وسط ضجيج الثورات العربية، من سوريا إلى اليمن وليبيا وغيرها من بلدان المنطقة، قفزت الصومال فجأة إلى الواجهة هذا الأسبوع، ليس من باب الثورة، بل من باب المجاعة. لم تغادر صور الأطفال الذين تحولوا إلى هياكل عظمية، قبل 60 عاما، الذاكرة الجماعية للعالم بعد. ورغم أن الكارثة في القرن الأفريقي اليوم لم تصل بعد إلى هذا الحد، فإن حجمها كان كافيا ليدفع بالمنظمات الإنسانية لدق ناقوس الخطر. فهناك 11 مليون شخص في المنطقة بحاجة ماسة لمساعدات للبقاء على قيد الحياة. وحركة الشباب التي تسيطر على 60% من الصومال تشكل العائق الأساسي أمام المنظمات الإنسانية لإدخال الإغاثة، إما بسبب المخاوف الأمنية، أو خوفا من أن تسيطر الحركة على الإغاثات وتبيعها أو تفرض عليها الضرائب.
لذلك لم يكن مستغربا أن تقفز الصومال إلى طليعة اهتمامات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) التي تعتبر من أكبر المانحين في مجال التنمية في المنطقة، والتي أعلنت تخصيص 460 مليون دولار للمساعدة في التصدي للكارثة. ولكن إذا كان التصدي للمجاعة في القرن الأفريقي هو الهم الأول للوكالة في الوقت الحالي، فإن التغيرات التي تشهدها المنطقة العربية تفرض على الوكالة تحديات قد تكون أكبر، إن لم تكن بحجم التصدي لمجاعة.
«الشرق الأوسط» التقت نائب مدير الوكالة دونالد شتاينبرغ خلال زيارته إلى لندن، وسألته عن التحديات التي تواجه الوكالة في العالم العربي، ودورها في الثورات العربية. وهنا نص الحوار:
* الكثير من البلدان العربية تشهد تغيرات تاريخية، هل دفعكم ذلك لإجراء مراجعات لبرنامج مساعداتكم في المنطقة؟
- ليس هناك مراجعة للمساعدات عبر «USAID»، ولكن بالطبع تجاوبنا مع فرص جديدة لتشجيع النمو الاقتصادي والديمقراطية والحكم في المنطقة. في تونس مثلا، مدير الـ«USAID» غادر البلد للتو، وكانت هناك لقاءات مع مجموعة واسعة من ممثلي الحكومة والمجتمع المدني لنرى كيف يمكن دعم التحول الديمقراطي في تونس، ودعم ليس فقط مؤسسات الدولة، بل مؤسسات المجتمع المدني، والنمو الاقتصادي والتأكد من حصول انتقال للسلطة بشكل مستقر. وفي مصر، حولنا مساعداتنا بشكل ندعم فيه الآن مجموعة واسعة من الأفرقاء لتعزيز الديمقراطية والحكم، إضافة إلى برامجنا التقليدية التي ركزت على الزراعة والتعليم والمياه والصرف الصحي وبناء البنية التحتية.
لذلك نحن نرد بشكل فعال، وبالتعاون مع الأشخاص في البلدان المعنية، ونستغل أي فرصة للعمل مع قوى التغيير في المنطقة. وفي ليبيا، الحكومة الأميركية اعترفت للتو بالمجلس الانتقالي الليبي كصوت شرعي للشعب الليبي، وننظر إلى أساليب لدعم جهودهم.
* الرئيس الأميركي باراك أوباما أصدر في سبتمبر (أيلول) الماضي توجيها لسياسة التنمية الأميركية، دعا فيه إلى أن تكون الإصلاحات السياسية والاجتماعية شرطا أساسيا مسبقا للمساعدات الخارجية. هل تطبقون هذه السياسة؟
- عندما قال ذلك، كان يقول إنه لكي تكون المساعدات الأميركية فعالة بشكل تام وتصل إلى أهداف التنمية الاقتصادية والعدالة الاقتصادية، مثل تخفيض الفقر وتحقيق أهداف الألفية (التي حددتها الأمم المتحدة)، يمكن فقط تحقيق ذلك في بيئة من الحكم الرشيد والديمقراطية، لذلك عندما قال: شرط أساسي، ما عنى ليس أننا سنجلس ونحكم على كل مجتمع إذا ما كانت إنجازاتهم في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية (كافية)، ولكن هذه أهداف نسعى لتحقيقها، وهي بدورها تسهل التنمية الاقتصادية.
* هناك انتقادات توجه إليكم في مصر، خصوصا حول تمويلكم برامج تتعلق بالديمقراطية والحكم، حيث تتهمون بأنكم تسعون لممارسة نفوذ وتأثير عبر هذه البرامج التي تتخذونها غطاء. كيف ترد على هذه الاتهامات؟
- الكثير من التمويل الذي نقدمه هو لمنظمات دولية غير حكومية تدعم عمليات التحول الديمقراطي، والشعب المصري يعرف ذلك، لأن العملية تتم بشفافية، وإذا كانت هناك اتهامات أين تذهب الأموال، نحن منفتحون (على مناقشتها). في الكثير من الحالات، المساعدات مصممة لدعم العمليات الانتخابية التي تدعمها الحكومة والمجتمع المدني، كما أن برامج مساعدتنا مفتوحة لكل الأفرقاء في مصر.
* لننتقل إلى تونس، أحد الأسباب غير المعلنة لتأجيل الانتخابات هناك، كان الخوف من فوز حزب النهضة الإسلامي. لو فاز هذا الحزب في الانتخابات المقبلة قريبا، هل ستغيرون سياسة مساعداتكم في تونس؟
- برامجنا مصممة لدعم العمليات الديمقراطية والفترات الانتقالية، وأي حزب ملتزم بالحكم الديمقراطي نحن مستعدون للعمل معه. أي حزب يعمل في إطار دستوري متفق عليه من قبل الشعب التونسي نحن مستعدون للعمل معه.
* لنتحدث عن لبنان، الولايات المتحدة تصنف حزب الله منظمة إرهابية...
- صحيح.
* إذن كيف تتعاملون مع الحكومة الحالية التي تم تشكليها من حزب الله وحلفائه فقط؟
- نحن نراجع الوضع اعتمادا على القوانين الموجودة (التي تصنف حزب الله كمنظمة إرهابية). في الماضي تمكنا من العمل مع حكومات كان فيها مشاركة من قبل حزب الله، عبر عدم العمل مع وزراء الحزب. وهذه المرة نراجع الوضع (لأن حزب الله يهيمن على الحكومة).
* متى تنتهي هذه المراجعة؟
- ليس هناك توقيت محدد للانتهاء من المراجعة.
* هل المساعدات متوقفة الآن ريثما تنتهي المراجعة؟
- ليس لدي معلومات حول هذا الأمر.
* واشنطن اعترفت قبل أيام بالمجلس الانتقالي الليبي كممثل شرعي للشعب الليبي، هل من مشاريع مساعدات محددة للمجلس وفي المناطق الخاضعة لسيطرته، تبحثونها؟
- نراجع ذلك كجزء من فريق التواصل حول ليبيا الذي اجتمع مؤخرا. الولايات المتحدة وبلدان أخرى تنظر إلى إعادة بعض الممتلكات التي صادرناها (جراء العقوبات). ولكن كلنا لدينا مصلحة في أن نرى المجلس الانتقالي الليبي مستقرا ولديه القدرة على دعم الشعب.
* ماذا عن اليمن حيث هناك قلق من تزايد قوة «القاعدة» مع استمرار تأزم الأوضاع السياسية والفوضى على الأرض؟ هل أوقفتم مساعداتكم إلى هذا البلد؟
- دعمنا لليمن لا يذهب عبر الحكومة، مساعداتنا تتركز خارج العاصمة، مع المجتمعات المحلية، وفي الوقت الحالي هذا مستمر. ونحن نؤمن أيضا مساعدات إنسانية لنحو 400 ألف نازح، وهذه المساعدة مستمرة.
* هل تعتقد أن البرامج التي مولتموها طوال السنوات الماضية ساعدت، بشكل أو بآخر، على حصول هذه الثورات في العالم العربي؟
- نعم، إنما هذه الثورات ولدت في الداخل، والشجاعة التي ظهرت هي بفضل الأشخاص في البلدان المعنية. ولكن بالفعل أؤمن بأنه في بلدان مثل مصر تحديدا، دعمنا لنمو المجتمع المدني ولأنواع أخرى من التواصل، سهلت (حصول) ما نرى. ولكن الفضل كله يعود إلى الشعب المصري والشعب التونسي والشعب الليبي.
* المنطقة العربية تشهد تطورات قد تغير وجه الكثير من البلدان، وهناك مخاوف من فوز أحزاب إسلامية متطرفة في بعض هذه البلدان، قد تكون سياستها عدائية ضد الولايات المتحدة. في ظل هذه التغيرات والمخاوف، كيف ترى مستقبل المساعدات الأميركية؟
- في معظم البلدان التي نتحدث عنها تركيزنا هو على التنمية الاقتصادية، ركزنا على برامج تعليم خصوصا في بلدان مثل مصر... وبرامج متعلقة بالصحة، وبنينا الكثير من البنى التحتية... وطوال العقود الماضية دعمنا منظمات المجتمع المدني التي وقفت مؤخرا ودعت للتغيير الديمقراطي الذي نشهده الآن. في المستقبل، التهديد الرئيسي للانتقال الذي نشهده الآن يأتي في الناحية الاقتصادية، بالنسبة لـ«يو إس أيد». علينا بذل كل جهدنا للتأكد من أن هناك أرباحا من العملية الانتقالية، لكي يرى المصريون والتونسيون والليبيون تغييرا أساسيا في حياتهم من الناحية الاقتصادية، لجهة خلق فرص عمل وتأمين الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء وغيرهما.
* ألا تشعر بالقلق من أن تنقلب سياستكم، خصوصا تمويل برامج حول الديمقراطية، ضدكم؟
- لا، لأننا نريد أن نعمل مع حكومات هذه البلدان عندما تكون ديمقراطية وتعكس إرادة الشعب. هذه فترة صعبة خلال المرحلة الانتقالية، في مصر وغيرها، حيث هناك حكومات ما زالت لديها شرعية ولكنها ليست منتخبة ديمقراطيا. ولذلك خلال المرحلة الانتقالية سنبذل ما بوسعنا لدعم الشعوب، ونتطلع لانتخاب حكومات ديمقراطية تمثل الشعب.
* وستعملون مع من ينتخبه الشعب أيا كان؟