دين نُشر

العلاقات المصرية الإيرانية: ثلاثون عاماً من التنافر

تتناول الدراسة العلاقات المصرية الإيرانية من حيث تطورها فى النصف قرن المصرم و انتقالها من التنافر فى الستينيات إلى التقارب الشديد فى السبعينيات و عودتها إلى حالة التنافر و الجمود مرة أخرى بعد الثورة الإسلامية فى إيران و ذلك من خلال رصد الملفات الخلافية الأبرز بين القاهرة و طهران خاصة فى الفترة الأخيرة. وتناقش الدراسة كذلك فرص تحسن هذه العلاقات بناء على المحاولات و المعطيات الراهنة. و كاتب الدراسة (جودت بهجت) هو متخصص فى شؤون الشرق الأوسط و أستاذ فى مركز الشرق الأدنى و جنوب آسيا للدرسات الاستراتيجية بواشنطن.   

و يبدأ الكاتب دراسته بالقول بأنه على النقيض من غيرهما من بلدان المنطقة، تتشارك إيران و مصر العديد من الخصائص من حيث التاريخ الحضارى الممتد إلى آلاف السنين و كبر حجم السكان و وجود فئة كبيرة منهم من المتعلمين و المتخصصين فى مختلف المجالات و غير ذلك من الخصائص التى تقوى من الاتجاهات الوطنية فى البلدين.

و يرجع التنافس الإقليمى بين مصر و إيران إلى عقود عدة و ظهر هذا التنافس بصورة واضحة فى عهد موجة المد القومى العربى فى عهد جمال عبد الناصر فى الوقت الذى كان النظام الشاهانى البهلوى متحالف مع الغرب و مع بعض الدول العربية المعادية للاتجاهات الناصرية، و كانت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قد انقطعت طيلة عقد الستينات إلى أن استعيدت فى أغسطس 1970، و كان للتحولات الجذرية التى أحدثها أنور السادات فى سياسة مصر من حيث الانفتاح الاقتصادى و التوجه نحو التحالف مع الولايات المتحدة و عدم قيادة التوجهات العروبية للسياسة الخارجية المصرية دور كبير فى توثيق العلاقات بين طهران و القاهرة، و بدأت بوادر هذا التقارب فى حرب 1973 عندما سمح الشاه للطيران السوفيتى بعبور أجواء إيران لتقديم الدعم للقوات المصرية فى الحرب.

إلا أن شهر العسل المصرى الإيرانى لم يقدر له الدوام. فقد غيرت الثورة الإسلامية التى قادها أية الله الخمينى و أطاحت بحكم الشاه فى 1979 إلى تغيير الأوضاع فى مجمل المنطقة و عودة التوترات و انقطاع العلاقات بين طهران و القاهرة، فمع اللحظات الأولى للحكم الإسلامى هاجم كبار قادة الثورة اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية و رد السادات بقبوله استضافة الشاه فى مصر، و بعد اغتيال السادات فى 1981 اتبع حسنى مبارك كغيره من القادة العرب خطاه و دعم العراق فى حربها مع إيران طيلة عقد الثمانينات. و رغم الانفتاح الذى اتسمت به السياسة الإيرانية فى فترة ما بعد وفاة الخمينى 1989 و شمل هذا الانفتاح العديد من الدول الغربية و البلاد العربية السنية إلا أن مصر تبقى الدولة العربية الوحيدة التى ليس لها سفارة فى طهران منذ أحداث الثورة الإسلامية. 

و بعد هذا الاستعراض لتاريخ العلاقات الإيرانية المصرية، يقول الكاتب أن هذا الموضوع قل أن تناولته الدراسات التى تعلق معظمها بالعلاقات الإيرانية الأمريكية و علاقة إيران بإسرائيل، و تأتى دراسته هذه لمحاولة تغطية هذا الموضوع من خلال مناقشة العلاقات بين القاهرة وطهران فى ضوء عدة ملفات هى: الطائفية و غزة و حزب الله و الخليج العربى و الملف النووى الإيرانى.

الطائفية: آثارت الثورة الإسلامية عند قيامها توجسات معظم الدول الخليجية و ذلك لوجود عدد كبير من الشيعة بين سكانها خاصة مع تبنى النظام الإيرانى الجديد مبدأ تصدير الثورة، و لعبت الوهابية دوراً كبيراً فى تعظيم الخطر "الشيعى الإيرانى" على هذه الدول، و مع أن مصر لا يوجد بها سكان شيعة و مؤسساتها الدينية خاصة الأزهر تقف من الشيعة موقف الاعتدال و الاحترام، إلا أنها توجست خيفة من مبدأ تصدير الثورةالإيرانية أيضاً، و أخذت الحكومة المصرية تتهم المعارضة الإسلامية بتلقى الدعم المادى و التشجيع المعنوى من حكومة إيران التى وضعت هذه الاتهامات فى خانة الإدعاءات.

و يرى الكاتب أن مصدر التوتر الرئيس بين القاهرة و طهران هى إطلاق الأخيرة اسم خالد الإسلامبولى قاتل السادات على أحد شوارعها، و رغم أن بلدية طهران غيرت اسم الشارع ليصبح "شارع الانتفاضة" فى 2004 إلا أنها فشلت فى محو البناء التذكارى للإسلامبولى و هو ما لم يرض القاهرة.

حماس: كانت العلاقات المتينة بين نظام الشاه و الولايات المتحدة و إسرائيل من أهم أسباب الثورة الإسلامية التى أعلن نظامها منذ بدايته دعمه لحق الفلسطينيين فى نضالهم ضد إسرائيل لاستعادة أرضهم السليبة، و يتشارك النظام الإيرانى مع حركات المقاومة الإسلامية الفلسطينية و على رأسها حركة حماس نفس الرؤية التى ترى أن ترى أن السبيل النضالى الصحيح هو المقاومة المسلحة لإسرائيل، و يقول الكاتب أن هذه الرؤية تحقق مكاسب للسياسة الإيرانية أولها زيادة شعبيتها لدى الشعوب العربية و ثانيها نزع الصفة الطائفية عن سياستها.

على الجانب الأخر من هذه السياسة تقف مصر باعتبارها الدولة العربية الأولى التى وقعت اتفاقية سلام علنية مع إسرائيل و انتهجت سبيل الدبلوماسية كأساس للتسوية السلمية مع إسرائيل، و لعب الدعم الإيرانى لحماس و تعاطف جماعة الأخوان المسلمين-أكبر كيانات المعارضة المصرية- معها الدور الأبرز فى تشكيل السياسة المصرية تجاه حماس خاصة بعد سيطرتها على قطاع غزة و طردت سلطة فتح منه، و تحددت هذه السياسة فى ثلاث مبادئ
هى دعم حكومة محمود عباس بقوة باعتبارها الحكومة الفلسطينية الشرعية و لعب دور الوسيط بين فتح و حماس و إدانة التدخلات الإيرانية فى القضية الفلسطينية و اتضح هذا فى تصريحات الرئيس مبارك فى أبريل 2009 التى قال فيها أن إيران خلقت "جمهورية إسلامية على الحدود المصرية".

حزب الله: كان لإيران الدور الأكبر فى إنشاء و دعم حزب الله اللبنانى، و بالنسبة لمصر فالحزب ليس إلا مخلب قط لإيران و لا يهدف إلا إلى زعزعة الاستقرار فى المنطقة و حماية المصالح الإيرانية. و على هذا دانت مصر حزب الله و عملياته التى أدت إلى نشوب حرب صيف 2006 مع إسرائيل، إلا أن الدمار الذى سببته الأخيرة لمجمل لبنان فى هذه الحرب دفع مصر نحو إظهار تأييدها للمقاومة التى يقودها الحزب ضد إسرائيل.
و مع هذا لم يتغير الموقف المصرى من حزب الله، حيث أبدت ارتياحاً لخسارته فى الانتخابات البرلمانية اللبنانية فى مايو 2009 و لاسيما أن هذه الانتخابات أدت إلى صعود "التحالف السنى" الذى تؤيده مصر و باقى الدول العربية المعتدلة. و وصل توتر العلاقات بين مصر و حزب الله بعد حرب غزة الأخيرة، حيث أعلنت الحكومة المصرية عن اكتشاف خلية للحزب فى مصر قالت أنها كانت تخطط لتفجيرات على أرضها، و هى اتهامات أنكرها الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله الذى قال فى خطاب له أن هذه الخلية كان هدفها تقديم الدعم العسكرى و اللوجيستى لحركة حماس التى كانت تخوض حرباً ضد إسرائيل، و مع هذا استخدمت الحكومة المصرية هذه القضية لتأكيد مزاعمها بأن الحزب و من ورائه إيران يسعى لاختراق الأمن القومى لمصر.

دول الخليج العربية: كقوة إقليمية كبرى فإن مصر ترى ان أمنها القومى يتجاوز حدودها ليمتد إلى كل منطقة الشرق الأوسط، و من ثم ترى فى "التمدد الشيعى" الذى تقوده إيران خطراً محدقاً بهذا الأمن. و فى ظل هذا التوجس أصدر الرئيس مبارك تصريحات قال فيها أن ولاء الشيعة العرب لإيران أكثر من بلادهم و هو ما أثار انتقادات عدة، و أضيف هذا التصريح لحديث العاهل الأردنى الملك عبد الله الثانى عن الهلال الشيعى.

و تدعم مصر الإمارات العربية فى نزاعها مع إيران حول الجزر الثلاثة التى تحتلها الأخيرة، و كذلك تدعم البحرين التى يدعى بعض المسؤولين الإيرانيين –كان آخرهم على أكبر ناطق نورى مستشار مرشد الجمهورية- أنها جزء من إيران، و لإظهر هذا الدعم قام الرئيس مبارك بزيارة البحرين عقب تصريحات نورى و التقى بملكها.

على أن أكثر المخاوف المصرية و العربية من النفوذ الإيرانى تتمثل فى الحالة العراقية، فمنذ الحرب التى أطاحت بنظام البعث فى العراق 2003 و النظام العربى يعتقد أن العراق يبتعد عنه ليقع فى يد إيران التى استطاع حلفاؤها من الأحزاب الشيعية السيطرة على مقاليد السلطة فى ظل الاحتلال، و تظهر هذه المخاوف فى تردد مصر فى إقامة علاقات دبلوماسية مع النظام الجديد خاصة بعد مقتل السفير المصرى السابق فى بغداد يوليو 2005، و نشر بعض الجرائد المصرية بأن المخابرات الإيرانية ورء مقتله. و رغم أن الدبلوماسيين المصريين اشتركوا مع نظرائهم الإيرانيين فى مؤتمرات و محافل دولية عقد لبحث الاستقرار فى العراق، إلا أن هذا لم يخفف من التوجس العربى من الدور الإيرانى فى العراق، الذى يرى أنه سيشهد منحنى تصاعديا بعد الانسحاب الأمريكى العسكرى.

و يبدو أن مصر تفضل التعامل مع الساسة العراقيين السنة أو الشيعة العلمانيين. إلا أن نجاح الحكومة العراقية الحالية المتحالفة مع طهران فى تحقيق قدر كبير من الاستقرار يجعل عليها و على غيرها من الحكومات العربية قبول الحقائق الجديدة فى العراق و التعامل مع حكوماته المختلفة و التصالح بين طوائفه المختلفة.

البرنامج النووى الإيرانى: يؤكد الكاتب أن هذا الملف الذى أثقل كاهل المجتمع الدولى عند التعامل معه، يضع العديد من الضغوط على الحكومة المصرية، فمن ناحية تؤكد القدرات النووية لإيران سواء كانت سلمية أو عسكرية على هيمنتها و نفوذها الإقليمى الذى يجابه المكانة المصرية، و من ناحية ثانية: تعارض مصر و غيرها من الدول العربية أى هجمات عسكرية إسرائيلية أو أمريكية تطيح بالاستقرار فى الشرق الأوسط ككل. و كذلك فإن محاولة إيران لامتلاك سلاح نووى سيشعل فى المنطقة سباقاً للتسلح، و يرى بعض المتخصصين أن دولاً كمصر و السعودية ربما تسعى لتطوير قدرات عسكرية، إلا أن الكاتب لا يؤيد هذا الرأى و يذهب إلى أن الأمن هو الدافع وراء سعى الدول لامتلاك سلاح نووى و مصر لا تتهددها قوة خارجية، و التحدى الأكبر الذى يمثله المشروع النووى الإيرانى هو أنه تحدى سافر للفخر الوطنى المصرى، و فى حالة سعى مصر للولوج إلى البوابة النووية ستدفع ثمن مثل هذه المحاولة غالياً.

الأمن الإقليمى: أدت سيطرة الشيعة على الحكومة العراقية و انتصار حزب الله على إسرائيل و ارتفاع نبرة الخطاب الإيرانى فى مواجهة الغرب إلى اتجاه بعض الدول العربية لرؤية الصراع فى المنطقة على أنه صراع عربى/ فارسى او سنى/ شيعى، و دخلت إسرائيل لتؤكد على هذه الرؤية بمصطلحات مختلفة كقول بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى بأن المنطقة تعيش نزاعاً بين هؤلاء الذين يريدون العنف و الموت و هم إيران و حلفاؤها( حماس و حزب الله و سوريا) و هؤلاء المعتدلين الدول العربية و إسرائيل، و رغم أن مبارك انتقد تصريح نتنياهو هذا، إلا أن الكاتب يشير أن العلاقات المصرية الإسرائيلية أدفأ من العلاقات بين القاهرة و طهران و التوتر فيها ليس خافياً على أحد.

و مع ذلك يرى يرى الكاتب أن هناك العديد من التطورات الأخيرة التى ألمت بإيران و المنطقة مثل أزمة الانتخابات الرئاسية الإيرانية و التقارب السورى العربى الأمريكى و التى غيرت من صورة إيران لدى العديد من الدول باعتبارها صاحبة النفوذ الأكبر.

التقارب المحتمل: و يبحث الكاتب فى الجزء الأخير من دراسته هذه احتمالات التقارب المستقبلى بين القاهرة و طهران و يشير إلى أن عدم وجود تمثيل دبلوماسى بين البلدين لا يعنى عدم وجود حوار بينهما، و هذا الحوار يتمثل فى العديد فى الزيارات التى يقوم بها الدبلوماسيون و المسؤولون الإيرانيون للقاهرة و إعلان نجاد عن إمكانية افتتاح سفارة إيرانية فى القاهرة فى حال بادرت مصر بافتتاح سفارة لها فى طهران و كذلك حديث جهات إيرانية عديدة أن التنافر بين البلدين الكبيرين يضر بمصالح العالم الإسلامى. و يعلق الكاتب على المصلحة الإيرانية فى التقارب مع القاهرة بأن دوافعها تتمثل فى أن توثيق العلاقات مع القاهرة يخفف من العزلة الدولية و العقوبات الدبلوماسية و الاقتصادية التى يفرضها الغرب على إيران.
كما أن الأخيرة أن إقامة تحالف يربط القاهرة و دمشق و بغداد و طهران من شأنه أن يجابه النفوذ و الهيمنة الأمريكية على المنطقة و يساعد على استقرارها. ‘لا أن هذه الدوافع الإيرانية لا تجد حماساً من القاهرة.      
فمصر لا تزال متشككة من النفوذ الإيرانى فى الشرق الأوسط و تحمل استراتيجيات و رؤى مختلفة للأوضاع فى العراق و لبنان و كذلك بالنسبة لإسرائيل، كما أنها تتوجس من التأثير الإيرانى على المعارضة الإسلامية داخلها، و من ثم فإيران لا تزال خطراً على دورها و استقرارها. و يربط الكاتب هذه الرؤية المصرية باستمرار نهج العقوبات الاقتصادية و الدبلوماسية الذى تتبناه إدارة أوباما الأمريكية فى تعاطيها مع إيران و هو ما لا يجعل مصر متحمسة لإقامة علاقات حميمة مع طهران، و بناءً على ما سبق يخلص الكاتب إلى أن اختلاف الدوافع و الرؤى بل و تصادمها بين القاهرة و طهران يجعل من احتمال التقارب أمر بعيد المنال على الأقل فى الأمد المنظور.

*عن المركز الديمقراطي العربي للسياسة والإقتصاد


 

مواضيع ذات صلة :