لتفادي أزمة حادة قادمة.. يحتاج العالم للعودة بالتاريخ إلى عام 1945
الاستثمار نت
في أحدث تقاريره، توقع صندوق النقد الدولي نموًا عالميًا نسبته 3% خلال عام 2019، وهو أدنى مستوى منذ الأزمة المالية في الفترة 2008 - 2009، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى حرب التعريفات الجمركية بين الولايات والصين، والتي أثرت على توقعات النمو في كلا البلدين.
ومع ذلك، يتوقع الصندوق تحسن النمو إلى 3.4% خلال العام القادم، لكن هذا السيناريو يعتمد على تحسن أداء عدد من الاقتصادات الناشئة في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وأوروبا، الأمر الذي يتطلب بدوره انتعاشًا تجاريًا.
لم يكن صندوق النقد وحده المتشائم بشأن الآفاق الاقتصادية والمحذر من الضغوط التجارية، ففي وقت سابق من أكتوبر، حذر رئيس البنك الدولي "ديفيد مالباس" من احتمال انخفاض النمو العالمي هذا العام دون التوقعات الصادرة في يونيو والبالغة 2.6%، بفعل عدم اليقين التجاري والركود المحتمل في أوروبا.
التجارة العالمية في أسوأ فتراتها
- في خضم العولمة، استخدم مؤشر البلطيق الجاف أو "بي دي آي" كمقياس لتجارة السلع الدولية، وقد ارتفع إلى مستوى قياسي عند 11793 نقطة في مايو عام 2008، لكن مع تفشي الأزمة في دول الغرب المتقدم، هبط بنسبة 94% إلى 663 نقطة.
- في فبراير الماضي، هبط المؤشر إلى 595 نقطة، قبل أن يرتفع إلى 2500 نقطة بحلول سبتمبر بفعل بعض التكهنات المتفائلة، لكنه عاود الانخفاض مجددًا مقتربًا من 1900 نقطة حاليًا، أي أقل بنحو 85% من مستوى ذروته.
- يقاس التكامل الاقتصادي العالمي عادة عبر التجارة العالمية والاستثمار والهجرة، وقبل أزمة عام 2008، نمت الاستثمارات العالمية إلى قرابة التريليوني دولار، وقبل وصول "ترامب" إلى السلطة في أمريكا، توقعت الأمم المتحدة استئناف النمو مجددًا على أن تصل إلى 1.8 تريليون دولار العام الماضي.
- لكن في هذه الأثناء حذر البعض من أن الاستثمار العالمي سيواصل الركود وربما يتراجع، وما حدث أنه انخفض بالفعل في عام 2018 بنسبة 13% ليسجل 1.3 تريليون دولار، وهو التراجع السنوي الثالث على التوالي.
- توقع الانكماش كان نابعًا من سعي الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات إلى إعادة أموالها المكدسة في الخارج بعد الإصلاح الضريبي الذي أجراه "ترامب"، ونتيجة لذلك، انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصادات المتقدمة إلى مستويات لم يشهدها العالم من 2004.
الاضطرابات بصدد التفاقم
- في عام 2018، كانت الولايات المتحدة أكبر متلق للاستثمار الأجنبي المباشر، تليها الصين وهونغ كونغ وسنغافورة، لكن نظرًا للحرب التجارية وتزايد الانقسامات السياسية في واشنطن، يعيد المستثمرون تقييم الاستثمار في أمريكا.
- في الوقت الراهن، تعاني الصين كثيرًا بسبب خلافاتها مع الولايات المتحدة، واستطاعت سنغافورة بالكاد تجنب الركود فنيًا، وفي هونغ كونغ، يمكن أن يؤدي عدم الاستقرار السياسي المتواصل إلى تقويض النمو الاقتصادي.
- في عام 2017، سجلت تجارة البضائع العالمية، أقوى نمو لها منذ ست سنوات، وفقًا لمنظمة التجارة العالمية، التي كانت متفائلة للغاية بشأن آفاق التجارة آنذاك، لكنها اضطرت إلى خفض توقعاتها بعد اندلاع حرب التعريفات بين واشنطن وبكين.
- خلال الربيع الماضي، توقعت المنظمة استمرار الرياح المعاكسة للتجارة العالمية خلال العامين الجاري والقادم، بفعل التوترات بين أمريكا والصين وعدم اليقين الاقتصادي، لكنها توقعت أيضًا نمو التجارة 3% بحلول العام المقبل.
- لسوء الحظ، يبدو أن المنظمة تقلل من احتمالية تصاعد الصراع التجاري والتوترات الجيوسياسية، خاصة في ظل تخطيط البنتاغون لنقل 60% من السفن الحربية إلى منطقة آسيا والهادئ، وهي عوامل تنذر بتقويض شديد للآفاق الاقتصادية.
الدرس المنسي من الماضي
- كانت البلدان النامية الأكثر تضررًا بسبب زعزعة الاستقرار والصراعات الداخلية وتغير الأنظمة، وبنهاية عام 2018، كان السوريون أكثر الشعوب المهجرة قسرًا بنحو 13 مليون نازح، يليهم الكولومبيون بثمانية ملايين نازح، ثم الكونغوليون بـ5.4 مليون نازح، وسجل عدد النازحين مستوى قياسيًا على الصعيد العالمي.
- في الفترة بين عامي 2008 و2009، تم احتواء الأزمة العالمية من خلال تبني حزم تحفيز مالي كبيرة وأسعار فائدة منخفضة للغاية، لكن حتى الآن، لا تزال الفائدة منخفضة جدًا، في حين أن مستويات الديون المرتفعة تحد من قدرة الأدوات المالية على التدخل.
- يقول محافظ بنك إنجلترا السابق "ميرفين كينغ": ستكون الأزمة الاقتصادية والمالية القادمة مدمرة لشرعية نظام السوق الديمقراطي؛ من خلال التمسك بالعقيدة الجديدة للسياسة النقدية والتظاهر بأننا جعلنا النظام المصرفي آمنا، فإننا نسير نائمين باتجاه هذه الأزمة.
- بعد عام 1945، كانت الحكمة هي السائدة حينما اختار المجتمع الدولي تسريع حركة التجارة والاستثمار وحتى الهجرة، حيث أدرك العالم أنه بعد عقود من السياسات المضللة وعشرات الملايين من قتلى الحروب كانت خياراته باهظة الثمن.
- عند قدوم الأزمة المقبلة، لن تكون هناك قوارب نجاة لدى صناع السياسات، أو ربما سيكون المتبقي منها غير صالح للإبحار بعيدًا عن الأزمة، والمشكلة هي أن العالم نسي الدرس المستفاد الذي خلص إليه من التجربة المريرة المنتهية قبل 74 عامًا.
المصادر: ساوث تشاينا مورنينغ بوست، ماركت ووتش، فاينانشيال تايمز،أرقام