كشف موقع «ويكيليكس» غطاء السرية عن القاء «اللغز» الذي مازال يثير الكثير من التساؤلات منذ أكثر من 30 عاما، وشكّل مفصلا في سلسلة الأحداث التي أدت إلى حرب الخليج الثانية، وجمع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، والسفيرة الأميركية في العراق أبريل غلاسبي في 25 يوليو/تموز 1990.
«وتنقل البرقية الأميركية السرية تفاصيل الحديث الذي جرى في هذا اللقاء، حيث أكدت غلاسبي أن أميركا » لن تعذر أبداً تسوية الخلافات بأي طرق غير سلمية «، ناقلة في نفس الوقت » رسالة صداقة « من الرئيس الأميركي حينها جورج بوش الأب، فيما ردّ صدام على هذه الرسالة بمثلها، لكنه أبدى قلقه من الدعم الاميركي لـ» أنانية الكويت والإمارات، مشدداً على أن العراق لا يرغب بالدخول في حرب إلا أنه سيقوم بذلك إذا تعرض للإهانة العلنية، مهما كان الخيار مدمّراً، بحسب البرقية.
«وتفيد البرقية الاميركية العائدة إلى 25 يوليو/تموز 1990و التي أعدتها غلاسبي، بأن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين استدعاها والتقاها بحضور وزير الخارجية العراقي حينها طارق عزيزومدير مكتب صدام ومدونين ومترجم عراقي. وأكدت غلاسبي أن صدام » كان مضيافاً وعقلانياً، بل حتى حميماً خلال اللقاء الذي دام ساعتين.
«وذكرت غلاسبي أن صدام بدأ حديثه بالقول إنه يريد توجيه رسالة إلى بوش، ثم أعاد سرد » تاريخ القرارات العراقية في إعادة العلاقات الدبلوماسية (مع أميركا)، وتأجيلها عند ابتداء الحرب (مع إيران)، كي لا ينظر إلى العراق على أنه ضعيف ومحتاج «. وتابع صدام واصفاً » الانتكاسات « التي شهدتها العلاقات الثنائية منذ عام 1984، » وأبرزها فضيحة ايران غايت «. كما أكد الرئيس العراقي الراحل، أنه » بعد انتصار الفاو، ازدادت الشكوك العراقية حول النوايا الأميركية، وبأن أميركا لم تكن راضية عن رؤية الحرب تنتهي.
«وشدد صدام على أن العراق يواجه مشاكل مالية جدية، بدين يبلغ 40 مليار دولار أميركي، موضحاً أن » العراق الذي أحدث انتصاره في الحرب ضد إيران، فارقاً تاريخياً بالنسبة للعالم العربي والغرب، يحتاج إلى خطة مارشال «، مستطرداً » لكنكم تريدون أسعاراً منخفضة للنفط «، فيما اعتبرته غلاسبي » اتهاماً للأميركيين، بحسب الوثيقة.
«وقال الرئيس العراقي إن » العراق يقبل بأن لكل دولة الحرية في اختيار أصدقائها، لكن الحكومة الأميركية تعرف أن العراق، لا أميركا، هو من حمى أصدقاء أميركا خلال الحرب (مع إيران)، وهذا متوقع بما أن الرأي العام الأميركي، ناهيك بالجغرافيا، كان ليجعل من المستحيل قبول أميركا بسقوط 10 آلاف من جنودها في معركة واحدة، كما فعل العراق «. وتساءل صدام » ماذا يعني أن تعلن الحكومة الأميركية التزامها بالدفاع عن أصدقائها، فردياً وجماعياً؟ «، قبل أن يجيب بنفسه: » بالنسبة للعراق، يشكل ذلك انحيازاً فادحاً ضد الحكومة العراقية.
«وفي » التطرق إلى إحدى نقاطه الأساسية « بحسب غلاسبي، قال صدام إن المناورات الأميركية مع الإمارات والكويت » شجعتهما في سياستهما البخيلة «، مشدداً على أن » حقوق العراق ستسترجع، واحدا تلو الآخر، حتى لو تطلب ذلك شهراً أو أكثر من عام بكثير «، معرباً عن أمله في أن » تكون الحكومة الأميركية متناغمة مع كل أطراف هذا الخلاف.
«وأوضح صدام أنه » يفهم أن الحكومة الأميركية مصممة على تواصل تدفق النفط، والمحافظة على صداقاتها في الخليج «، لكن ما لا يفهمه هو لماذا يشجع
|
خرج صدام من اللقاء ليتلقى مكالمة من الرئيس المصري حسني مبارك، طلبت منه غلاسبي ان يخبرها بتفاصيلها. |
«وأعرب صدام عن » اعتقاده التام « بأن الحكومة الأميركية تريد السلام، لكنه توجه إلى غلاسبي قائلا » لا تستخدموا الأساليب التي تقولون إنكم لا تحبونها، كليّ الذراع.
«و» استفاض « صدام بحسب غلاسبي في الحديث عن » عزّة العراقيين « الذين يؤمنون بـ» الحرية أو الموت، قبل أن يؤكد أن العراق سيضطر إلى الرد إذا استخدمت أميركا هذه الأساليب.
«وقال صدام إن العراق » يعلم أن باستطاعة أميركا إرسال الطائرات والصواريخ وإنزال الأذى العميق بالعراق «، لكنه أضاف متمنياً ألا » تدفع أميركا العراق إلى نقطة الإهانة، التي سيتم عندها التغاضي عن المنطق. العراق لا يعتبر أميركا عدوة، وقد حاول أن يبني صداقة «، وتابع قائلا إن » العراقيين يعرفون معنى الحرب ولا يريدون المزيد منها. لا تدفعونا إليها، لا تجعلوها الخيار الوحيد المتبقي للدفاع عن كرامتنا.
«وبعدما طالب صدام أميركا بأن تنظر إلى حقوق » 200 مليون عربي، بالطريقة نفسها التي تنظر فيها إلى حقوق الإسرائيليين «، خلص إلى القول بـ» إننا لن نتضرع إلى أميركا للحصول على صداقتها، لكننا (إذا حصلنا عليها) سنفي من جانبنا بها.
«ونقلت غلاسبي عن صدام استرجاعه حادثة كمثال، مفادها أنه أبلغ زعيم الأكراد العراقيين عام 1974 بأنه » كان مستعدا لتقديم نصف شطّ العرب إلى إيران، للحصول على ازدهار لكل العراق، فراهن الكردي على أن صدام لن يقوم بذلك، وكان الكردي مخطئا. وحتى اليوم، فإن المشكلة الحقيقية الوحيدة مع إيران هي شطّ العرب، وإذا كان إعطاء نصف الممر المائي هو العائق الوحيد بين الواقع الحالي وازدهار العراق، فيؤكد صدام انه سيتخذ قراراً متماشياً مع ما قاله عام 1974.
«من جهتها، قالت غلاسبي لصدّام إن الرئيس الأميركي طلب منها » توسيع وتعميق العلاقات مع العراق «، معتبرة أن تعرض » بعض الدوائر الأميركية في
|
«صدام : العراق يعلم أن باستطاعة أميركا إرسال الطائرات والصواريخ وإنزال الأذى العميق بالعراق» ، لكني أتمنى ألا تدفع أميركا العراق إلى نقطة الإهانة. |
«وسألت غلاسبي صدام » أليس منطقياً أن نكون قلقين عندما يقوم الرئيس العراقي ووزير خارجيته بالقول علنا إن خطوات الكويت تساوي اعتداءً عسكريا؟ ومن ثم نعلم أن وحدات عديدة من الحرس الجمهوري أرسلت إلى الحدود؟ أليس منطقياً أن نسأل بروح الصداقة لا المواجهة: ما هي نواياكم؟.
«وروى صدام عند هذه النقطة محاولات تواصله مع دول الخليج، قائلا » صدقيني لقد حاولت أن أقوم بكل ما في استطاعتي: أرسلنا مبعوثين، وكتبنا رسائل، وطلبنا من الملك فهد (السعودي)، تنظيم قمة رباعية (العراق، السعودية، الإمارات والكويت). اقترح فهد قمة لوزراء النفط عوضاً عن ذلك، ووافقنا على اتفاق جدة على رغم أنه كان أدنى من مستوى توقعاتنا بكثير. وبعد يومين أعلن وزير النفط الكويتي أنه يريد إلغاء الاتفاق.
«وقال صدام إن مبارك نقل له خبر موافقة الكويتيين على التفاوض، وأن » رئيس الوزراء الكويتي سيلتقي في الرياض مع الرجل الثاني في الحكومة العراقية عزت إبراهيم الدوري، ثم سيأتي الكويتيون إلى بغداد قبل الاثنين 30 تموز 1990 «، مضيفاً » لقد قلت لمبارك، إن شيئاً لن يحصل (عسكريا) حتى يتم اللقاء، ولن يحصل شيء خلال اللقاء أو بعده إذا أعطانا الكويتيون أملاً على الأقل.







