مر العام 2020م بصعوبة خابت فيه معظم التوقعات الاقتصادية، والسبب الأبرز فيه تفشي جائحة كورونا، التي كبدت الاقتصاد العالمي أكثر من 12 تريليون دولار.
ونحن في بدايات العام الجديد 2021م يرصد مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية «سي إس آي إس» أبرز خمسة تطورات محتملة خلال العام المقبل مع تولي إدارة جديدة مهامها في واشنطن وسط تعامل العالم مع وباء «كوفيد-19»:
1- التعافي العالمي وأعباء الديون
وضع الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن وباء «كوفيد-19» والتعافي العالمي ضمن أولوياته الأربع، إلى جانب المساواة العرقية وتغير المناخ.
وفي حين أن التوزيع الفعال للقاح المضاد للفيروس يمكنه تمهيد الطريق لتعافي اقتصادي قوي ومستدام، إلا أن الوباء وتداعياته الاقتصادية قد كشف عن نقاط ضعف اقتصادية موجودة مسبقًا، كما خلق نقاطا أخرى جديدة تجب معالجتها من جانب الإدارة الجديدة.
وتُعد أعباء الديون المرتفعة -في بعض الحالات لا يمكن تحملها- في عدد من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل من بين نقاط الضعف تلك.
وتشمل الجهود الرسمية حتى الآن لمساعدة البلدان منخفضة الدخل، مبادرة مجموعة الدول العشرين لتعليق أعباء خدمة الديون بشكل مؤقت للديون الثنائية الرسمية، والاتفاق بين دول مجموعة العشرين بما في ذلك الدائنون غير التقليديين مثل الصين والهند وروسيا على الإطار المشترك لمعالجات الديون خارج المبادرة.
ويمثل ما سبق خطوات إيجابية وتدريجية لتحديث الهيكل المالي الدولي ومساعدة البلدان على التعامل مع التداعيات الاقتصادية للوباء، لكنها خطوات محدودة للغاية من حيث التغطية والعمق لدعم التعافي العالمي بشكل كافٍ.
وستكون هناك حاجة للمزيد من الجهود الرامية إلى معالجة أعباء الديون المتراكمة في بعض البلدان وإعطاء الأولوية للإنفاق على الصحة العالمية.
لكن هذه مهمة صعبة؛ وبالنظر إلى دور الصين كدائن كبير للعديد من البلدان الأكثر ضعفًا، فإن التعامل مع عبء الديون قد يكون أحد الاختبارات الأولى للإدارة الأميركية الجديدة عندما يتعلق الأمر بالاختيار بين التعاون أو المنافسة أو المواجهة مع الصين.
2- نهج الولايات المتحدة تجاه الصين
من الواضح أن فريق بايدن الجديد يشارك إدارة ترامب وجهة نظرها بأن الصين تُعد بمنزلة منافس استراتيجي للولايات المتحدة، كما تُشكل تحدياً أمام صانعي السياسة في الولايات المتحدة.
والسؤال هو: كيف ستوازن الإدارة الجديدة بين دوافعها لمواجهة بكين والمنافسة والتعاون معها؟ وفي الواقع أوضح الرئيس المنتخب بايدن بعض الأمور حول الكيفية التي يعتزم بها إدارة التحدي الصيني.
وسيعطي بايدن الأولوية لإعادة البناء في الداخل وجعل الولايات المتحدة أكثر مرونة وقدرة على المنافسة، كما سيعمل مع الحلفاء والشركاء لمواجهة بكين.
ومن المؤكد أن الرئيس الأميركي المنتخب سيُبقي على موقف صارم بشأن العلاقات التكنولوجية والمالية مع الصين، لكن من المرجح أن يتجنب الانفصال الواسع واستخدام نهج مختلف لحماية التكنولوجيات الأميركية.
وعلى الجبهة التجارية، يقول بايدن إنه سيحافظ على تعريفات الرئيس دونالد ترامب التي فرضها على الصين والمرحلة الأولى من الاتفاق التجاري في الوقت الحالي.
لكن إلى أي درجة ستسعى الإدارة الجديدة لفتح السوق والإصلاح الهيكلي في الصين؛ بالنظر إلى صعوبة حل هذه القضايا والتزام بايدن بالتركيز على العمال الأميركيين أكثر من التركيز على مصالح الشركات؟
وهل ستنفذ الإدارة الجديدة استثناءً للمفاوضات التجارية وتشير إلى نيتها العودة لاتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، وهي أداة قوية في صياغة القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحشد الحلفاء الآسيويين في استجابة منسقة ضد الصين؟
وستكمن المعضلة الأخرى أمام فريق بايدن في: كيف ومتى يتم إعادة إنشاء قنوات الحوار الثنائي مع الصين والتي تلاشت خلال عهد ترامب؟ لكن مع ذلك لن ترغب الإدارة الجديدة في أن يُنظر إليها على أنها حريصة للغاية على التحدث مع بكين.
3- سياسة المناخ
ينظر الاقتصاديون منذ فترة طويلة لتغير المناخ على أنه قضية استقرار اقتصادي ومالي، ولكن هذا المنظور تاريخيا كان ذا جاذبية محدودة بين صانعي السياسة الأميركية.
ويبدو أن هذا سيتغير في ظل إدارة بايدن، حيث سيكون تغير المناخ أولوية قصوى عبر مجموعة من المبادرات، بما في ذلك دعم البنية التحتية الخضراء وأبحاث الطاقة النظيفة ضمن حزمة التحفيز الاقتصادي.
وستعطي المشاركات الدولية تحت إدارة بايدن الأولوية للمناخ، بالإضافة لإعادة الانضمام إلى اتفاقية باريس في اليوم الأول لرئاسته، كما أعلن الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب التزامه بقيادة الجهود لجعل كل دولة كبرى تكثف طموح أهدافها المناخية على الصعيد المحلي.
ويبدو أيضا أن اختيارات بايدن لفريق إدارته تدعم التعامل مع تغير المناخ كقضية اقتصادية ومالية، فعلى سبيل المثال، قدمت وزيرة الخزانة الأميركية القادمة جانيت يلين خلال شهادة أمام الكونغرس في عام 1998، اتفاقية دولية للحد من انبعاثات الغازات الضارة للبيئة من الناحية الاقتصادية.
4- بايدن وفريقه
رغم أهمية خيارات بايدن السياسية، فإن الطريقة التي تنظم بها الإدارة نفسها والأشخاص الذين يتم اختيارهم لشغل المناصب الرئيسية يمكن أن تحدد مدى فعاليتها.
ويوجد ثلاثة أسئلة مهمة في هذا الصدد مع بدء إدارة بايدن، أولها: ما مدى نجاح البيت الأبيض في دمج السياسة المحلية والدولية، وهو أمر أوضح فريق بايدن بأنه ضروري، من خلال تعيين مستشارة الأمن القومي السابقة سوزان رايس كرئيسة لمجلس السياسة الداخلية.
لكن السؤال هو: كيف ستعمل هذه المجموعة الهائلة من مسؤولي البيت الأبيض معًا؟ رايس ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان ومدير المجلس الاقتصادي الوطني برايان ديس ورئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين سيسيليا روس.
ويمكن لهذا الفريق، إذا تناغم بشكل صحيح، ضمان أن إعادة البناء المحلي والمشاركة الدولية يعززان بعضهما البعض، لكن هناك بالتأكيد خطر الوقوع فريسة لصراعات وصدامات حول النفوذ والغرور.
أما السؤال الآخر فهو: كيف سيتم دمج الاقتصاد في عمل الأمن القومي في البيت الأبيض؟ في حين أن السؤال الثالث المهم بالنسبة للموظفين هو: من الذي سيشغل المناصب العليا كنواب اقتصاديين في الوكالات الرئيسية؟
5- مبادرة الحزام والطريق الصينية
تجري عملية إعادة التفاوض والرقمنة حيال مبادرة الحزام والطريق الصينية للرئيس شي جين بينغ.
واتجهت الصين للأسواق المحفوفة بالمخاطر التي تكافح الآن لسداد ديونها تحت راية مبادرة الحزام والطريق، وهو ما دفع المسؤولين الصينيين لمحاولة إنقاذ المشاريع، في الغالب عن طريق تأجيل المدفوعات.
وتفتقر هذه المبادرة الصينية للشفافية، وبالتالي ما لم تتحسن الشفافية أو التعاون، من المتوقع أن يكون هناك المزيد من عمليات إعادة التفاوض حول الديون في العام المقبل.
وتنطوي إعادة التفاوض على العديد من المخاطر؛ نظرا لأن الصين هي أكبر دائن ثنائي رسمي في العالم، ما يعني أن فشلها في توفير الإغاثة الكافية يزيد من احتمال حدوث أزمة في الأسواق الناشئة.
وفي حين أن مبادرة الحزام والطريق آخذة في التباطؤ وهو اتجاه كان يسبق الوباء فإن الجانب الرقمي يتسارع؛ إذ سلط كوفيد-19 الضوء على التكاليف الجسيمة للوقوف على الجانب الخاسر من الفجوة الرقمية.
وترى شركات التكنولوجيا الصينية فرصة لتلبية هذا الطلب في الأسواق النامية والناشئة، خاصة أن العديد من هذه الشركات يواجه تدقيقا أكبر في الاقتصادات المتقدمة.
المصدر- القبس