اقتصاد يمني نُشر

متطلبات التنمية الاقتصادية.. لتعزيز بناء الدولة اليمنية الحديثة

هلت علينا الذكرى الــ21 لقيام الوحدة اليمنية في ظل أوضاع سياسية وتحديات اجتماعية معقّدة ومتشابكة لم تشهدها اليمن في تاريخها المعاصر. كذلك تواجه مسيرة اليمن التنموية والاقتصادية العديد من التحديات والصعوبات المتعلقة بضعف النمو الاقتصادي والتشتت السكاني، وضعف تنمية الموارد البشرية ومحدودية الخدمات الأساسية، بالإضافة إلى تفاقم أزمة الموارد المائية والبيئية، والتدهور في إنتاج النفط الخام، فضلاً عن ضعف جاذبية البيئة الاستثمارية، وتفشي ظاهرتي البطالة والفقر.وبالإضافة إلى التحديات الهيكلية، فإن اليمن يواجه صعوبات أفرزتها الأزمة المالية العالمية،والتغيرات المناخية، وانعدام الأمن الغذائي وكذلك عدم استقرار الأوضاع الأمنية.إن استمرار تلك التحديات يقود إلى اتساع رقعة الآثار السلبية على مختلف الأصعدة الاجتماعية والسياسية والأمنية.
وبدون شك فإن مواجهة التحديات السالفة الذكر والاستفادة من الفرص والميزات النسبية لليمن أرضاً وشعباً يستوجب بالضرورة توفر بعض المتطلبات التنموية والاقتصادية وهي متطلبات وسنن اتبعتها الكثير من الدول الحديثة، يأتي في مقدمتها توفر إرادة سياسية يتم ترجمتها في رؤية اقتصادية تنموية واضحة المعالم تستند (على سبيل المثال) على تحديد الأسس والمبادئ العامة للنظام الاقتصادي اليمني الذي يحقق العدالة الاجتماعية والتنمية البشرية المستدامة، إضافة إلى إقامة دولة النظام والقانون دولة المؤسسات وبما يساهم في تعزيز وتقوية الدور المؤسسي والتنظيمي للدولة في التنمية وفي النشاط الاقتصادي. ويشكل هذا الأمر المتطلب الأهم والشرط الضروري واللازم، فمن المعروف أن البناء المؤسسي وتعزيز منظومة الحكم الجيد للدولة يؤدي دوراً هاماً وكبيراً في تحقيق النمو الاقتصادي وإنجاز أهداف التنمية والتخفيف من الفقر، ويساعد كذلك على نجاح برامج وسياسات الإصلاح الاقتصادي، كما تعــد عناصر منظومة الحكم الجيد بكافة مكوناتها وأبعادها المؤسسية والتنظيمية والإدارية وسيلة هامة ومؤثرة في جذب الاستثمارات الخاصة المباشرة وتوطين رؤوس الأموال الوطنية، باعتبارها أكثر فاعلية وكفاءة من الوسائل الأخرى المستندة على الحوافز والإعفاءات الضريبية والجمركية، إلا أنه يمكن تحقيق البناء المؤسسي للدولة وتعزيز الحكم الجيّد من خلال عدة توجهات عامة، من بينها: الفصل الكامل بين الوظيفة العامة وممارسة الأعمال والأنشطة التجارية بصورة عامة.
رفع الكفاءة المؤسسية والإدارية والتنظيمية للجهاز الإداري للدولة، من خلال مواصلة تنفيذ برنامج تحديث الخدمة المدنية، وتطوير شبكة المعلومات بين مؤسسات وأجهزة الدولة، وتعزيز التنسيق والتكامل بينها.
محاربة الفساد وحماية المال العام بتطوير وتحديث الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وتعزيز الرقابة الخارجية والشعبية في مكافحة الفساد ومساءلة الحكومة، وكذلك تطوير نظام المراقبة والمتابعة والتقييم لضمان نجاح برامج وخطط وسياسات مؤسسات وأجهزة الدولة، وأخيرا تعزيز الشفافية والإفصاح، ورفع كفاءة وفاعلية أداء أجهزة السلطة القضائية، كما أن التحديد الواضح للدور الاقتصادي والتنظيمي الفاعل والرشيد للدولة « الحكومة « يُعد من المتطلبات التنموية والاقتصادية، وأود التأكيد هنا على أهمية الدور الاقتصادي والاجتماعي الذي تؤديه الدولة في ظل اقتصاد السوق، فتغيير دور الدولة في إطار اقتصاد السوق لا يعني انسحابها وإنما إعادة هيكلة هذا الدور باتجاه التركيز على الوظائف الأساسية. وبالنسبة لليمن فإن أهمية استمرار الدور الاقتصادي والاجتماعي ترجع من ناحية إلى كون اليمن تصنف ضمن الدول الأقل نموّا ذات التنمية البشرية المنخفضة، الأمر الذي يتطلب استمرار دورها القيادي في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية لرفع مستوى المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية.
ومن ناحية أخرى يحتاج اقتصاد السوق إلى بنية تحتية ومرافق عامة ليس من حيث الحجم فحسب وإنما من حيث النوعية. كما يحتاج إلى كوادر بشرية مؤهلة وإلى بيئة عامة تتسم بالاستقرار الأمني والسياسي، والاستقرار الاقتصادي، وإلى توافر السلم الاجتماعي، كونها عوامل أساسية يجب توفيرها لجذب الاستثمارات الخاصة وتشجيعها وتحفيزها على التوطن والتركيز على الاستثمارات المباشرة، التي تخلق فرص عمل وتولد الدخول بما يؤدي إلى تخفيض معدلات البطالة وتحسين مستوى المعيشة.
ومن المعروف أن هذه المتطلبات تدخل في نطاق مهام واختصاصات الدولة، التي تتحمل بشكل رئيسٍ مسئولية توفيرها.
وتتسع هذه المتطلبات لتشمل التحديد الواضح والدقيق لطبيعة دور القطاع الخاص التنموي والاستثماري والاقتصادي وما يرتبط بذلك مثل مفهوم الحوار والشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص.وبناء على ذلك من الأهمية يمكن اقتراح:
تعزيز الشراكة بين الحكومة و القطاع الخاص بكافة الأشكال بما في ذلك إعادة هيكلة وتنظيم المجلس الاقتصادي الأعلى بما يضمن المشاركة الفاعلة للقطاع الخاص اقتصادياً وتنموياً، وبما يكفل معالجة التحديات و المشاكل و المعوقات بروح الشراكة و المسئولية.
توفير بنية الأعمال المناسبة والمناخ الاستثماري الملائم لتوطين وجذب رؤوس الأموال الوطنية والعربية والأجنبية وفي مقدمة ذلك تفعيل دور القضاء التجاري وتوسيع نطاق التحكيم التجاري وتنظيمه وسرعة إنجاز القضايا وتنفيذ الأحكام الصادرة.
واستكمال إقامة سوق الأوراق المالية في اليمن وفق المعايير والشروط الدولية. والعمل على توفير البنى الأساسية و الخدمات العامة وحل الإشكالية القائمة حاليا بين مفاهيم وتوجهات الدولة تجاه كل من المناطق الصناعية، المناطق الحرة والمناطق الاقتصادية الخاصة . وكذلك تعزيز وتقوية القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية والسمكية و الصناعات الوطنية وفق المواصفات والمقاييس الإقليمية والدولية، ودعم المشاريع الاستثمارية التي تستهدف التصدير وتوفير تمويل ميسر وداعم واعتبار التصدير خيارا استراتيجيا.
إتاحة الفرصة للقطاع الخاص ليؤدي دوره الاقتصادي والتنموي بتعزيز الثقة في السياسات الاقتصادية والاستثمارية، حيث أن الثقة في هذه السياسات واتسامها بالاستقرار النسبي تمثل أهم عوامل تحريك النشاط الاقتصادي والتجاري والخدمي في أي بلد، وقوة دفع كبيرة لعملية التنمية والتخفيف من الفقر. في المقابل فإن اتباع أسلوب التجربة والخطأ في السياسات الاقتصادية والاستثمارية يعد من أهم العوامل المعوّقة للتنمية والاستثمار.
ويتوجب أيضاً إقامة النظام الضريبي الكفؤ والعادل المتسم بالوضوح والشفافية، إضافة إلى انتهاج سياسات جديدة واتخاذ إجراءات غير تقليدية تساهم في حفز نمو القطاعات والمجالات الإنتاجية والخدمية غير النفطية، وبما يساهم كذلك في التخفيف والحد من استمرار هيمنة قطاع النفط والغاز على كافة جوانب الاقتصاد اليمني. تحفيز النمو الاقتصادي من خلال تنمية القطاعات الاقتصادية الواعدة عبر تنمية القطاع الزراعي وتحقيق الاستغلال الأمثل للثروة السمكية وتنمية الصناعات التحويلية وتنشيط قطاع السياحة وتكثيف الجهود لتوسع دائرة البحث والتنقيب عن النفط والغاز.
وكذلك العمل على إقامة بنية تحتية متطورة تلبي متطلبات إحداث نقلة نوعية في الاقتصاد الوطني وذلك عبر اتباع سياسة مائية وبيئية سليمة، وزيادة إنتاج الطاقة الكهربائية، وتطوير شبكة النقل من طرقات وموانئ ومطارات بما يلبي احتياجات النمو الاقتصادي، والاستمرار في تطوير الاتصالات وتقنية المعلومات نحو بناء الاقتصاد المعرفي.
 
نقلا عن مجلة الاستثمار العدد(37 ) مايو 2011

 

مواضيع ذات صلة :