قيل أن ثورات الربيع العربي قد تنهض باقتصاديات المنطقة العربية بشكل عام لا سيما في الدول التي اندلعت فيها الثورات الشعبية المطالبة بتغيير أوضاعها الاقتصادية والسياسية والمعيشية ؛ إلا أن ذلك بدا مؤثرا على اقتصاديي مصر وتونس التي نجحت فيهما الثورتين وأسقطت نظامي البلدين ؛ مع أن عدداً من المراقبين الاقتصاديين يلمحون نورا في نهاية النفق ؛ في مصر وتونس على الأقل، ويأملون أن تنعكس التغييرات بصورة إيجابية على الحركة الاقتصادية عندما تنتهي المرحلة الانتقالية (وهي مرشحة لأن تطول)، فإن هذا لا يمنع رصد الأشهر الأخيرة وتداعياتها الاقتصادية وهو ما حاولت أن تقوم به مجلة الاستثمار.
تأثر السياحة المصرية
حيث يقول رئيس هيئة تنشيط السياحة المصرية عمرو العزبي، إن حركة السياحة إلى مصر تأثرت سلبا بـ«ثورة يناير»، نظرًا لتخوف العديد من السياح العرب والأجانب، في ظل حالة عدم الاستقرار التي تشهدها البلاد منذ بداية العام. ويضيف: إن الانفلات الأمني الذي حدث في مصر عقب «الثورة»، أثر بشكل كبير في حركة السياحة، وهو أمر طبيعي وغير مقلق، لأن الأحداث الجسام التي تحدث في أي منطقة في العالم تتبعها مثل هذه الظروف.
وبشيء من التفصيل يضيف: إن الأحداث التي شهدتها بعض المدن المصرية عقب تنحي الرئيس السابق (حسني مبارك)، من اعتداءات حدثت بين مسلمين ومسيحيين أثرت بشكل كبير في حالة الاستقرار التي كنا نأمل فيها، ومصر كانت تستقبل ما بين 11 - 13 مليون سائح في العام، ينفقون نحو 13 مليار دولار سنويا، وستقل هذه الأعداد هذا العام نظرًا للظروف الطارئة التي تمر بها، لكن أتوقع أن تزداد حركة السياحة في مصر في الفترات المقبلة، بعد السمعة التي اكتسبتها مصر خارجيا بفعل ثورتها.
عدم وضوح رؤية الموسم الحالي
من جهته، قال عمرو صدقي نائب رئيس غرفة وكالات السفر والسياحة في الغرف التجارية المصرية، إن هناك عدم وضوح للرؤية حول الموسم السياحي الحالي، بسبب عدم الاستقرار الأمني والسياسي من متغيرات جديدة في البلاد، فضلاً عن دخول موسم الانتخابات البرلمانية. وإن استمرار الثورات والاضطرابات في بعض الدول العربية، ليس له علاقة بتأثر مصر سياحيا، إذ إن السائحين باختلاف جنسياتهم لديهم ثقافة جغرافية ويعلمون أن ظروف كل دولة تختلف عن الأخرى. ولفت صدقي إلى أن دعم رجال الأعمال للسياحة لم يتوقف قبل وبعد الثورة، حيث اتفق عدد منهم على إعادة استثمار أموالهم داخل القطاع لتنشيط السياحة، كما أن القطاع المصرفي أعلن دعمه للسياحة إذ يوجد اتفاق عام بأن السياحة تمرض لبعض الوقت ولا تموت مهما حصل من نكبات.
29 مليار دولار حجم الخسائر المصرية
دراسة مصرية أعدت في شهر (مايو) الماضي قدرت حجم الخسائر التي لحقت بالاقتصاد المصري بعد «ثورة 25 يناير» بنحو 172 مليار جنيه (29 مليار دولار) تركزت في معظمها في قطاعات السياحة والطيران والغاز والصناعة والتجارة الداخلية والخارجية والقطاع العقاري والاتصالات وقطاع الترفيه.
وكشفت الدراسة التي أعدها الباحث علاء حسب الله ، عضو جماعة الإدارة العليا عن أن الموازنة العامة للدولة والبورصة المصرية يتحملان الخسائر وتسديد فواتيرها وأنه في الفترة من 25 (يناير) إلى 14 (فبراير) الماضيين كانت الخسائر اليومية للقطاعات الاقتصادية باستثناء البورصة تتراوح بين 250 و310 ملايين جنيه.
ورصدت الدراسة خسائر قطاع السياحة بنحو 3 مليارات دولار حتى الآن ما يعادل 18 مليار جنيه، نظرًا لتناقص عدد السياح والسياحة العالمية إلى مصر، مشيراً إلى أن قطاع السياحة يمثل31% من الناتج القومي الإجمالي ويعمل فيه حوالي 3,5 ملايين مصري.
وأشارت الدراسة التي حصلت « مجلة الاستثمار» على نسخة منها - إلى أن حجم الخسائر في قطاع الطيران بلغت 700 مليون جنيه بسبب انخفاض في نسبة الركاب تصل إلى 56% بسبب تراجع نسب الحجز والسفر والرحلات الخارجية على الخطوط المصرية لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر.
وأكد الباحث أن القطاع العقاري المصري هو الآخر قد طاولته خسائر جسيمة بلغت حوالي 207 ملايين جنيه، وفي هذا الصدد فإن شركة «المقاولون العرب» وحدها قد لحقت بها خسائر تصل إلى400 مليون جنيه بسبب توقف أعمالها في المشاريع الكبرى بمختلف المحافظات المصرية. ومن المتوقع أن تصل خسائر هذا القطاع إلى حوالي مليار جنيه مع نهاية هذا العام، بحيث إن هناك تباطؤا شديدا في حركة البيع والشراء للوحدات السكنية والعقارات في مصر خلال العام2011 بعدما حقق نموا يصل إلى15% خلال الأعوام الأخيرة.
وكشفت الدراسة أن الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي المصري قد لحقت به خسائر تصل إلى6 مليارات دولار«مدفوعات مباشرة» ليتقلص حجم احتياطه من النقد الأجنبي من 36 مليار دولار في نهاية كانون الأول (ديسمبر) الماضي إلى 30 مليار دولار فقط خلال شهر أيار (مايو)، فيما بلغت خسائر البورصة المصرية نحو 35 مليار جنيه يومي 23 و24 آذار (مارس) الماضي وحدهما.
وتوقعت الدراسة ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة ليصل إلى 136 مليار جنيه في مقابل 109 مليارات جنيه كانت متوقعة قبل اندلاع «الثورة».
وأوصت الدراسة بضرورة عودة الأمن بقوة إلى الشارع المصري والمدن الساحلية والمحافظات السياحية حتى يعود السائح الأجنبي إلى مصر مرة أخرى وبضرورة إزالة التعديات بالإضافة إلى تشجيع جذب الاستثمارات الدولية والعالمية.
توقف عدد كبير من الشركات المصرية المنتجة
وكان معهد التخطيط القومي المصري قد رصد الخسائر الإجمالية للاقتصاد حتى منتصف (مارس) 2011 بنحو 37 مليار جنيه بسبب توقف عدد كبير من الشركات المصرية المنتجة والمصانع الكبرى في المدن الصناعية، وتراجع تحويلات المصريين في الخارج والتي تمثل 8% من الناتج القومي المصري.
ومعزل عن الدراسة يقول خبراء اقتصاد مصريون انه في الأوقات الطبيعية، يدير المصرف المركزي المصري بإحكام تقلّبات الجنيه في مقابل الدولار للحفاظ على استقراره ؛ لكن في حال واجه المصرف المركزي عمليات سحب واسعة للعملة، فقد يفشل في الحفاظ على استقرار الجنيه. ويتوقّع «بنك كريدي أغريكول» الفرنسي، انخفاض قيمة الجنيه بنسبة تصل إلى 20% على المدى القصير.
انخفاض التصنيف الائتماني
في المقابل، خفضت الوكالات الدولية التصنيف الائتماني السيادي لمصر، في خطوة ستزيد من كلفة الديون. وقفزت كلفة التأمين ضدّ التخلّف عن تسديد الديون المصرية إلى أعلى مستوى لها في خلال 18 شهراً، إذ ارتفعت كلفة التأمين لخمس سنوات إلى 430 نقطة كحدٍّ أقصى، في مقابل 320 نقطة قبل الانتفاضة قبل أن تنخفض إلى 360 نقطة بسبب عدم وجود خطر فوري للإفلاس. وتمثِّل الديون الخارجية في مصر نسبة 15% من الناتج المحلي الإجمالي، معظمها ناجم عن الديون الطويلة الأمد.
ويفترض معالجة التحديات الاقتصادية الكبرى والاختلالات الاجتماعية العميقة في السنوات المقبلة. ومع ذلك، فإن الأولوية، في المدى القصير، هي العودة إلى النشاط الاقتصادي «الطبيعي» بخريطة طريق ذات صدقية لعملية الانتقال السياسي.
ويتوقع خبراء اقتصاد أن الأولوية ستكون لاستعادة الثقة؛ لكنه اليوم على الحكومة المسؤولة عن إدارة عملية الانتقال، أن ترسل إشارات قويةً إلى المستثمرين المحليين والأجانب مفادها بأن مصر تتّجه نحو بيئة أعمال مستقرّة وشفافة وتنافسية.
ومع وجود الثقة سيعود السياح إلى البلاد، ويتوقف تدفّق احتياطات النقد الأجنبي إلى الخارج ويُستأنَف النمو الاقتصادي. وفي المدى المتوسط، ستكون الحكومة المُنتَخبة في حاجة إلى إعادة التركيز على القضايا الاجتماعية، من خلال محاربة الفقر وعدم المساواة، وإيجاد فرص العمل. فاليوم، ثمة أكثر من 40% من المصريين يكسبون أقلّ من دولارين يومياً، ويوجد تفاوت كبير بين الأغنياء والفقراء.
نظامي الدعم الشامل والضريبي
وتقول دراسات أعدت لدراسة الاقتصاد المصري أن مصر بحاجة إلى تنشيط دعامتين رئيستين، أولاً، تحتاج إلى إصلاح نظامها الضريبي، وشنّ حملة على التهرّب الضريبي، واعتماد نظام ضرائب تصاعدي يسمح بإعادة توزيع الخيرات بين الأغنياء والفقراء، وعليها، ثانياً، أن تعيد النظر في نظام الدعم الشامل الذي يمتصّ أكثر من 8% من الناتج المحلي الإجمالي وأكثر من ثلث الإنفاق العام.
ورغم الشعبية التي يحظى بها سياسياً، تبيّن الدراسات المتاحة أن الفوائد المترتّبة على الدعم غير المستهدف تعود على الأغنياء أكثر من الفقراء. وللتخفيف من أثر تفكيك الدعم الشامل على الفقراء، تحتاج مصر إلى زيادة الحدّ الأدنى للأجور في كل من موظفي الحكومة والقطاع الخاص، وتطبيق آليات شبكات الأمان المناسبة.
----
عن مجلة الاستثمار