سيف مهيوب العسلي بروفيسور يمني في الاقتصاد قدّم استقالته من منصب وزير التجارة والصناعة في نفس يوم تعيينه وذلك احتجاجًا منه على نقله من وزارة المالية عندما بدأ بإصلاح الفساد المتراكم فيها، وقد تمّ نقله من وزارة المالية إلى وزارة التجارة والصناعة وذلك بسبب الضغوطات من قبل المتنفّذين والفاسدين في الدولة الذين حاربهم وهو في وزارة المالية.
قال العسلي في حواره مع الراية الأسبوعية أن دور قطر كبير في دعم اليمن سياسيًّا واقتصاديًّا، وأنها تعرّضت للاتهام من النظام السابق لوقوفها مع الثورة السلمية، لكن الآن عادت المياه إلى مجاريها بعد زيارة رئيس الوزراء اليمني للدوحة مؤخرا.وأكد أن المشروعات القطرية المزمع إنشائها في اليمن ستفيد الفقراء كثيرا مشيرا إلى أنه لو حدث وتعطل أي مشروع فسيكون اليمن هو المخطئ.والى الحوار
> برأيك ما الدعم المأمول أن تقدّمه قطر في المرحلة المقبلة لليمن ؟
- قطر لديها مشروع طموح هو أن تكون مركزًا علميًّا في المنطقة، وتستثمر جزءًا كبيرًا من مواردها في هذا المضمار، وهنا نستطيع أن نلمس مصالح متبادلة بغضّ النظر عن البعد السياسي، اليمن لديه تعداد سكاني كبير ومشروع قطر تحديثي يحتاج إلى العمالة، وبالتالي يُمكن أن يكون هناك تكامل بين قطر واليمن، وهذا يتطلب أن نبتعد عن الجوانب السياسية ونُركّز على المصالح الحقيقية المتبادلة.
وأعتقد أن قطر متمثلة بقياداتها الحكيمة تُفكّر بمصالحها جيّدًا، وكان ينبغي علينا أن نستغلّ هذا الجانب ولا نُقحم الجوانب السياسية في علاقاتنا مع قطر.
نحن باليمن لدينا مصالح استراتيجية مع دولتين أساسيتين هما: السعودية وقطر، السعودية دولة كبيرة وتستوعب جزءًا كبيرًا من العمالة اليمنية، وقطر لديها مشروع تحديثي كبير وهائل ما يجعلها تحتاج إلى العمالة اليمنية، وعلينا أن نتعامل مع الدولتين بنفس المعايير.
وأنا أتمنّى أن نُحافظ على علاقتنا الطيّبة مع الدولتين ولا ننجرّ وراء قضايا تعوق تبادل المصالح المشتركة.
> عاد رئيس الوزراء مؤخّرًا من قطر وهو يحمل لنا بشرى سارة وبأنه ستُقام مدينة حمد الطبية في تعز.. هل لديك معلومات إضافية؟
- القطريون قالوها بصراحة: لدينا مال فائض ونُريد أن نستخدمه في البلاد العربية أولاً ولكن هذا المال لن يذهب إلا إلى مشاريع تنموية تُحقّق الاستفادة والاستدامة لفقراء اليمن، وبالفعل تقدّمت قطر بمشاريع كثيرة مثل تحويل مدينة مأرب إلى مدينة سياحية شاملة متكاملة، وتمّ إجهاض هذا المشروع الضخم من جانب النظام السابق ولا ننسى شركة الريان القطرية التي بدأت تنفيذ بعض المشاريع وتمّ إجهاضها أيضا.
أما مشروع مستشفى حمد فإنه يتم تداول أمره منذ عام 2006 وحتى الآن ولم يتم البدء فيه، ولسوء الحظ كان يتم تعطيل المشاريع إمّا بسبب المماحكات السياسية من جانبنا أو محاولة الهجوم على قطر، وطبعًا لن تقبل قطر أن تُساعدنا ونحن نُهاجمها.
ونحن للأسف الشديد لم نستطع فهم العقلية القطرية، ولم نستطع أن نتعامل معها وبالتالي فإن هذه الوعود ربّما تصطدم بالواقع ولا يتم تنفيذها، وقد لا يكون لقطر ذنب في هذا وإنّما من جانبنا نحن في اليمن لأننا لم نفصل السياسة عن الاقتصاد ولم نفهم التوجيهات القطرية ولم نعدّ الإعداد الجيّد لهذه المشاريع وتقديم كل الضمانات والمتطلبات الضرورية للتنفيذ.
> هل كان لك تواصل مع القيادات القطرية عندما كنت وزيرًا للمالية؟
- ذهبت إلى قطر لحضور مؤتمر عن التربية والتعليم، وحينها كلفني الرئيس السابق بأن أبدأ حوارًا مع القطريين لمناقشة سبل التعاون، وكان من البديهي أن أتواصل مع سفيرنا في قطر لتحديد بعض المواعيد للقاء بعض القيادات البارزة والمهمّة في الدولة، فتظاهر السفير اليمني في قطر بأنه حاول وفشل، ولكن علمت بعد ذلك أن الرئيس السابق اتصل بالسفير اليمني في قطر وأمر بألاّ يتم ترتيب مثل هذه المواعيد وعرقلتها تمامًا وعُدت الى صنعاء خالي الوفاض تمامًا.
> يُقال إنك دخلت في صراع مع بعض مراكز القوى في الدولة على خلفية تقليص ميزانيات واعتمادات خاصة بهم، فهل هذا الصراع كان من أسباب إقصائك من وزارة المالية؟
- لقد فُوجئت بعملية إقصائي من وزارة المالية لأنها تمّت في اللحظات الأخيرة، وكنت أعتقد أن اليمن وصل إلى مرحلة لا يُمكن فيها تطبيق الإصلاحات بوتيرة أقل ولا يُمكن المجاملة في تطبيق هذه الإصلاحات، لأني كنت أرى الأوضاع ستصل إلى ما وصلت إليه الآن وكان هدفي هو دافعي بأن أمضي بالإصلاحات بتلك السرعة والكيفية حتى نتجنّب ما حدث الآن.
والآن لسوء الحظ وجهة نظري لم تكن مفهومة للحكومة ولا للرئيس السابق ولا لغيره، وكانوا يعتقدون أن ما أقوم به نوع من أنواع الشطط والتسرّع بالقفز على أرض الواقع. ولقد واجهتني عقبات كثيرة من الحكومة ومجلس النواب وحتى من الرئيس السابق والتجّار لأن رؤيتي لم تكن مفهومة لديهم بالرغم من أني استخدمت كل وسائل الإعلام الممكنة لإيضاح أن ما أقوم به ليس طموحًا شخصيًّا وليس حبًّا في تحقيق المستحيل بل كان ضرورة لا بدّ منها حتى يتم تجنيب البلاد عواقب الإهمال التي حدثت الآن.
> هل كنت بالنسبة لهم نقطة خطر لأنك تسير على قيم واضحة وهم يطلبون أشياء أخرى قد تضرّ بالبلاد؟
- نعم ..كان هذا السبب هو أحد الجوانب، لكن الجانب الآخر والأكثر أهميّة أنهم لم يكونوا يُدركون واقعهم وما هم عليه مقبلون، كانوا يعتقدون أن ما أقوم به ترف ولا معنى له.
> هل لنا أن نعرف الأسباب الحقيقية لرفضك منصب وزير الصناعة والتجارة، وهل كان هذا الرفض احتجاجًا على إبعادك من وزارة المالية؟
- تقدّمت برسالة إلى الرئيس السابق بأني أُريد البقاء في وزارة المالية أربع سنوات وهي ضرورية حيث إن الإصلاحات لا بدّ لها أن تُؤسّس ويكون من الصعب لمن سيأتي بعدي أن يُوقفها أو يُعرقلها وطلبت ذلك صراحة، وتمّت بعد ذلك إزاحتي بعد سنة وشهرين، وتمّ تعيني وزيرًا للصناعة ولم أقبل على اعتبار أن ما سأقوم به هناك سيُهدم في أي لحظة.
وبصراحة أنا كنت وحيدًا ولا يُوجد من يُناصرني ففضّلت البقاء في البيت وأن أترك الأمور تسير على ما هي عليه حتى يصلوا إلى النتيجة التي تُوقظهم وتُعرّفهم بضرورة عملية الإصلاح.
> هل صحيح أنك طلبت اللجوء السياسي وتمّ منعك من المغادرة عقب رفضك لمنصب وزير الصناعة والتجارة؟
- أنا وهبت حياتي لليمن، وهذا قدري فلا أستطيع أن أعيش خارجه، فأنا أفضّل الحياة في اليمن في «عشة» ولا أخرج منه.
> ما هي احتياجات اليمن التنموية التي سيتقدّم بها لمؤتمر المانحين؟
-أعتقد أن اليمن يحتاج لمساعدات خارجية، ولكن يجب أن نأخذ بعين الاعتبار قدرتنا الاستيعابية في المعايير الموضوعية وغير الموضوعية التي يشترطها المانحون. ويجب أن تكون هناك رؤية اقتصادية لتطوير اليمن نابعة من اليمن ذاته وليس كما يقوله الخبراء غير اليمنيين لأنهم لا يعون طبيعة المجتمع اليمني.
وهنا أقول إن اليمن بإمكانه أن يتغيّر إذا تمّ التركيز على ثلاث قضايا مهمّة وهي: الكهرباء، والاتصالات الحديثة، والتعليم عن بُعد، لأن سبعين بالمئة من اليمنيين هم في مناطق جبليّة وعرة ويصعب التعليم فيها لكن بإمكانهم إيصال التعليم له لهم عن بُعد، والتعليم عن بُعد يحتاج إلى اتصالات والاتصالات تحتاج إلى كهرباء، هذه القضايا الثلاث يجب على الحكومة الجديدة أن تُركّز عليها وتتنافس على تحقيقها خلال الـ 5 سنوات المقبلة، وهذا سيُؤدّي إلى أن يكون اليمن منطقة تصدير خدمات حديثة ومساعدة.
> برأيك ما السبب وراء التأجيل المتكرّر لاجتماع مؤتمر المانحين؟
- المانحون يرون أن ما تُقدّمه الحكومة من أوراق غير كافٍ وغير قابلٍ للتنفيذ لذلك يُعطونها الفرصة تلو الفرصة لتحسين أدائها، ولكن للأسف الحكومة السابقة والحكومة الجديدة صم بكم عمي فهم لا يُبصرون.
والغريب في الأمر أن الحكومة تُكرّر المطالب والرؤى نفسها مرّات ومرّات وهذا شيء معيب لليمن، لأننا لم نستغل هذه الفرصة المُتاحة لنا والتي لن تبقى على الطاولة لأجل طويل.
> هل تستطيع الحكومة اليمنية تحقيق إيرادات تفوق 2 تريليون في ظل الانفلات الحاصل وغياب الأمن والأمان وتفاقم مشاكل السياحة وارتفاع أسعار المشتقات النفطية؟
- بالتأكيد لا ولن تستطيع ولكنها تستطيع طبع المزيد من النقود، فإذا ما طبعت النقود فإنها تستطيع أن تُغطّي النفقات التى التزمت بها وسيُؤدّي هذا إلى انهيار الريال وانهيار الريال سيُؤدّي إلى تضخّم شديد وبالتالي انهيار اقتصاد اليمن بشكل كامل.
واستقرار الدولار الشكلي بسبب أن البنك المركزي اليمني حدّد سعرًا ثابتًا للدولار وبالتالي فإنه يُحوّل بعض الصفقات الخارجية بهذا السعر وهذا أدّى إلى استنزاف الاحتياطي وبالتالي لن يستطيع البنك المركزي المحافظة على هذا السعر فترة طويلة، ومن ناحية أخرى فإن المساعدة السعرية التي تمثّلت بمليار وثمانمئة ألف دولار وفّرت على البنك المركزي تمويل السلع بالعملة الصعبة وكأنها زيادة لعرض الدولار، إضافة إلى ذلك أنه تمّ إيقاف معظم النفقات خلال الفترة الماضية، ولا ننسى الجانب النفسي والإشاعات بأن هناك 5 مليارات دولار أُودعت للبنك المركزي وأن هناك مساعدات خارجية ستأتي، كل هذا جعل الناس الذين يحتفظون بأموالهم بالدولار بسرعة التخلّص منه وتحويله إلى الريال، وبالتالي قيمة الريال سوف تنهار.
> وماذا عن الضريبة واستمرار الخلاف بشأن ضريبة المبيعات بين الحكومة والقطاع الخاص؟
- ضريبة المبيعات بين الحكومة والقطاع الخاص مؤامرة وبموجبها فإن الدولة تحصل على ربع الضرائب والربع الآخر يذهب إلى موظفي الضرائب والنصف المتبقي يذهب إلى التجّار، التجّار جميعهم متآمرون مع مصلحة الضرائب حول هذا الأمر لذلك فإنهم يُصرّون على عدم تطبيق قانون ضريبة المبيعات فهم يتحايلون بكل الأعذار والحجج غير المنطقية لعدم العمل بالقانون.
وكان من المفترض أن تعمل مصلحة الضرائب على تطوير البرنامج الآلي من خلال موظفي الضرائب أو من خلال إعادة هيكلة الضرائب وإصلاح الجمارك، بحيث لا تقبل الفواتير المضروبة وإنما تكون أسعار البيع كأسعارها الدولية كما هو موجود في أي دولة في العالم، هذا ما كنت نفّذته عندما كنت وزيرًا للمالية ووقعت اتفاقًا بهذا الشأن مع إحدى الشركات السويسرية التي تتعامل مع 40 دولة وكنّا على وشك أن نبدأ التسعيرة الجمركية.
«» الراية