دين نُشر

الظاهرة العسكرية في الوطن العربي.. في ندوة لمنتدى "منارات"

Imageأشار الباحث محسن خصروف إلى أن الظاهرة العسكرية قد انتشرت في العالم الثالث إلى الدرجة التي أصبح معها التدخل العسكري شبه الدائم هو السمة الغالبة على التفاعل السياسي – الاجتماعي، وصارت السيطرة المدنية هي الاستثناء، وبرزت في هذا الشأن ثلاثة مؤشرات تبين مدى الدور العسكري في القارات الثلاث وتمثلت في:
 1-
كثرة الانقلابات العسكرية التي وصلت في أمريكا اللاتينية إلى ما يربو على خمسمائة انقلاب منذ الاستقلال في الربع الأول من القرن التاسع عشر وحتى بداية السبعينات من هذا القرن، وحقق التدخل العسكري في " بوليفيا " – على سبيل المثال – رقماً قياسياً ، فذكر الانقلاب الذي حدث عام 1964 باعتباره الانقلاب الثمانين بعد المائة خلال مائة وتسعة وثلاثين عاماً من تاريخ الدولة" البوليفية ".
وحدث في أفريقيا 32 انقلاباً بين عام 1963و 1968، ووصلت الانقلابات في قارة آسيا إلى 42 انقلاباً بين عامي 1945و 1972.
أما في المنطقة العربية فقد شهدت 41 انقلاباً عسكرياً بين عامي 1936 و 1970.
2- حجم الميزانية العسكرية التي تراوحت بين .2و 25% من الميزانية العامة للدولة, والتي وإن كان يمكن اعتبارها مؤشراً لخطر خارجي بالنسبة لبعض المجتمعات كدول المواجهة العربية مع إسرائيل, إلا أنها في كل الأحوال تعكس فعالية ومدى الدور العسكري.
3- وضع القوات المسلحة كحكم أساسي في العمليات الاجتماعية.
 4_السياسية وما يرتبط بذلك من مظاهر الحكم العسكري في بعض مجتمعات العالم الثالث حيث تتركز السلطة في يد شخص واحد غالباً ما يكون من العسكريين.
ونوه, في المحاضرة التي ألقاها عصر اليوم في منتدى "منارات" بعنوان" الظاهرة العسكرية في الوطن العربي" بأن تزايد انتشار التدخل السياسي للعسكريين في مجتمعات العالم الثالث أدى إلى حفز اهتمامات الباحثين في العلوم الاجتماعية، بمختلف تفرعاتها, فاتجه بعض من العلماء والباحثين إلى دراسة وتحليل وتفسير تلك الظاهرة التي تجاوز تأثيرها المحيط الذي ظهرت فيه ليمتد إلى العلاقات الدولية التي أثرت وتأثرت بالظاهرة موضوع البحث.    Image
أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط عموماً، والمنطقة العربية على وجه الخصوص، فإنها تتميز بـ ( قدم الظاهر العسكرية ) التي ترجع جذورها إلى ظهور الدعوة الإسلامية، والمحاولات الأولى لنشرها في الأقطار المحيطة بالجزيرة العربية، ثم فتح تلك الأقطار والسيطرة عليها لتشكل فيما بعد قاعدة انطلاق للجيوش الإسلامية التي تمكنت خلال مائة عام على وجه التقريب من الوصول إلى أبواب أوروبا بعد أن تم لها السيطرة على شمال أفريقيا ومناطق واسعة من آسيا. لقد أدى ظهور الإسلام ونشر دعوته عن طريق الفتوحات العسكرية – كإحدى وسائل نشر الدعوى – إلى الإعلاء من شأن المقاتلين العرب والمسلمين، وأضفى عليهم نوعاً من الهيبة والتقدير، وحظي كثيرون منهم بمكانات سياسية واجتماعية رفيعة.
ففي خضم معارك الفتح الإسلامي، وبعد كل انتصار تحققه الجيوش الفاتحة، كان قادتها هم الذين يمسكون بزمام الحكم في البلد المفتوح، وكان قائد الجيش- في الغالب – هو والي المسلمين فيها، وجمع كثير منهم بين كونه قائداً عسكرياً وحاكماً سياسياً وداعية فيها، وجمع كثير منهم بين كونه قائداً عسكرياً وحاكماً سياسياً وداعية دينياً.
وصار قادة وضباط وأفراد الجيوش الإسلامية, في مابعد, فئة متميزة في المجتمع الإسلامي، مادياً ومعنوياً، وأصبح لكثير منهم مصالحهم الاقتصادية والسياسية الخاصة التي تستوجب الدفاع عنها, وتحديد المواقف في ضوئها.
لقد بدا دور العسكريون السياسي بوضوح عندما بدأ الصراع على السلطة السياسية في الدولة الإسلامية يأخذ طابع العنف المسلح بدلاً من " البيعة " و " الشورى " اللذين غيبهما صراع المصالح الاقتصادية والسياسية، إذ غالباً ما كان العسكريون موزعين بين أطراف تلك الصراعات إن لم يكونوا هم أطرفاها الأساسيين, بدءً بمرحلة الفوضى العسكرية (861 – 946م) التي حدثت في ظل الدولة العباسية وما تلاها, ومرورا بالعهد المملوكي الذي انتهى بسيطرة العثمانيين، وانتهاء بالانقلابات العسكرية التركية التي بدأت بانقلاب عام 1876 ضد السلطان عبد العزيز، وانتهت بخمسة انقلابات عسكرية بين عامي 1908 و 1913, ترتب عليها أن أنفرد العسكريون بحق إصدار القرار السياسي في تركيا خلال تلك الفترة.
وقادوا بزعامة " مصطفى كمال أتاتورك ما أطلق عليها حينها " ثورة تحديثية لم يقتصر أثرها على تركيا بل امتد إلى المنطقة العربية التي شهدت أول تدخل عسكري عام 1881م في مصر بقيادة الزعيم" أحمد عرابي " الذي حظيت حركته بتأييد شعبي كبير وكانت بمثابة الخميرة الأولى للدور العسكري في المنطقة العربية التي استيقظت فجر يوم23 يوليو 52 على ثورة عسكرية هي أم التدخلات العسكرية في المنطقة العربية منذ خمسينات هذا القرن.

 

مواضيع ذات صلة :