حوارات نُشر

خديجة بلهادي: المرأة الجزائرية لها القدرة على الأداء المهني العال

 في حوارها مع «إيلاف» تتحدث السيدة بلهادي خديجة، رئيسة جمعية الجزائريات المسيرات وسيدات الأعمــال عن أهم التحديات و العراقيل التي تواجه سيدات الأعمال بالجزائر، و ذلك من خلال سرد فصول من تجربتها الشخصية التي جعلت منها إحدى أهم قصص النجاح للمرأة الجزائرية، وهي اليوم تترأس جمعية سيدات الأعمال بالجزائر، و عضو بارز بشبكة «بيزنس وومن نات وورك» والتي تضم نساء أعمال عشر دول عربية، وكشفت بالمناسبة السيدة بلهادي عن لقاء مرتقب يضم أكثر من مائة سيدة أعمال شهر نوفمبر المقبل بالجزائر من دول الشرق الأوسط وإفريقيا والولايات المتحدة الأميركية.

«أولا سيدة خديجة فكرة تأسيس شركة بناء من طرف امرأة في الجزائر في حد ذاتها تعتبر تحد، لكن نريد أن نعرف هل هناك شخص وقف بجانبك، وشجعك على خوض غمار المنافسة الشرسة وأحيانا » غير الشريفة في عالم البناء والانجاز، كيف تمكنت من تجاوز النظرة السلبية للمجتمع في هذه المسألة تحديدا؟

لا لم ينصحني أو يشجعني أحد، لكنني فكرت بنوع من العقلانية وبنظرة مستقبلية، أدركت أن قطاع البناء في الجزائر، سيكون قطاع استراتيجي ومهم مستقبلا، لأن الجزائر تعاني من أزمة سكن، ونسبة النمو الديمغرافي فيها في تزايد مستمر، لذلك أدركت أن الاستثمار في مجال البناء سيكون استثمار مربح، أما فيما يتعلق بنظرة المجتمع التي ترفض تواجد امرأة بجانب الرجل خاصة في القطاعات الثقيلة مثل البناء أو غيرها، فأنا في الحقيقة لم أعاني منها، بل بالعكس وجدت ترحيب و تجاوب كبير مع الوسط الرجالي الذي اشتغلت فيه، أنا لم أشعر بنظرة إقصاء أو نظرة دونية، بل على العكس تماما كان هناك تشجيع، وتحفيز كبير لي، كان أمين عام ولاية البويرة يقدم لي مساعدات مهمة، رغم أنه لا يعرفني تماما، لكنه كان يعرف الشركة ولديه نظرة ايجابية على أدائها، بشكل عام لم تكن لدي مشاكل خاصة بي، صحيح كانت هناك بعض العراقيل الخاصة أساسا بالدفع، أو الحصول على الأموال بعد الانتهاء من انجاز المشاريع ، وهذا المشكل يعاني منه كل المقاولون، ولست أنا وحدي فقط ، لأنني امرأة، و بعد انفتاح السوق، تم تأسيس جمعية أرباب العمل الجزائريين، وكنت أنا المرأة الوحيدة في الجمعية ، وشغلت حينها منصب أمينة عامة، المهم أنني لم اشعر يوما ، أن هناك إقصاء لي بسبب كوني امرأة.

وماذا عن شركتك الآن نريد أن نعرف ما هي أهم المشاريع التي قمت بانجازها و التي هي في طور الانجاز؟

أسست شركة بناء خاصة و كان ذلك عام 1985 ومنذ عام 1986 ، شهدت الشركة نموا وتطورا ملحوظين بفضل التعاون مع شركة موندو متعددة الجنسيات والمجهزة الأولى في العالم للأسطح الرياضية ، وملاعب العشب الاصطناعي والمسارات الرياضية.

وأصبحت الموزعة الحصرية لمنتجات هذه الشركة بالجزائر ، كان ذلك سنة 1993، و من حسن حضي أن هذه الشركة قامت بانجاز إستاد 5 يوليو أحد أكبر الملاعب الجزائرية، ولم تستطع إتمام عملية الانجاز، فقمت بإكمال انجازه، و تهيئة أرضيته، إلى جانب هذا قمت بإنجاز أول أرضية العاب قوى من انجاز شركة جزائرية مائة بالمائة، و كان ذلك بمدينة سكيكدة شرق الجزائر، أما عن واقع الشركة اليوم، فأنا صراحة لم أصل إلى المستوى الذي كنت أحلم به، و ذلك بسبب المنافسة غير الشريفة، لكن رغم ذلك رفعت التحدي، والآن أنا بصدد انجاز عدة مشاريع أهمها انجاز ثاني أكبر قاعة رياضية مغلقة خاصة بألعاب القوى في قارة إفريقيا بمدينة بن عكنون بالعاصمة الجزائر، علما أن أكبر قاعة موجودة بجنوب إفريقيا ، إلى جانب انجاز ثلاثة ملاعب كرة قدم في كل من قسنطينة ، و بني مسوس ، وبرج الكيفان.

لكن رغم هذا رأينا أنه علينا أن نقوم بعمل مضاعف من أجل توفير خدمات في مجالات أخرى ، مثل الأرضيات للمباني والمستشفيات ، إن تقنية تعزيز الإطار الخشب الرقائقي تعتبر من أهم الإنجازات التي حققناها ، وتستخدم هذه التقنية في العديد من البلدان في العالم ، كما تعتبر التقنية الأكثر وثوقا والأعلى جمالية من وجهة نظر المهندسين المعماريين وفن العمارة المعاصر.

وما هي أهم العراقيل أو المشاكل التي تواجه النساء الحاملات للمشاريع الإقتصادية بالجزائر؟

لقد قمت بمجهود شخصي كبير جدا لتحقيق النجاح وإثبات أن المرأة لها نفس القدرة على أداء مهني عال في الجزائر ، على الرغم من العقبات الكثيرة التي تواجهها في سوق العمل. وأنا شخصياً تعين علي التغلب على عدد من العقبات التي هي متعارف عليها عند المرأة الجزائرية.

ومن هذه العقبات التي واجهتني: أولا، والأهم، هي محدودية الوسائل المالية، ثانيا، أن العمل التجاري يواجه صعودا وهبوطا في اقتصاد السوق الحر ، كما يواجه البيروقراطية، والافتقار إلى الائتمان المصرفي، وعدم تطبيق المعايير في تشييد المباني ، والفساد، في مواجهة هذه التحديات، أشعر بالفخر أنني قمت بوضع البنية التأسيسية للعديد من المنشآت الرياضية في الجزائر التي تم إنشاؤها للمناسبات الرياضية الكبرى، وفي أغلي الأحيان كنا نباشر بالعمل وننجزه فقط قبل وقت قصير قياسيا من بدء المنافسات.

«عموما المرأة الجزائرية لا تستطيع انجاز مشاريعها بسهولة ، أتكلم عن نفسي ، حصولي على هذه المشاريع كان بمثابة المعجزة ، أو دخول معترك حرب ضارية ، في بعض الأحيان أدخل في مناقصات و أتحصل على المشروع لكن في النهاية يتم تحويله لشخص آخر لسبب واحد، وهو أنني امتنع عن دفع » رشوة لطرف أو ذاك، مثال ذلك مشروع في مدينة بن عكنون، وآخر بمدينة سطاوالي وآخر بالمعهد العالي لتكنولوجيا الرياضية، هناك مشاريع أنهيت أشغال انجازها، و أنا انتظر لمدة تزيد عن العام من اجل الحصول على مستحقاتي المالية، و دون تقديم أي مبررات لذلك، فضلا عن هذا نحن نواجه مشكل الحصول على تمويل من البنوك الجزائرية، لأن المنظومة البنكية في الجزائر لا تساعد مطلقا المستثمرين على أداء عملهم بشكل سلس و سريع ، لكن يبقى أن هذه المشاكل لا تخص النساء فقط، هي عراقيل يعاني منها الكثير من المستثمرين دون تحديد جنسهم.

هذا فيما يتعلق بالجو العام بالجزائر أما على المستوى الخارجي اليوم تضطر السيدات من أصحاب الأعمال والمديرات إلى التعامل مع الاضطرابات الخطيرة والسريعة في العالم المالي وعلى رأسها المنافسة الشديدة بين أصحاب المشاريع والفرص محدودة لهم أيضا ، لتحقيق النجاح في منطقة الشرق الأوسط ، يجب علينا التكيف مع وسائل الاتصال الفوري، والتوسع في شبكات المعرفة والاتصال، والابتكار المتواصل، والانتشار العالمي، صاحبات المشاريع تواجه نفس الصعوبات التي تواجهها الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، هذه المشاكل عادة ما تكون في فرص الحصول على الائتمان المالي اللازم، و تأمين الاتصالات وفرص التدريب أيضا لمساعدتهم على النجاح، فمن المهم للمرأة في قطاع الأعمال تطوير شبكات بالتعاون مع نظيراتها في الأعمال والمشاريع. بعض النساء صاحبات المشاريع الرائدة لا تتحركن في دوائر الأعمال التي من شأنها أن تتيح لهن تحقيق أقصى قدر من الفرص. العديد من سيدات الأعمال بدأن بتأسيس الشركات الصغيرة التي لا تزال صغيرة حتى اليوم دون السعي نحو تطويرها وتوسيع حجم إنتاجها.

عموما سيدة بلهادي هل أنت راضية عن المستوى الذي وصلت إليه نساء الأعمال في الجزائر؟

النساء الجزائريات يمتلكن شجاعة كبيرة ، ورغم أن هذه الفئة قليلة ألا أنهن رفعن شعار التحدي رغم المتاعب التي يواجهنها يوميا في أعمالهن ، لكن هناك عدد كبير من الحرفيات ، لكن أنا أقول أن المرأة الجزائرية اليوم أصبحت لا تخاف ، و لا يوجد أي ميدان الآن في الجزائر خاص و حكر على الرجال دون النساء.

وفيما يتعلق بجمعية الجزائريات المسيرات و سيدات الأعمال كيف جاءت فكرة التأسيس وما هي أهم الأنشطة التي قمت بها و ماذا عن أجندتكم المستقبلية؟

نحن كجزء من شبكة سيدات الأعمال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا BWN أتيحت لنا الفرصة من خلال هذه المؤسسة أن نحصل على فرص جديدة لتحقيق إستراتيجيات مستقبلية، كما أنها فتحت الطريق لنا لمزيد من الابتكار. نحن نتعاون في تشكيل شراكات مع الشركات والجامعات ومراكز البحوث والمنظمات غير الحكومية. وتبين تجربة سيدات الأعمال أنه عندما تتاح لهن الفرص لإطلاق وتطوير شركاتهم الخاصة ، فإنهن يحصلن من حكوماتهن على الدعم الكافي لمواصلة العمل.

وأنا أعتقد اعتقادا جازما، أن تعزيز المواطنة الإيجابية، حيث كل من الرجل والمرأة يكملان بعضهما البعض ، وعلى حد سواء، في مجال الأعمال التجارية والإنتاجية و في مساهماتهم في بناء المجتمع وعملية التنمية بعامة، إنما هوا لسبيل الأوحد لتحقيق التقدم في المجتمعات المعاصرة.

أما عن ظروف التأسيس فأنا دائما مؤمنة بفكرة العمل ضمن إطار الجماعة، لأنني أعتقد يقينا أن الفرد لوحده لا يستطيع انجاز ما يريد في كل المستويات، لذلك انخرطت في غرفة التجارة و الصناعة لولاية الجزائر منذ 1986 تاريخ تأسيسها، وعن الفكرة فهي جاءت بعد مشاركتي في دورة تكوينية موجهة للنساء المقاولات، من تنظيم البنك الدولي بالولايات المتحدة الأميركية، و كانت الدورة تضم 18 مشاركة من عدة دول عربية مع نساء أعمال أميركيات، و قد أودعت 22 امرأة من الجزائر طلب المشاركة على مستوى سفارة أميركا بالجزائر، هذه الأخيرة اختارت امرأتان وكنت أنا إحداهن، بعد ذلك انتقلنا إلى العاصمة واشنطن، وإستمرت الدورة على مدار شهر كامل، شاركنا خلالها في ندوات وحلقات نقاش، و كانت مجموعة من النساء يمثلن جمعيات.

حينها رأينا أن مشاركة النساء النشطات في جمعيات منظمة هن الأفضل من حيث الأداء والتأثير داخل مجتمعاتهن، وبعد عودتنا من أميركا نظم لنا، لقاء آخر بالأردن يضم النساء العربيات، و بعد عودتنا الجزائر، قررنا تأسيس جمعية تضم مقاولات ومسيرات من الجزائر، من أجل تنسيق الجهود والدفاع عن مصالح هذه الفئة، لكن بسبب وجود فئة عريضة من النساء العاملات في القطاع العام ، قررنا أن تضم الجمعيات إلى جانب المقاولات النساء المسيرات لشركات في القطاع عمومي أو الخاص، إلى جانب هذه الفئات أيضا هناك الحرفيات، والحاملات لمشاريع و اغلبهن جامعيات أكملن دراستهن و يحملن أفكاراً تجارية، ونحن نقدم لهن الدعم من أجل تحقيق هذه المشاريع.

أما فيما يتعلق بأهم النشاطات التي نظمتها الجمعية أهمها محاولة خلق نوع من التقارب بين الشركات الجزائرية و الأجنبية، من خلال تنظيم دورات تكوينية عديدة في مجال التسيير والادراة مع شركاء من ايطاليا و ألمانيا، وقمنا كذلك بتنظيم أنشطة داخلية أهمها تكريم الطلبة الجامعيين المتفوقين في الموسم الدراسي 2009 على مستوى 16 جامعة بالجزائر بولايات الوسط، ومن الصدف أن كل المتفوقين هم إناث أي طالبات، كما قمنا مؤخرا بتنظيم دورة تكوينية بين جامعتي الجزائر و وهران هدفها جعل الطالب يمتلك رغبة في تأسيس شركة خاصة، وهي موجهة للذكور والإناث في آن واحد، لأن إستراتيجيتنا المستقبلية في العمل تضم الرجال والنساء دون تمييز في عملية التكوين، وقد شارك فيها نحو 150 متربص، ومن هؤلاء قمنا باختيار 10 أفكار، وقامت إحدى الجمعيات الاسبانية بتمويلها، كما أنهم تحصلوا على فرصة تكوين لمدة أسبوع باسبانيا، و لقاء مع سيدات أعمال اسبانيات، ومن أنشطة الجمعية مستقبلا عقد لقاء بين سيدات الأعمال الاسبانيات و الجزائريات شهر أكتوبر المقبل، وفي شهر نوفمبر سيكون لقاء أوسع لمدة ثلاثة أيام بالجزائر يضم سيدات الأعمال جزائريات و سيدات الأعمال بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وسيدات الأعمال من دول افريقية أخرى ومن الولايات المتحدة الأميركية، وسيضم اللقاء نحو 100 مشاركة.

وهل هناك شراكات بين سيدات الأعمال الجزائريات مع نظيرات من دول عربية أخرى؟

«لا في الوقت الحالي لا توجد هناك شراكات، لكن هناك مشروع تم التحضير له منذ أكثر من ثلاث سنوات، وهو تأسيس جمعية دولية تضم 10 دول عربية ومقرها البحرين، إسمها » بيزنس وومن نات وورك وبتمويل أميركي، وعن طريق هذه الجمعية سنحدد خطوات العمل المشترك مستقبلا، لكنني متفائلة بشان العلاقات الثنائية بين نساء الأعمال الجزائريات مع غيرهن من نساء اّلأعمال في دول عربية أخرى.

خلال خطاب اوباما الموجه إلى العالم الإسلامي كنت من بين السبعة جزائريين الذين حضروا في أميركا مراسيم إلقاء هذا الخطاب كيف كانت مشاركتك؟

نعم كان لي الحظ أن أكون ضمن أحد الشخصيات الناجحة في العالم العربي التي تم حضرت مراسيم إلقاء هذا الخطاب، وهو خطاب موجه إلى العالم الإسلامي هدفه محاولة ربط علاقات ايجابية و مثمرة ما بين الولايات المتحدة و العالم العربي، وعلى هامش هذا الخطاب تم تنظيم حلقات نقاش بين رجال الأعمال العرب ونظرائهم الأميركيين، وتم تأسيس مكتب دراسات أميركي يشرف على متابعة تنفيذ توصيات هذا اللقاء، ومن بين أهم التوصيات تأسيس مكاتب إقليمية في الدول المشاركة من اجل تمتين ومتابعة العلاقات بين رجال الأعمال المشاركين، وسيكون لكل دول مكتبها المحلي في حين يتم تأسيس مكتب إقليمي يضم دول شمال إفريقيا، ومكتب آخر يضم دول الشرق الأوسط، و عمل هذه المكاتب سيركز على استقطاب فئة الشباب بشكل خاص إلى مجال الأعمال، لأن هذه الفئة هي الرهان المستقبلي لنهضة وتطور الدول العربية لأجل ذلك فهي تستحق الرعاية و الاهتمام وأيضا التكوين.

إيلاف


 

مواضيع ذات صلة :