نحن الآن بصدد موضوعنا الثالث عن الفقر والجوع بالوطن العربي ، بوسعنا الأن أن نضع عناوين عريضة
ويشير ذلك إلى أن نسبة البدانة وما يصاحبها من مخاطر صحية ستكون أعلى في البلدان التي يزيد فيها سوء التغذية بالتلازم مع التطور الحضري .
![]() |
الحروب تهد الدم وتفاقم الفقر |
وتستدعي مواجهة هذا العبء المزدوج المتمثل بالجوع المزمن وتفشي الأمراض غير المعدية الناتج منه ، وضع سياسات خاصة للغذاء تركز على الفئات الضعيفة من الفقراء في المناطق الحضرية والريفية على السواء.
على الرغم من ذلك كله ، لا يرتبط الفقر حتماً بقصور التغذية عندما تميل أنماط الإستهلاك في أوساط الفقراء إلى المواد الغذائية ذات الكلفة الزهيدة ولكن المغذية ، وعندما تكون هذة المواد سهلة المنال.
وحين تتوافر الإحصاءات حول مستويات الفقر ومستويات القصور الغذائي في منطقة ما ، فإن دليلي
القياس قد لا يتداخلان أو يتطابقان على الدوام ؛ فأعداد من يعانون قصور التغذية قد تزيد على أعداد الفقراء في بعض الحالات التي لا يكون فيها تدني الدخل هو الذي يعوق الحصول على الغذاء ، بل قد يكون السبب
عقبات أخرى مثل : عوائق في حركة النقل ، أو اضطرابات سياسية .
وربمت تنخفض أعداد من يعانون القصور الغذائي إلى ما دون أعداد الفقراء ، كما هى الحال في المناطق التي تطبق فيها سياسات حكومية لإمداد الفقراء بالغذاء ، أو التي يتألف الغذاء السائد فيها من أطعمة زهيدة الكلفة ولكنها تلبي احتياجات الجسم من الطاقة .
وعند النظر إلى إحصائيات إنتشار الفقر في البلدان العربية وإلى ترابطها مع إنتشار الجوع والقصور الغذائي ، يلاحظ أن معدلات الفقر الأكثر حدة ( أي عدد من يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم )
والحرمان من واحدة أو أكثر من الخدمات الأساسية ، إنما تتركز في تلك البلدان التي ترتفع فيها نسبة انتشار القصور الغذائي ، أي في البلدان ذات الدخل المتدني ، وهي « السودان وموريتانيا واليمن » .
حيث أن أكثر من 60 % من سكام موريتانيا ، ونحو 45 % من سكان اليمن ، ونحو40 % من سكان مصر
التعايش بأقل من دولارين باليوم
كما تشير البيانات الإحصائية إن عدد الفقراء في البلدان العربية التي تتوافر عنها البيانات يتجاوز أعداد من يعانون القصور الغذائي.
فنسبة من يعيشون على أقل من دولارين في اليوم هي أعلى من نسبة الجياع في الأردن والجزائر والسعودية والسودان وسوريا والكويت ولبنان ومصر والمغرب وموريتانيا ، بينما تتساوى تقريباً معدلات الفقر والجوع في اليمن .
وتؤكد إحصاءات البنك الدولي أن الفقر يفوق قصور التغذية انتشاراً في تونس وفي بلدان أخرى في المغرب والمشرق العربيين عموماً . مع ذلك يلاحظ أن النسبة المئوية لمن يعانون الجوع في الأردن والجزائر والمغرب ، هي أعلى من النسبة المئوية لمن يعيشون في فقر مدقع ، أي على أقل من دولار واحد في اليوم .
في هذا السياق يمكن عقد مقارنات مفيدة أخرى ، إن نصيب الفرد مع الناتج المحلي الإجمالي متقارب في الأردن ولبنان ( 5.530 دولاراً و 5.584 دولاراً على التوالي ) ، وتتقارب كذلك نسبة إنتشار الفقر والجوع في البلدين.
ومن جهة أخرى السعودية وهي من بلدان الدخل المرتفع ليست أحسن حالاً من سوريا ذات الدخل المتوسط ، من حيث نسبة إنتشار الجوع ( وهي 4 % من السكان في كل من البلدين وفق بيانات البنك الدولي ).
ويوضح ذلك مرة أخرى أن توافر الموارد وحدة لا يكفي لتحقيق تنمية المجتمع أو لتحقيق النمو الإقتصادي المستدام .
![]() |
النزاعات تحارب الفقر دون سلاح |
الميليشيات تفاقم الجوع
وفي ظل هذه الظروف لا تؤدي ندرة الغذاء إلى غلاء الأسعار فحسب ، بل يصبح نقله بصورة آمنة من منطقة إلى أخرى عملية محفوفة بالمخاطر الناجمة عن الاعتداءات والابتزاز من جانب الميلشيات وعصابات المجرمين.
ولا عجب إذن أن تحول هذه الأزمات البلدان المعنية بؤراً للكوارث الإنسانية تمتد في تداعياتها إلى البلدان المجاورة ، وتثير القلق في الأوساط الدولية بحيث يستدعي الحجم الهائل لضحايا الفقر والجوع التدخل الخارجي .
كما أعدت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة قائمة تضم ستة وثلاثين بلداً هي الأكثر تعرضاً للمخاطر نتيجة لزيادة أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية وتتطلب ، من ثم معونات غذائية خارجية .
وتشمل القائمة أربعة بلدان عربية بينها ثلاثة تعاني التدخل الأجنبي أو النزاع الأهلي أو كليهما .
فأعتبر الصومال والعراق تعانيان نقصاً إستثنائياً في المحصلة النهائية لإنتاج / تموين الأغذية ؛ وموريتانيا
![]() |
السياسات المالية .. معنا أم ضدنا..؟ |
سياسة تحرير السوق
وعلى الرغم من ذلك دأبت البلدان العربية بمعظمها منذ ثمانينات القرن الماضي على المضي قدماً في تحرير الإقتصاد وإتباع سياسة تحرير السوق ، ولن نصدر الأحكام في هذا السياق على تلك السياسات لكن لا يمكن الإنكار أن هذه السياسات قد جعلت أسعار المواد الغذائية عرضة لتقلبات الأسعار العالمية .
«فمنذ العام 2006 كان على البلدان المستوردة للمواد الغذائية أي الأغلبية العظمى من دول المنطقة ، أن تتحمل تعاظم أسعار الغذاء في أسواق العالم ، وتعزو منظمة » الفاو والبنك الدولي الازدياد المتسارع في الأسعار إلى أسباب شتى بينها التغيرات المناخية التي تركت آثارها في الإنتاج في البلدان المصدرة للحبوب ، والاستنضاب المكثف لمخزون الحبوب وتعاظم استهلاك اللحوم ومنتجات الألبان في الإقتصادات الناشئة ، ولا سيما في الصين.
ومن الأسباب الرئيسية الأخرى تزايد الطلب في الولايات المتحدة وأوروبا على الوقود الحيوي المشتق من الحبوب ، نظراً إلى ارتفاع كلفة النفط والنقل .
وقد أضيف ذلك كله إلى شيوع المضاربة على الحبوب في البورصات العالمية فارتفع سعر القمح ارتفاعاً حاداً بمعدل 200 % ، تواكب مع ارتفاع أسعار السلع الغذائية عموماً والتي بلغت نسبة 75 % منذ مطلع القرن الحادي والعشرين وتفاقمت أزمة الإمداد الغذائي العالمية المترتبة على ذلك في عدة بلدان عربية جراء سوء الإدارة الحكومية لبرامج دعم الغذاء فيها .
والواقع أنه ليس ثمة ما يفرض الالتزام بالتطبيق الشامل لمثل هذة السياسات إذا كانت ستفضي إلى انتشار الجوع
والقصور الغذائي .
وثبت تجربة بعض الدول ولا سيما البرازيل والمكسيك في أمريكا اللاتينية أن من الممكن انتهاج سياسات اقتصادية ليبرالية مع تأمين الحد الأدنى من الغذاء للفقراء.