اقتصاد خليجي نُشر

السعوديون يتعجلون انجاز المدن الاقتصادية

Imageعلى مسافة ساعة بالسيارة إلى الشمال من جدة وعلى ساحل البحر الاحمر يكدح 8000 عامل تحت شمس الصيف اللافحة لبناء مدينة تأمل السعودية أن تكون مفتاح مستقبلها الاجتماعى والاقتصادي. وإذا سارت الامور وفق الخطة الموضوعة فإن مدينة الملك عبدالله الاقتصادية وشقيقاتها الثلاث فى حائل وجيزان والمدينة ستصبح بحلول عام 2020 على الاقل مراكز عمرانية تعج بالحياة فى المملكة التى تعانى من ارتفاع البطالة وزيادة الاعتماد على النفط. وسيسمح فى هذه المدن للنساء بقيادة السيارات وربما يسمح باقامة دور للسينما لتصبح مراكز جديدة تضاف الى المراكز القليلة للحرية فى السعودية التى شهدت تخفيف بعض قيود الفصل بين الجنسين فى السنوات الاخيرة مما أثار حفيظة الكثير من المحافظين المتدينين. إلا أنه رغم وفرة الأموال حيث تقول الحكومة إن الخطة اجتذبت استثمارات تبلغ 35 مليار دولار من مستثمرين أجانب فإن قوى عديدة من بينها المؤسسة الدينية وكذلك التوترات مع ايران والعراق قد تعرقل هذه العملية. وقد حاولت السلطات الحد من بعض نفوذ رجال الدين منذ هجمات 11 سبتمبر ايلول عام 2001 فى الولايات المتحدة التى كان 15 من المشاركين فيها سعوديين وأسفرت عن مقتل نحو ثلاثة الاف شخص وكذلك منذ تفجر حملة تنظيم القاعدة ضد الدولة عام 2003. وفى المدن الاقتصادية يتوقع الكثيرون ابعاد رجال الدين عن الحياة الاجتماعية وأماكن العمل والتعليم. وقال عبدالعزيز الجاسم رجل الدين الاصلاحى "تغير المجتمع تغيرا جوهريا ومقياس ذلك ان الفتوى الرسمية القديمة لم يعد لها السطوة التى كانت تتمتع بها". وقال إن المحرمات الاجتماعية والسياسية انكسرت وأشار الى كشف النساء لوجوههن فى بعض الاماكن العامة والمشاركة الشعبية عام 2005 فى الانتخابات البلدية مما خفف من فكرة الطاعة المطلقة لأولى الامر التى يصر عليها رجال الدين. وأضاف "البنت أو الشاب الذى يسمع فتوى لا يطيعها على الفور بل يذهب إلى جوجل ويسمع آراء أخرى ويناقشها". ورغم أن الأعمال مازالت فى بدايتها فستكون مدينة الملك عبدالله درة تاج المدن الاقتصادية. وتقف بوابة شامخة تحمل صورة الملك وشعار "رؤية قائدنا جسدت احلامنا" وحدها وسط الصحراء أمام مساحة تبلغ 388 كيلومترا مربعا. لكن بعد البوابة يمتد طريق طويل تزينه لافتات على أعمدة المصابيح ليكشف ضخامة المشروع الطموح الذى يتكون من مزيج يقوم على الحفاظ على البيئة يضم مرفأ ومنطقة صناعية ومركزا ماليا وأحياء سكنية ومنتجعا فاخرا ومدارس وكليات جامعية. ويضم نموذج المهندس المعمارى فى قاعة عرض تطل على البحر ناطحات سحاب وشاطئا ومنتجعا سياحيا ومدينة اعلامية. وتتولى تطوير المدينة شركة اعمار المدينة الاقتصادية التابعة لشركة اعمار العقارية الاماراتية. وكانت المدينة هى أول المدن الاقتصادية الاربعة عندما أعلن عنها فى عام 2006. وقال مدير العلاقات العامة خلال جولة بالموقع "هل تعلم أن المدينة ستكون أكبر من واشنطن؟" وتسع المدينة مليونى نسمة. وتتجاوز أهداف المدن خلق فرص العمل إلى التجديد العمرانى والتعليم الحديث وتخفيف قبضة المؤسسة الدينية على مجتمع ارتفع عدد أفراده الى المثلين خلال 18 عاما ليصل الى 17 مليون سعودى من بين السكان البالغ عددهم 25 مليون نسمة. ويطبق رجال الدين الفصل بين الجنسين فى مختلف أنحاء المجتمع من مقاه ومطاعم ومدارس وجامعات. وقال فهد الرشيد الرئيس التنفيذى لاعمار المدينة الاقتصادية "السعودية اليوم لا تعرض الخدمات المطلوبة. هناك نقص فى البنية التحتية والجانب الجمالى العمرانى الأساسى مفقود أيضا. "لدينا 60 فى المئة من سكاننا دون سن الثلاثين وهؤلاء يحتاجون لاماكن يعيشون فيها. لذلك سنخلق لهم الفرص التعليمية لكى يأتوا ويتعلموا ويعملوا." وتقضى الخطط باقامة عشرة الاف وحدة سكنية بحلول عام 2010 فى مدينة الملك عبدالله واستكمال عشرة فى المئة من المدينة. وقالت سمر فطانى الاذاعية والكاتبة فى مدينة جدة حيث تطبق قواعد الفصل بين الجنسين بقدر من التحرر "نحن نتطلع اليها." ويقول منتقدون إنه حتى هذه المراكز لن تكفى لجذب الاهتمام العالمى أو حتى اهتمام السعوديين فى ضوء سهولة العيش والعمل فى مدن قريبة مثل دبى حيث لا يوجد على سبيل المثال أفراد مؤسسة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الشوارع. وربما تكون البيروقراطية وسلطة رجال الدين فى المجتمع ككل كافية لتثبيط همم الكثير من الاجانب بما فى ذلك العرب عن العيش والاستثمار فى المملكة وخاصة فى منطقة جيزان التى تقع قرب اليمن ومدينة حائل الصحراوية. وستهدف مدينة المعرفة الاقتصادية التى تقتصر على المسلمين بالمدينة المنورة لجذب خبراء تكنولوجيا المعلومات من الدول الاسلامية فى اسيا. وقال دبلوماسى رفيع طلب عدم الكشف عن هويته لحساسية الموضوع إن هذه المدن باهظة التكلفة للغاية وغير قابلة للبقاء اقتصاديا دون دعم كبير من الدولة. وأضاف "من الصعب العثور على خبراء اقتصاديين جادين لا يتقاضون مرتباتهم من السعوديين يرون انها قابلة للبقاء." وكذلك لم يستسلم رجال الدين وشبكة أنصارهم الواسعة بالاضافة الى الاتجاه المحافظ الذى يسود المجتمع. وقال الكاتب عبدالله العلمى من الخبر وهى جيب آخر من جيوب الليبرالية فى السعودية وتقع فى المنطقة الشرقية إن الملك يتحدث أمام مجلس الشورى عن ضرورة مشاركة النساء لكن هذا الحديث لا طائل من ورائه لانه رغم أن الملك لديه نوايا طيبة فعندما يصل الامر الى مستويات أدنى تظهر المقاومة. وأشار إلى استمرار الاصرار على الفصل بين الجنسين فى العمل والمدارس والجامعات باعتباره دليلا على أن رجال الدين يعززون سيطرتهم مقابل تنازلات فى المناطق الجديدة. ويقول دبلوماسيون إن الملك عبدالله ومستشاريه يخشون أن يخبو بريق المدينة الاقتصادية بسرعة ويعملون على تحقيق انجازات بمدينة الملك عبدالله. ومنذ عام 2006 تولى شركة إعمار المدينة الاقتصادية ثلاثة رؤساء تنفيذيين وتقول شخصيات بقطاع الاعمال فى جدة إن الهيئة العامة للاستثمار المكلفة بالاشراف على المشروع تتعرض لضغوط للاسراع بتحقيق نتائج. وكان ايقاع الانجازات أسرع بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا المجاورة للمدينة الاقتصادية والتى تتولى شركة أرامكو السعودية أمرها. ومن المقرر ان تبدأ الدراسة بالجامعة فى أكتوبر تشرين الاول والا يتم الفصل فيها بين الجنسين. وكان العاهل السعودى افتتح الجامعة العام الماضي. لكن مما يزيد المخاوف احساس بأن مستقبل المدن مرتبط بمصير الاصلاحات الاجتماعية والسياسية. ويخشى كثير من الليبراليين أن يكون من سيخلف الملك عبدالله أقل اهتماما بالانفتاح وتخفيف الرقابة الدينية. وقالت فطانى "نحن نضع ثقتنا بالملك عبدالله لان من الواضح انه اصلاحي. فهو يمثل التفاؤل والتسامح وطريقة تفكير تقدمية." لكن آراء الحكام قد تنقلب مرة أخرى بكل سهولة فى ضوء التوترات السياسية التى تعانى منها المنطقة. ويقول الجاسم رجل الدين الاصلاحى "إذا تدخلت ايران بدرجة أكبر فى العراق وحاول الامريكيون تأييد الشيعة...فسنلجأ مرة أخرى إلى المؤسسة الدينية." (العرب اونلاين)

 

مواضيع ذات صلة :