آراء وأقلام نُشر

كرة القدم تسجل في الجزائر ومصر هدفاً قاتلاً

اظهر التنافس الرياضي في كرة القدم بين منتخب الجزائر ونظيره المصري مدى هشاشة العلاقات العربية - العربية حيث تبين من خلال تداعيات ما جرى إن العرب يملكون كل الاستعدادات للدخول في مواجهة مع بعضهم دون أدنى اعتبار للرابط القومي وللتاريخ المشترك وللمصالح البينية التي هي في حقيقة أمرها تشبه القلاع التي يتم تشييدها على الرمال والتي تسقط فور ما يلامسها الموج .

لقد كان من الطبيعي أن يحتدم التنافس بين منتخبي الجزائر ومصر خاصة وأنه على ضوء نتائجه ستحدد من سيصل إلى المشاركة في بطولة العالم العام 2010 .
ولكن لم يكن طبيعياً أن يتدخل الساسة وأن يعتبروا إن فوز أي فريق هو هزيمة نكراء للفريق الأخر ، وأنه انتصار لبلد على بلد شقيق ، وأن تصبح المنافسة جزءاً من إستراتيجية الدولة ومن أمنها القومي ومن كرامتها الوطنية ، أو إن يتدخل الصحافيون ويكتبون مقالات نارية تستحضر عند المصريين أمجاد الحضارة الفرعونية ، وعند الجزائريين انجازات المناضل الكبير عبد القادر الجزائري وثورة المليون شهيد .
كما أن من غير الطبيعي أن تتحول الشوارع في البلدين إلى ساحات للشتيمة والردح وكيل الاتهامات والمس برموز الدولتين ، وأن يتم استدعاء السفراء وتقديم مذكرات الاحتجاج . .. ولو كانت الدولتان متجاورتان لما تردد المسئولون في حشد الجيوش وإعلان حال الأستنفار العام .
ولو فتشنا عن أسباب مباشرة لتفاقم الخلاف المصري - الجزائري لما وجدنا ، ولكن يبدو إن ما حصل ليس سوى صورة مصغرة عن حقيقة الواقع العربي حيث بات من السهل على أي دولة عربية الدخول في صراع مع دولة عربية أخرى لانعدام الحس القومي الذي كان سائداً في القرن العشرين ، وانتقاء الاهتمام العربي بقضية مركزية كانت تجمع الكل حولها مثل القضية الفلسطينية .
فلقد أصبح لكل دولة مصالحها الخاصة بها ، وشبكة علاقات ذاتية ، وانتماء نابع من مفهوم الدولة المستقلة وغير
المعنية بأي دولة عربية أخرى ؛ وإذا كان هناك آليات لا زالت تجمع العرب ضمن إطاراتها الفضفاضة مثل جامعة الدول العربية وما ينبثق عنها من مجالس ومنظمات فإنها ليست أكثر من آليات شكلية لم تعد تعكس حقيقة الانتماء العربي وأن كل دولة عربية تنتظر على ما يبدو أن تعلن الدولة الأخرى وفاة هذه الآليات .
ولكم تمنينا لو لمسنا هذا الحشد السياسي والإعلامي والشعبي العربي حين تعرض الوزير فاروق حسني لشتى أنواع الضغوطات من قبل إسرائيل وبعض الدول الغربية عندما ترشح لمنصب مدير عام منظمة الأونيسكو حيث خرجت
المنافسة بينه وبين المرشحين الآخرين عن كل أصول التعامل الدولي .. كما لكم تمنينا لو لمسنا هذا الحشد عندما طالبت الجزائر الحكومة الفرنسية بتقديم اعتذار عن فترة استعمارها دون إن تلقى أي اهتمام من ذوي الشأن في باريس ..
ولطالما إن الشيء بالشيء يذكر.. الم تجري خلال نفس الفترة مباراة بين ايرلندا وفرنسا وقد عمد خلالها اللاعب الفرنسي الشهير تييري هنري إلى دفع الكرة بيده ومن ثم تسليمها إلى زميله ليسجل هدف التأهل إلى بطولة العالم دون أن يؤدي ذلك إلى استغلال ما حدث سياسياً وإعلاميا وشعبياً بين فرنسا وأيرلندا؛ بل بقيت المسألة محصورة في إطار الاتحادات الرياضية المعنية بهذا الشأن .
ألم يكن من الأجدى أن تبقى الاختراقات التي حصلت بين منتخب الجزائر ومصر ضمن أطرها الرياضية دون أن تصبح قضية دولة وأمة ومصير شعوب ؟ .
أم إن العرب هم العرب أقوياء على بعضهم وضعفاء أمام الآخرين ؟.
وحتى وإن مارسوا لعبة كرة القدم فإنهم لا يتوانون عن تسجيل أهداف قاتلة في شباك بعضهم .!!

*رئيس مركز الدراسات العربي الأوروبي


 

مواضيع ذات صلة :