وعلى رغم الأزمة المتفاقمة في قطاع العقارات الصيني، فإن مؤسسة "ستاندرد أند بورز" للتصنيف الائتماني ترى أن الأخطار على الاقتصاد هي احتمال استمرار انكماش الأسعار.
يشير استمرار خفض الأسعار عند باب المصنع وفي نقاط التجزئة إلى تشبع بعض قطاعات إنتاج السلع والبضائع وتجاوزها سعة الإنتاج. وفي تقرير للوكالة صدر أمس الاثنين حول آفاق الاقتصاد الصيني، كدراسة تمهيدية، وليس تصنيفاً ائتمانياً، تخلص مؤسسة التصنيف الائتماني العالمية إلى أنها تبقى على توقعها لنمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني هذا العام عند نسبة 4.6 في المئة، لكن التقرير لا يتوقع نمواً كبيراً في الإنفاق الاستهلاكي، مع الأخذ في الاعتبار النظرة المستقبلية المتواضعة لقطاع العقار وثقة المستثمرين، وغياب الإجراءات القوية لدعم الاستهلاك.
ويرى الباحثون في المؤسسة أن قدرة ثاني أكبر اقتصاد في العالم على مواجهة أخطار استمرار الانكماش السعري، تعتمد على التوازن بين الاستثمار القوي في التصنيع وضعف الاستهلاك، وهو ما يبقي احتمالات استمرار تراجع هامش الربح في أسواق السلع. ويوصي التقرير بتوفير الدعم الأقوى للاستهلاك على حساب الاستثمار في التصنيع، ما قد يعيد الأسعار إلى التحسن، من ثم زيادة هوامش الأرباح.
توقعات معتدلة
على رغم ما يواجه الاقتصاد الصيني من مشكلات حالياً، بخاصة في القطاع العقاري الذي يشهد انهيار شركات تحت وطأة الديون، ونقص السيولة نتيجة ضعف المبيعات، يقدر التقرير أن يستمر الناتج المحلي الإجمالي في النمو، لكن بوتيرة أبطأ قليلاً من العام الماضي. ويتوقع محللو "ستاندرد أند بورز" أن الاستثمارات الهائلة في مجال التصنيع العام الماضي، يرجح أن تستمر قوية أيضاً هذا العام.
وفي حال استمرار ضعف الطلب سيزيد العرض في سوق السلع نزولاً على الأسعار، من ثم التعرض لأخطار الانكماش السعري. ومع أن التقرير لا يتوقع انكماشاً شديد التأثير السلبي، إلا أنه يظل خطراً ماثلاً أمام الاقتصاد الصيني، مع احتمال استمرار ضعف الاستهلاك.
وتبقى فرص النمو في الاقتصاد الصيني متباينة إلى حد ما، وبحسب أرقام مكتب الإحصاء الوطني في بكين، حقق الناتج المحلي الإجمالي نمواً بمعدل سنوي بنسبة 5.1 في المئة في الربع الرابع والأخير من العام الماضي، بينما حقق نمواً عن الربع السابق بنسبة واحد في المئة، من ثم يكون الاقتصاد الصيني حقق في المتوسط للعام الماضي نسبة النمو المستهدفة رسمياً.
استمرار الأزمة العقارية
إلا أن استمرار أزمة القطاع العقاري، التي تفاقمت أكثر في نهاية العام الماضي، كان له تأثير سلبي واضح على الاقتصاد ككل، ففي الربع الرابع انخفض الاستثمار في القطاع العقاري بنسبة 11.5 في المئة بمعدل سنوي، لكن نمو الاستثمار، في غير القطاع العقاري، ظل جيداً بصورة عامة، وذلك نتيجة التوسع الاستثماري في التصنيع ومشروعات البنية التحتية.
في المقابل تراجعت مبيعات التجزئة نتيجة ضعف ثقة المستهلكين، على رغم استمرار خفض الأسعار. وبحسب البيانات التي حللتها "ستاندرد أند بورز" فإن معدلات مبيعات للعام الماضي جاءت أقل من نصف ما كانت عليه في عام 2021، أمام الزيادة الواضحة في الاستثمار في الأصول الثابتة والتصنيع.
وبحسب تقديرات تحليل الوكالة، فإن نسبة النمو الاقتصادي التي أعلنها مكتب الإحصاء الوطني للربع الرابع لا تتضمن خصم معامل الانكماش السعري الذي يقدره المحللون بنسبة واحد في المئة، بالتالي يصبح النمو الفعلي في الربع الأخير عند نسبة 4.2 في المئة. وعلى العكس، فإن معامل التصحيح المتعلق بنمو قطاع التصنيع يجعل نسبة النمو المعلنة رسمياً منطقية عند 5.2 في المئة.
ربما تحتاج الحكومة الصينية، بحسب رأي واضعي التقرير، إلى زيادة التحفيز للمستهلكين للتغلب على الانكماش السعري، فأسعار المستهلكين، بخاصة بالنسبة إلى السلع الغذائية، في تراجع مطرد منذ العام الماضي، ولولا ارتفاع الأسعار في قطاع الخدمات لما وصل معدل التضخم السنوي إلى نسبة 0.6 في المئة.
في حال بدأ الانفاق الاستهلاكي الارتفاع هذا العام، لن تكون حكومة بكين في حاجة قوية لدعم النمو بزيادة الاستثمار في التصنيع والأصول الثابتة، وذلك هو التوازن الذي يخلص إليه التقرير، كي لا يشهد النمو في الاقتصادي الصيني تباطؤاً أكثر من المتوقع.
اندبندنت عربية