نشوب حرب بسبب هذا التوتر، فإن الأسواق العالمية، بحسب الكاتب الاقتصادي، حساسة تجاه التوترات السياسية، لذا نجد أنه في حال اندلاع حرب أو الحديث عن حرب محتملة تكون أسعار العملات والنفط والحبوب والحديد والمعادن أكبر المتأثرين، وربما ترتفع أسعار هذه السلع بمعدلات كبيرة.
ويؤكد أن زيادة التوتر السياسي بين دول الأزمة الكورية سيكون لها تداعيات خطيرة على اقتصادات هذه الدول، فهو يؤدي إلى هروب الاستثمارات الأجنبية، خاصة الأموال الساخنة المستثمرة في البورصات وأسواق المال والأذون والسندات، كما يؤدي للتأثير سلباً في أنشطة اقتصادية تمثّل عصب اقتصاد أي دولة؛ مثل السياحة والاستثمارات المباشرة.
وعلاوة على ما سبق، فإن التوترات السياسية تؤدي لحدوث اضطرابات في أسواق الصرف والعملات داخل هذه الدول، وتتسبّب بضعف العملة الوطنية، خاصة إذا ما صاحب عملية التوتّر نزوح للأموال والاستثمارات الأجنبية، وفق المختص الاقتصادي عبد السلام.
جيفري مالوك، الباحث الأمريكي المتخصص في الاقتصاد، توقع هو الآخر في حديثه لـ "الخليج أونلاين"، عبر البريد الإلكتروني، تأثر الاقتصاد العالمي سلباً بالأزمة الكورية، مع تزايد كارثية تلك الآثار كلما ارتفعت حدة التوتر.
ويرى الباحث مالوك أن الأسرع تأثراً بهذه الأزمة هي البورصات العالمية، التي تعد حذرة تجاه أي توتر سياسي.
- تداعيات كبرى
ولفت إلى أن البورصات الأكثر تأثراً هي تلك التي ترتبط باستثمارات ومصالح مع الدول الأطراف بالأزمة (الولايات المتحدة، والصين، والكوريتان، وروسيا، واليابان).
ويعتقد الباحث الاقتصادي أن حركة التجارة الدولية قد تتأثر بشدة في حال تحول المعارك الكلامية لحرب حقيقية على الأرض، فالسفن وحاويات التجارة ستغيّر مساراتها لتفادي مناطق الصراع، إضافة إلى أن الطلب سيزداد على سلع محددة؛ كالنفط والحبوب والمعادن، ومن ثم سترتفع أسعارها بشكل غير مسبوق.
وتوقع أن تغيّر مسارات السفن سيؤدي إلى طول مدة رحلاتها، ومن ثم ارتفاع كلفة تأمينها وأسعار الشحن، بنسب لا تقل عن 30%.
ورأى أن أكثر الدول الآسيوية تأثراً بنشوب الحرب ستكون كوريا الجنوبية واليابان والصين؛ باعتبارها من أكبر مستوردي المواد الخام والحبوب والغاز والنفط.
والأسبوع الماضي، حذّرت مجموعة "وود ماكينزي" لأبحاث واستشارات الطاقة، في تقرير لها، من تعطّل أكثر من 30% من حركة تجارة النفط الخام العالمية، في حال نشوب الحرب بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية.
وفي حال اندلاع الحرب فإنها ستصيب الاقتصاد الأمريكي بخسائر فادحة؛ فكوريا الجنوبية التي تقع بقلب العاصفة، تعدّ من أكبر مستوردي المنتجات الزراعية الأمريكية، ومصدراً رئيسياً لسلع مصنّعة وغير مصنّعة بالولايات المتحدة، كما يرى مالوك.
وبحسب بيانات رسمية أمريكية، فإن التجارة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بلغت 100 مليار دولار في العام الماضي.
وحتى لو كانت الولايات المتحدة هي المنتصر، فإن تكلفة الحرب الباهظة ستزعزع اقتصادها بشكل كبير.
يشار إلى أنه في الحرب الكورية عام 1950، التي شاركت فيها واشنطن إلى جانب حليفتها كوريا الجنوبية، خسرت أمريكا 4.2% من ناتجها المحلي، وفي حرب الخليج الثانية عام 2003، خسرت 5% من ناتجها المحلي.
الخليج اونلاين